ساحتنا والمراوحة بين مفهومي (إسقاط النظام) و(تغييره)

سماديت كوم Samadit.com

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح المصدر: الجبهة نت

الناظر إلى الساحة السياسية الارترية التي تقف في مواجهة النظام في اسمرا يلاحظ إنها تعيش مرحلة عدم انضباط في المفاهيم الت

تتداولها إلى حد يدفع إلى تشويش يمكن وصفه بأنها تعيش إشكالية المراوحة بين مفهومي (إسقاط النظام) و(تغيير النظام).

فقد دخلت الساحة السياسية الارترية التي تعارفنا على وصفها (بالمعارضة) منذ بداية الألفية الثالثة في مرحلة تشوش مفاهيمي - إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير - فبينما كانت المفاهيم السائدة خلال العقد الأول التالي للاستقلال ذات معنى وبعد واحد تتمحور في مجملها حول هدف إسقاط النظام وتغييره تغييرا كاملا والإتيان ببديل في كل التفاصيل التي تأسس عليها بما يوحي إن المواجهة مع النظام الذي أقامته الشعبية تأسست على مفهوم (الصراع) بكل ما تعني هذه المفردة وهو ما يعني بونا كبيرا في الهوة بين الطرفين. ثم غزت عبارة (تغيير النظام) الساحة المقاومة مع ظهور الخلافات داخل النظام وبدء الانسلاخات عنه حتى ضاعت أو كادت تضيع مفردة إسقاط النظام في أوساطنا. فما هي دلالات هذا المستحدث وما هي الفروق في المفهوم من التعبيرين ؟ أخذا برصيدنا في التعامل مع مفهوم الصراع عبر ما يقارب أكثر من سبعين عاما وعلى عجالة يمكن الإشارة إلى انه بالرجوع إلى مسيرة الإشكال بين الارتريين والإثيوبيين نجدها مرت بمراحل متدرجة:-

• ففي بداياتها أخذت طابع مفهوم مطلبي سلمي باحترام الحقوق المنصوص عليها في نظام الاتحاد الفدرالي عبر(الاحتجاجات / المظاهرات / المذكرات).

• ثم بعد تأسيس جبهة التحرير الارترية وانطلاق الكفاح المسلح انتقل التعامل إلى مفهوم (الصراع) بين إرادات متعارضة ورغبات ومصالح متناقضة- رغبة إثيوبيا الإمبراطور ومنقستو في الهيمنة والاستعمار في مواجهة رغبة الارتريين وممثلهم جبهة التحرير الارترية في الحرية والاستقلال.

• وبشكل مواز شهدت ساحتنا انتقال (الصراع) بكل تأثيراته السلبية ومواصفاته إلى صفوف الثورة من حيث المفهوم (الرغبة في الانفراد بالساحة وسحق الآخر) ومن حيث السلوك (الحرب والقتل) وتحولت العلاقة بين الأطراف إلى علاقة خصم بل عدو تجب إزالته.

بتحرير ارتريا انتهى الصراع مع إثيوبيا ولكنه استمر في شكله الذي نشأ موازيا بين صفوف الارتريين. نعم بقي الصراع في الساحة الارترية نتيجة بقاء الركائز التي أوجدته أساسا وهي الرغبة في الهيمنة والانفراد وأدواتها(وهي التنظيمات والأشخاص) وبالدرجة الأساس الجبهة الشعبية التي لم يولد أيلولة المسئولية إليها وصيرورتها سلطة لكل الارتريين أي تطور في مفاهيمها السياسية وتعاملاتها معهم بل حولت مقولة الساحة لا تتحمل أكثر من تنظيم إلى منهج وسياسة - الدولة لا تتحمل إلا حزبا واحدا - وصدور الإرادات والسلوكيات الاقصائية ورفض الآخر باسم الدولة الارترية الأمر الذي لم يدع أي خيار للآخرين إلا الاستمرار في (مقاومة) نهج الانفراد والهيمنة والإقصاء لحكومة الجبهة الشعبية مما أبقى الصراع سيدا للعلاقة بينهم.

ما هي أرضية هذا الصراع ؟ الحقيقة الأولى إن حرمان الذين ناضلوا من اجل الحرية من التمتع بثمار الحرية قد أدى إلى استمرار الصراع مع تحول هدف (التحرير) من إثيوبيا إلى (إسقاط السلطة الجديدة) التي حلت محل الاثيوبين في حرمان الارتريين من الحرية ولم يكن بد من الاستمرار في استخدام ذات الوسيلة التي اعتمدت في محاولات حسم الصراع في فترة ما قبل التحرير(البندقية) فهي الوسيلة التي كانت حاسمة في انتزاع الحرية من الاستعمار تأسيسا على إن نيل الحقوق لا يتاح إلا بتغييب من ينكرها مهما كانت هويته.

