نادو القشة التي قصمت ظهر الدرق
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ
ضربة البداية: أن الفيلق 381 كان يتكون من تسعة فرق عسكرية زحفت ليلا متجهة نحو مدينة أفعبت
لترسم لوحة إقتراب موعد نهاية الاستعمار الاثيوبي الغاشم.
بعد انتصار قوات حركة التحرر الفيتنامية المعروفة، آنذاك، باسم (فييت مينه)، في معركة ديان بيان فو، واستسلام قوات الاستعمار الفرنسي للقوات االثورية الفييتنامية، وذلك يوم 7 مايو 1954، بعد حصار امتد ستة وخمسين يوماً لهذا الموقع الفرنسي العسكري الحصين انتهت الحرب التحررية الفييتنامية الكبرى الأولى... لذا استحقت هذه المعركة التاريخية ان تصنف من ضمن اكثر المعارك الحاسمة التي عرفتها البشرية في تاريخها، وبعد مرور اكثر من ثلاثة عقود شهد العالم ملحمة اخرى لا تقل ضراوة وشراسة عن ديان بيان فو وهي معركة (نادواز) التي جرت بين الثوارالارتريون بجسارتهم وبسالتهم و نظام العقيد منغستو المدجج باسلحة المعسكرين الغربي والشرقي.
خلال 72 ساعة في عملية سريعة من السابع عشر وحتى التاسع عشر من مارس 1988 قامت الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا بتدمير جبهة (نادوأز) التي كان يتباهى بها نظام الدرق الاستعماري وتم تحرير مدينة افعبت في عملية سريعة ومنسقة لها اهمية كبيرة في تاريخ الثورة الارترية لانها كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير الاستعمار الاثيوبي والدليل الساطع على ان تحرير كامل التراب الارتري هو مسالة وقت فقط كما ان نادو كانت المرحلة التي انطلقت فيها الثورة الى اخذ المبادرة بالهجوم بعد عقد كامل من التحصن في الدفاعات وصد الحملات المتتالية للدرق.
مع نهاية سبعينيات القرن الماضي كانت الثورة الارترية قاب قوسين او ادنى من اجتثاث الاستعمار الاثيوبي من كل الاراضي الارترية الا ان الدعم الكبير الذي قدمه الاتحاد السوفيتي وحلفائه لنظام الدرق ساهم في تغيير موازين القوى ودفع بالثورة الارترية التي حرمت من كل اوجه الدعم الى اتخاذ قرار الانسحاب الاستراتيجي من كافة المناطق المحررة والتحصن بجبال نقفة وفي الوقت الذي اعتقد فيه الجميع بمن فيهم القلة القليلة من المتعاطفين مع الثورة أن نهاية الثورة الارترية إقتربت بعد الانسحاب الاستراتيجي، وتمكنت الجبهة الشعبية من تحطيم الحملات الكثيفة والمتكررة التي قام بها الدرق للسيطرة على نقفة رافعاً شعار نعي الثورة في الجبال.
بعد فشل الحملة السادسة جمع الدرق معظم قواته وترسانته العسكرية في جبهة نادو على امل الحصول بانتصار يعيد له ماء وجهه امام شعبه المغلوب على امره والعالم الذي انهكته فاتورة المغامرات الطائشة للدرق.
خلال عقد كامل قام الدرق بتعزيز قواته المرابطة بجبهة نادو والتي وصلت اعدادها الى أكثر عشرين الف جندي مقسمين الى ثلاثة فرق عسكرية ولواء المدرعات 29 بالاضافة الى 10 كتائب للاسلحة الثقيلة وتمركز عدد من الخبراء السوفيت أسر منهم ثلاثة في تلك الملحمة التاريخية ، وقد بلغ طول إنتشار تلك القوات على الجبهة بطول 165 كم تبدأ من سهول شاطئ البحر الاحمر شرقاً حتى مناطق عنسبا غرباً بعمق 100 كم ، والذي كان فخر نادو من حيث مقدراته الحربية وخبرته الطويلة هذا بالاضافة لمختلف الانواع من المدافع والرشاشات والدعم الجوي المكثف.
بعد ما يقارب العقد من حروب الاستنزاف قررت الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا القيام بهجوم مضاد لتدمير نادو مرة وللابد، وذلك خلال 48 ساعة. دقت ساعة الحسم في مواجهة اقل ما يمكن وصفها بمعركة النملة والفيل وذلك للفرق الشاسع بين القوتين ولكن الهزيمة القاسية التى تلقاها العدو كانت اكبر درس على ان الترسانة الحربية وحدها لا تكفي.
خلال يومين فقط تحطمت جبهة (نادواز) وذهبت احلام العقيد منغستو ادراج الرياح ليبدأ نظامه بالترنح أمام الضربات التى تواصلت الى عملية فنقل والضربة القاضية بدخول العاصمة اسمرا في الرابع والعشرين من مايو الاغر.
تميزت معركة نادو عن مثيلاتها من المعارك التي خاضتها الجبهة الشعبية من حيث الاعداد الكبيرة للقتلى والاسرى من كبار القادة الاثيوبيين والاسلحة الثقيلة التى تمكنت الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا من سلبها لاول مرة.
