لقاء مع المناضلة جمعة عمر عبدالله

حاورتها الأستاذةسهير قندفل  المصدر: جبهة التحرير الأرترية - أدال61 

نلتقي اليوم بإمرأة من تلك الكوكبة النيرة من النساء الأرتريات اللائي أضئن سماء بلادي حباً وتضحيةً،

شخصية نعتز بها ونثمن عاليا دورها وكل ما قدمته خلال مسيرتها النضالية، المناضلة الأم جمعة عمر امرأة بسيطة متواضعة قابلتني بابتسامة عريضة، أزالت ما بي من تعب بعد قطع مسافة طويلة للوصول إليها، بالإضافة لبعض الهواجس حول هذه الشخصية التي لم اسمع عنها من قبل (أعرف الكثير من المناضلات الاوائل بفضل بيت عمتي الذي كان مقرا للقاءات)، وصفت لي منزلها وأتت بنفسها لاصطحابي من المحطة للبيت (مسافة غير قصيرة) تواضعا منها ولفتة كريمة تدل على أصالتها وطيب معدنها .وغمرتني بكرمها وحسن ضيافتها وهي تصر على تناول الغداء وأن لا اخرج قبل ذلك، فقد احتفت بي والمفروض العكس، ثم تلك الروح الوطنية التي لمستها فيها وهي تتوقف عن السرد أكثر من مرة وقد ترقرقت عيناها بالدموع عند ذكر الجبهة وذكر الشهداء فمن هي جمعة عمر ؟

في البداية اسمحي لنا ان نتعرف على بطاقتك الشخصية ؟

الاسم جمعة عمر عبدالله مواليد قرية (وحيتو) ريف عدي قيح سنة 1956م، لدي خمسة أخوة وأخوات (ثلاث أولاد وبنتان)، متزوجة ولدي ابن واحد. لم أتعرف على والدتي توفت ونحن صغار، وقام أبي بتربيتنا، كان أبي راعي في منطقة (اصباتو) وهي منطقة داخل قرية (وحيتو) وكان على صلة بالمقاتلين وكانوا يضعوا عنده الاسلحة وفي 1977 اكتشف الاثيوبين ذلك فهجموا على القرية واسروا أبي وإلى اليوم لا نعرف مصيره.

كيف كانت البداية ومتى سمعتي لأول مرة عن الثورة ؟

كان المقاتلين يمرون على القرية ليلا ويتوقفون للحديث مع أبي وكنت استمع مع أبي وأفكر في هذه الثورة التي يتحدثون عنها، وفي النهار يأتي الاثيوبين ويسألون عن المقاتلين ويضربوا السكان ويخوفونهم بهدف الحصول على معلومات عن الفدائيين، واستمر الحال الى أن ظهرت الجبهة في قريتنا (لاول مرة) بالنهار وكانوا اثنين من الفدائيين جاءوا لقتل مسئول اثيوبي اسمه (ترنت عمر) الذي كان يتوعد الجبهة ويقول للاثيوبين (سامسكهم بيدي واحضرهم أمامكم) وتمكن منه الفدائيين وقتلوه، بعدها حاصر الاثيوبيين القرية لفترة ثم ذهبوا.

بجانب الحصار واضطهاد الاثيوبين كانت الجبهه تحرض المواطنين على الخروج،خاصة النساء في المرتفعات بأنه يجب عليهن الخروج والمشاركة خاصة أن الكثيرات سبوقونا وشكلوا خلايا. وقبلي خرج اخي عثمان واستشهد في منطقة (قلب) ضواحي كرن 1964م.

متى أخذتي قرار الالتحاق بالثورة وكيف تم ذلك ؟

بعد أن كثر الكلام عن خروج المرأة وضرورة مشاركتها، قررت الخروج وكانت معي صديقة اسمها (صالحة) فقررنا التوجه إلى منطقة جبلية اسمها (ديعوت) سرنا في الصباح الباكر مشيا على الاقدام الى أن وصلنا آخر اليوم منطقة خور (حداس، حداث) وبتنا فيه وثاني يوم واصلنا المسير الى أن وصلنا منطقة (ديعوت). وجدنا فيها مجموعة من الأشخاص أتذكر منهم علي شوم كيرماس، وصالح طاهر، وعلي محمود و علي كيرماس قريبي لهذا ما أن رآني حتى أرسل من يخبر أبي وطلب منه الحضور لأخذي وفعلا جاء أبي ورجعت معه.