هل كان الرضوخ لإرادة النظام وحزبه والقبول بالإقصاء سيكون حلا لازمة الحرية ومنهج الإقصاء في البلاد ؟ الإجابة قدمتها التجربة خلال أكثر من ربع قرن بـ(لا). وبالتالي فان (المقاومة) كانت خيارا وحيدا كما كانت خياراتنا في مستهل الستينات أمام الاستعمار مقصورة على خيار البندقية لا غير.

ما هي إجابة التجربة التي نأخذها بالحسبان ؟

1. الذين التحقوا تحت تأثير رحيل الاستعمار صدمهم انعدام الحرية فعادوا أدراجهم مبكرا.

2. الذين شككوا في فائدة منهج الإقصاء عوقبوا بكل الوسائل.

3. في اقل من عشر سنوات من عمر النظام بدأت عمليات الانسلاخ الواسعة عن أجهزة ومؤسسات حزب الإقصاء.

4. في سلسلة من التدرج نحو التخلص من مفاهيم الحرية أقصت الدولة التنظيم (الجبهة الشعبية) الذي قاتل من اجل الحرية (بالحزب) وأقصت الحزب بالفرد. هذا التدرج للتنازل من قيم النضال الوطني كله كان مشروعا اختياريا خالصا للجبهة الشعبية بدون أي تدخل أو ضغوط من الطرف الآخر (المعارضة) ونخلص بالتالي إلى أن قراءة الأخيرة للتوجه السياسي للجبهة الشعبية ومآلات الأمور بعد التحرير كانت صحيحة.

وتأسيسا على إن (المعارضة) غالبا هي مفهوم وممارسة مشروعة بموجب أنظمة الدولة تتم تحت اعتراف وحماية القوانين وان ما تمارسه من نشاط بما في ذلك سعيها للسلطة يندرج تحت مفهوم (المنافسة) وهو الحالة المنعدمة تماما في ارتريا فان الذين يرفضون سياسات الإقصاء والحرمان في ارتريا ويواجهون الزمرة المتسلطة هم اقرب إلى أن يكونوا مقاومة منهم إلى معارضة.

كما اشرنا ظهر استخدام مفردة تغيير النظام في الساحة السياسية الارترية المقاومة في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة تبعا لمسلسل الانسلاخ من النظام والتحاق العديد منهم بساحة المقاومة واخذ يتمدد بصورة (هادئة) وغدا منافسا مفاهيميا وسياسيا لمفردة إسقاط النظام التي كانت سيدة الساحة قبل التحاق العديد من المنسلخين عن النظام من قيادات وكادر الحزب والدولة. ومع مرور الزمن بدأ يتضح إن تعبير (تغيير النظام) منهج ورؤى سياسية يراد لها أن تحل محل تعبير (إسقاط النظام) وليس مجرد مفردة (رديفة) في المعنى لما كان مستقرا في السابق.

ويتضح هذا من التدرج الذي شهده التعبير وتنقلاته من مجرد تغيير إلى / تغيير آمن / وتغيير منظم / وأخذت بعدها السياسي الواضح في مخرجات ووثائق مؤتمر (اواسا) 2011م بتقييد التغيير المطلوب بأنه (تغيير ديمقراطي) ولا جدال في اللغة هنا إن (ديمقراطي) شرط للتغيير وليست نتيجة له ثم استقر الأمر في مخرجات لقاء فرانكفورت الأخير في أكتوبر الماضي بأوضح ما يكون عبر مصطلح (التحول السلمي) وبذلك حل هذا المصطلح بكل مدلولاته السياسية محل مصطلح إسقاط النظام حلولا كاملا.

إذن ما تم حتى الآن هو انتقال سياسي بما يحمل من مضامين مختلفة تمام الاختلاف فمثلا مفهوم (التغيير) - كما أرى - قد يتوقف عند حد (الإصلاح) وبالتالي يحمل في طياته قدرا من التضحية بمطالب مركزية بالنسبة لحاملي شعار الإسقاط. ومن هنا تتولد أسئلة مهمة من قبيل هل يقبل النظام بقدر من الإصلاح يطال بعض مرتكزا ته الأساسية (أشخاصه - منهجه - سلطته) كأساس للحل ؟ الإجابة تكمن في قدرة الطرف المقابل على استعادة توازنه في مقابل النظام.

وبالمقابل هل تقبل المعارضة-مجازا-بحل إصلاحي (جزئي) يحقق بعض مطالبها مع بقاء النظام ؟ أظنها تقبل - مجرد ظن - إذا توفرت الشروط التالية:-

• أن يبادر النظام بالقبول بالحوار وبمناقشة مطالب المعارضين.

أن يؤدي الحوار إلى قبول النظام بالمطالب الجوهرية التي أدى فقدانها إلى الصراع وفي مقدمتها القبول بوجود الآخر والسماح له بالتعبير عن مطالبه.

• وجود وسيط مقبول بين الطرفين يضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.

القبول بإحالة المسائل المختلف عليها إلى الخيار الشعبي (الاستفتاء).

Top
X

Right Click

No Right Click