بالاضافة للقتلى والاسرى من الجنود والذين بلغ عددهم 18 الفاً تمكنت الجبهة الشعبية من قتل واسر اكثر من مائة ضابط اثيوبي بالاضافة لثلاثة من الضباط السوفييت وهذا ما دفع الصحفي وباحث التاريخ الانجليزي بيزل ديفدسون الى مقارنة الانجاز الذي حققه المناضل والشعب الارتري في معركة نادو بديان بيان فو.
وكانت بداية المواجهة عندما تجمعت الفرق العسكرية التابعت للجبهة الشعبية في عدة محاور لمواجهة قوات الاحتلال الغاشم حيث قال الشهيد الجنرال قرزهير عندماريام الشهير بـ (وجو) قائد الفرقة العسكرية 85 (اليوم قد حان موعد قبر جبهة نادو إز ويجب أن نشارك جميعاً في هذه المقبرة).
عندما حانت ساعة الصفر فتح أبطال الجيش الشعبي حمم نيرانهم على قوات العدو المرابطة في جبهة نادو إز من ثلاثة محاور، وإستمرت المعركة الاستنزافية لمدة يوم كامل تقهقرت على إثرها قوات العدو للخلف بعد أن فقدت السيطرة على مساحات واسعة.
يذكر أن المناطق التى شهدت أشرس المعارك هي مناطق (موقاع - وقطاريت - قام جيوا) وعندما أدرك قادة الدرقي العسكريين الخسارة التى تعرضوا لها خططوا للهروب بنزول قواتهم الى السهول من الجبال وقرروا سحب أسلحتهم الثقيلة بإتجاه أفعبت حتى لا يسيطر عليها الجيش الشعبي، ظلت قوات الجيش الشعبي تلاحق تلك القوات المنسحبة حيث حرك أكثر من 80 دبابة والية عسكرية نهاراً بإتجاه أفعبت ولكن عند الساعة الثاثة عصراً وفي عقبة (عشورم) حدث ما لم يتوقعه قادة العدو حيث أصبحوا في مواجهة قوات الجيش السعبي التى كانت تتقدم عبر (وادى حداى).
وفوراً أطلقت إحدى الدبابات من اللواء 34 من مسافة بعيدة نسبياً قذيفة أصابت إحدى أليات العدو التى كانت تحمل أسلحة ثقيلة وقذائف متنوعة والتى كانت في مقدمة الرتل العسكرى، واصابت القذيفة الثانية ناقلة أخرى كانت في وسط الرتل العسكرى ولم تتمكن تلك الاليات العسكرية الثقيلة من عبور (عقبة عشورم) وحين عجز القائد العسكرى الاثيوبي الجنرال/ وبتو ظقاى في محاولته لإنقاذ تلك الاليات العسكرية أصدر أوامره لسلاح الجو الاثيوبي لضرب تلك الاليات وإحراقها حتى لا يسيطر عليها أبطال الجيش الشعبي وإحترقت هناك.
حاول قادة الدرق قرروا إرسال وحدات عسكرية لانقاذ ما يمكن إنقاذه من مدينة كرن إلا أن الفرقة 52 العسكرية التابعة للجيش الشعبي والتى كانت ترابط بين طريق كرن وأفعبت تصدت لتلك الوحدات القادمة من كرن وأجبرتها على التراجع.
أيضاً إن الفرقة العسكرية 52 واجهت قوات الدرقي الهاربة من أفعبت بعدة كمائن محكمة في مناطق (قلامت وقزقزا - وهيكانو) مما جعلهم يتبعثرون تاركين دبابتهم وأسلحتهم.
الجدير بالذكر في هذا الصدد حكى أحد المقاتليين من الذين شاركوا في تلك الملحمة وذكر لى بأن جنود فرقة المشاة التى دخلت افعبت وواجهة قوات العدو وأثناء زحفهم نحو افعبت خلعوا أحذيتهم البلاستيكية (الشدة) أثناء سيرهم على الرمال الخشنة (شمشمت) التى تتميز بها سهول ووديان افعبت حتى لا يسمع العدو صوت أقدامهم.
وتحررت أفعبت وتم تدمير جبهة نادو إز مرة وللابد وإنتصرت أرادة أبطال ارتريا وحطموا أخر معاقل العدو وغنموا أسلحة ومعدات عسكرية وأليات لا حصر لها مكنتهم في نهاية المطاف من هزيمة قوات العدو وتحرير مصوع ثم الزحف نحو عصب وأسمرا وبقية المدن التى كانت تحت الاحتلال الاثيوبي.
بالإضافة الي ذلك فقد تم في معركة جبهة "نادو" اسر ثلاثة ضباط سوفيت من الذين كانوا يعملون كمستشارين عسكريين وهم:-
1. العقيد/ كليستروف يوري فيتروفيش ،
2. العقيد/ يوريف يفينو نيكوالفيتش ،
3. الملازم/ كابلدين ألكسندر فيكتورفيتش .
في الختام أذكر الجميع بأن هذا التاريخ البطولى الناصع صنعوه أبطال من أرتريا ويجب أن نورث لكل الاجيال لأن جماعة (أى خسرنان) تاريخهم تأمر وحروب عبثية وهيمنة وتجويع وفشل ذريع منذ عام 1991 وحتى يومنا هذا.