بعد شهر من رجوعي أصدرت أثيوبيا قرار بإخلاء الريف ودخول المدينة، رفض أبي أن يتخلى عن بهائمه التي يصعب إدخالها المدينة، فالتجأ إلى كهف يطل على مدينة عدي قيح. مكثت مع أبي فترة الى أن جاء اثنان من الفدائيين لقتل مسئول آخر يدعي (ويتم قشو) كان جاسوس يفشي أسرار الجبهة، وكان الاثيوبين قريبين وقت تنفيذ المهمه فحاصروا الفدائيين، الفدائي الأول اسمه محمد ولقبه (منقي) جرى وقفز داخل حفرة كبير، وعندما شعر باقتراب الاثيوبين منه قتل نفسه، وهو من سكان عدي قيح وكانت أمه موجودة في القرية فجاءوا بها وسألوها عنه فقالت لهم هو أبني ولكن لا أعرف أين كان ومن أين جاء فتركوها ودفن الفدائي في القرية، أما الفدائي الثاني واسمه صالح إبراهيم فقد هرب من الاثيوبين وفي طريقه وجد الكهف وتفاجأ بوجودنا، فجلس معنا وقمنا انا وأبي بغسل دمائه (فقد كان جريحاً) وتطبيب جرحه واِخراج الشظايا ثم ذهب.

بعد فترة سمعت بوجود مقاتلين بالقرب منا فقررت الخروج وذهبت اليهم، فلحق بي أبي ولكني هذه المرة رفضت الرجوع معه فتركني وذهب، وجدت معهم مناضلة اسمها رحمة صالح، وبدأنا نتحرك وعرفت بأنه لا توجد في هذه المنطقة معسكرات للجبهة إنما كانوا يتحركوا باستمرار من منطقة لاخرى وكان انضمامي في عام1967م وكانت تلك فترة المناطق وكنت ضمن المنطقة الثالثة وكان قائدها القائد الشهيد عبد الكريم أحمد. وبعد فترة تسعة أشهر مع هذه المجموعة قرروا إرسالنا إلى كسلا وقال قائدهم (ودوهم بيت عبد الكريم في كسلا).

اسمحي لي بمقاطعتكِ ذكرت المناضلة نسريت كرار (أن أول من حمل السلاح من النساء هن المناضلات جمعة عمر ورحمة صالح، كيف تم ذلك وأنتما غير مدربات وحديثتي عهد بالثورة ؟

تقول ضاحكة هذا تم لاحقاً بعد عودتي من العراق عندما التحقت بهذه المجموعة كان عمري (11) سنة وتواصل ضحكها (ما كنت اقدر اشيل سلاح، السلاح تقيل يا بتي ولو شيلتو كان وقعت.. فضحكنا سويا). في كسلا في بيت عبدالكريم انتظرتنا المناضلة الفاضلة زينب محمد موسى اهتمت بنا ورتبت امورنا وكانت تخرج معنا وتساعدنا فنحن لا نعرف البلد ولا اللغة وأصبحت زينب بمثابة الأم بالنسبة لنا، و كنا نحترمها جدا ولم ننسى وقفتها معنا.

ادخلونا دورة تمريض على يد حسن باشميل ودكتور محمد، (وأذكر بعدها أن حسن باشميل والم مسفن قتلوا في معارك مع الشعبية 1974م وهم عائدون من مهمة في المرتفعات) ثم جاءوا بشخص لا اذكر اسمه ليدرسنا.

في عام 1969م حصلت المناضلة امنه ملكين على دورة من العراق فذهبنا انا ورحمة صالح وسعدية تسفو واخريات، كانت سعدية تسفو قد قتلت جاسوسا وتم تهريبها الى كسلا ولكن الاثيوبين قتلوا والدها في كرن.

بعد مؤتمر ادوبحا اخبرونا ونحن في العراق بان لنا حرية الاختيار في العودة الى الميدان او مواصلة الدراسة في العراق، فقررنا العودة لاننا اتينا من الميدان ولا علاقة لنا بالذي حدث.

