حجي جابر... مانيفستو مصوّع

بقلم الأستاذ: عثمان همد نور الدين (ود أبيب)

يا سلام... بعد أن تناولت فنجان من القهوة الحبشية الهررية الرقاقة... ادرت ازرار الريموت...

لأجد سلوايا في منفستو مصوع واستمتعت بمشاهدة حلقة فريدة في مضمونها، ومتميزة في قامة وقيمة ضيفها، بعنوان (منيفستو مصوع)... في برنامج (المشاء) التي بثته قناة الجزيرة... عن الأديب والقاص والروائي الأرتري الجميل الإستاذ حجي جابر...

حيث انتقل بنا المشاء عبر حلقات رحلة (حجي) المبكرة جداً... التي ربطت غربي البحر الأحمر... حيث الوطن الأم إرتريا... بشرقي البحر الأحمر، حيث الوطن البديل السعودية... وما بين سردية مصوع المولد... ومدينة جدة النشأة والتطور،

عند القاص حجي جابر... عشق قديم احتفظ به في الذاكرة لنفسه... وثم تتجدد ليظهر بقوة، ليشارك به قراءه وعشاقه ومحبيه، في سلسلة منتوجه الأدبي الجميل (سمراويت... مرسي فاطمة... لعبة المغزل)... حجي جابر هذا الأديب الجميل الأسمر حالة فريدة، ولسان حال عبرة بقوة عن قصة شعب مناضل، ووطن ابي، وأرض معطاة، وثورة عادلة، تعرضت لسرقة كبري، واحتيال مرعب، فقلب الأمل، الي ألم، والحلم الي كابوس... جحي جابر المبدع الرائع، عاشف الفاطمتين... فاطمة الأم الحنونة الصبورة التي شكلت كل تضاريس وملامح حياة حجي جابر... وفاطمة الزوجة والرفيقة والحبيبة وام الأولاد التي تلقفت الرسالة... واستلمت الأمانة... وتحملت مسؤلية صناعة الحياة من الأم الكبري... لتواصل مسيرة الكفاح مع الزوج والرفيق والحبيب حجي جابر...

وايضا قصة حجي جابر مع الجدة الكبري حليمة فيها الف درس وبإعتبار... عندما تغرس روعة الوطنية وحب الأوطان في الناشئة منذ الصغر... بطريقة وأسلوب التلقائية الرائعة للجدة الكبري حليمة التي شكلت الحبل السري الذي مد الصغير حجي بكل علوم وجمال الوطن، وقصة الوطنية إرتريا... التعليم في الصغر كالنقش في الحجر...

ومن ثقافة الجدة تشبع حجي ببهاء المدينة مصوع... و بالمنظومة المجتمعية المترابطة لعموم العائلة من خلال قصص واحاجي الوطن... التي تغمر جلسات القهوة وسفرة الطعام والونسة... كل ذالك الزخم المعرفي شكل الذاكرة التاريخية... والمدرسة المرجعية القصصية والتاريخية الأولي، لحجي الجداوي الصغير... عن سماع ومعرفة كل شئ عن الوطن والمدينة الأم... كما أن مدينة جدة بتنوعها الثقافي... و تعددها الإجتماعي... شكلت بنية النشأة والتطور الأولي لمعرفة كل دروب الحياة لكاتبنا واديبنا الجميل حجي جابر... و ربما في مدينة جدة المنشأ كان التعويض والسلوي... عن مدينة مصوع...وحي الختمية المولد...

والمذهل في حياة اديبنا الرائع حجي جابر... عندما عاد بعد غيبة المهجر الطويل الي مدينته العتيقة مصوع، التي طالما سمع عنها كل شئ جميل شفاهة من خلال سمر العائلة... وجدها متغيرة... الثقافة... و اللغة... والناس... ومختلفة الحال والمئال بصورة بائسة... ومتشوحة بثوب البؤس والشقاء... وما عادت تلك المدينة التي كانت تعج في ايام زهوها وكبرياءها بكل اللوان الطيف الإجتماعي والثقافي... كثغر باسم يطل على العالم من خلال نافذة مصوع في البحر الأحمر...

والحيرة الأشدة إذهالا في حياة الإنسان لدرجة الإغماء وغياب الوعي ،في قصة الوطن الأم، عندما يتحول حلم الثورة والنضال بدولة المواطنة، التي احتشد الجميع في ثورتها... الي مسلسل من الكابوس والرعب والكئابة والظلم والسجن الكبير... بعد نسائم الحرية وقيام الدولة... هذه مأساة شعب... ومحنة أرض... وعذابات انسان... وقصة ثورة ووطن مسروق... فمصوع التي منها حجي جابر، ووجدها متغيرة الملامح والثقافة والإنسان بعد عودته اليها... كانت تتحدث العربية وشقيقاتها الجزئيات منذ ثلاثة الف سنة... وتصدر بها الصحف والصحافة... و تكتب بالعربية رسائلها البريدية منذ منتصف القرن التاسع عشر... ومن يقول لحجي جابر هل انتم تتحدثون العربية ؟... وتصدرون بها رواياتكم..!

بمن سماهم بدول المركز... واستغرابهم... أو غربتهم عن معرفة ما يدور في دول الهامش، كحال إرتريا... هذه أيضا مأساة معرفية أخري... تزيد وتطيل من معاناة المهمشين... في أوطان الهامش... وفجيعة الأوطان تكون كارثية عندما يحل المبدعون الأحرار ضيوفا في سجونها... ويقيم المثقفون و الموهوبون غرباء خارجها... وحالة الفنان إدريس محمد علي... والروائي حجي جابر... مثال صارخ لقصة محنة الوطن المختطف... والشعب المعذب... والسجن الكبير الذي يسع الجميع...

إلا من الهيكل وحملة عرشه... أو الموت في المحيطات طعاماً للأسماك وحيتان البحار... أو الموت في الصحراء عطشا و جوعاً طعاماً للصقور وهوام الصحراء... أو الموت في ايدي عصابات تجارة البشر كقطع غيار بشرية... نعم انه الموت الأحمر... ثم الموت الأسود... ثم الموت الأزرق... وأخيراً الموت بكل الألوان والأشكال في انتظار الكل الداخل، والخارج...

إنها قصة وطن منكوب بكل المعايير الحقوقية والإنسانية... عبر عنها حجي جابر بحرقة في قالب روائي فني رائع... فله ترفع قبعة التحية والإحترام والشكر... نحو المزيد من الإبحار في محيطات الإبداع... في سبيل الإيضاح والتعريف بقصة و مأساة الوطن المأزوم... تحياتي....

Top
X

Right Click

No Right Click