ما الذي حدث ؟

الذي حدث هو الانشقاق في البداية كان عاما ثم تم احتواء الموقف وتراجعت القيادة العامة ماعدا عثمان صالح سبي رفض العودة وانشق عن الجماعة. واصلت (وقد غص حلقها) هذه الثورة كان يجب ان تنتصر كنا نعول على تماسكنا ووحدتنا الداخلية، الكل قدم ما يستطيع كنا قاب قوسين او ادنى ثم ضاع كل شي.

ما هو دوركِ في اتحاد المرأة ؟

في عام 1974م بدا تشكيل المنظمات الجماهيرية وكنت في تحضيرية المرأة، وبعد المؤتمر الذي عقد في كسلا التحق كثير من النساء وأذكر منهم بخيته ادم، جمعية، عرفات عمر، روضة أحمد وغيرهم.

بعد المؤتمر بدأنا العمل في تنظيم النساء داخل الاتحاد فذهبت الى مناطق اللاجئين مثل سمسم، ودالحليو، السوكي، عبودة، أم علي وغيرها وفي الداخل ذهبت إلى منطقة سويرا (كنت اذهب الى المرتفعات لرؤية أبي قبل أن يعتقله الأثيوبيون في عام 1977) وبعدها ذهبت إلى دنكاليا ونظمت أكثر من (300) امرأة، واستقبلونا أهل دنكاليا واحتفلوا معنا بتأسيس اتحاد المرأة (وذبحوا لنا ثور)واعطونا هدايا تراثية كثيرة.

ما هي أصعب المواقف التي مرت عليك وشكلت تهديدا حقيقيا ؟

موقفين الأول عندما بدأت المعارك بين الجبهة والشعبية، وجاءت الشعبية ومعها التقارو، كنا نحن في منطقة (بده) في دنكاليا وجاء شخص واخبرنا أن الشعبية على بعد ستة ساعات، ولم يكن لدينا سوى خط دفاع واحد أما باقي الجبهة الموجودين كانوا منظمات مثل المدرسين والممرضين لم يتمكنوا من صد الهجوم واستشهد الأغلبية منهم، ونحن انسحبنا (تواصل بحسرة) وبعدها بدأ انسحاب الجبهة من أكثر من موقع إلى أن وصلنا الحدوود السودانية.

الموقف الثاني في عام 1975م ذهبت للمرتفعات ووصلت قريتنا وفور وصولي سمعت بأن الاثيوبين سوف يقتحموا (وحيتو) وعاشت القرية حالة من الهلع والخوف، كنا عشرة فقط سبعة رجال وثلاثة نساء، فقمنا بعمل ساتر وكان معنا كلاشنكوف واحد فقط، وكان معنا رجل قال انه يعرف مكان سلاح (برين) ولكن لا يعرف الطريق، فقلت له انا اعرف هذه المنطقة وذهبت معه في الليل وأحضرنا البرين، ورجعنا للساتر ولكن الاثيوبين انسحبوا ظنا منهم أننا كثر وكنا عشرة فقط.

هل كُلفتي بمهمة خاصة ؟

لم أكلف بأي مهمة مباشرة ولكن اثناء تجوالنا في مهمة تنظيم النساء كنا نصادف معارك فندخل فيها ونقاتل بجانب الرجل وبهذا كنت أنا ورحمة صالح أول من حمل السلاح وذلك بعد عودتنا من العراق.

ما هي إنجازات إتحاد المرأة ؟

• تنظيم النساء في الداخل والخارج،

• اسس مدرسة النضال،

• اسس دور الحضانة لمساعدة المجندات،

• نشر الوعي والتثقيف السياسي بين النساء.

في الختام لا يسعني الا أن اشكر هذه القامة والقمة المناضلة الجسورة جمعة عمر.

ولا اقول مثل شوقي لوكان النساء كمن عرفت لفضلت النساء على الرجال.

فلا مجال هنا للتفضيل ولكن اقول لوكان لدينا الكثيرات من جمعة عمر لاختلف الحال.

Top
X

Right Click

No Right Click