معجم للغة التجرايت أو التجري - الجزء السادس والأخير

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد الحاج - كاتب وناشط سياسي ارتري - ملبورن، أستراليا

61. طَرْعَ: بمعنى شكى من ألمٍ أو فاقةٍ أو نحوه، والجمع لدى الحباب "طِرْعَان"، وتقابلها في الفصحى

"ضَرَعَ" بالضاد. وقد ذكرنا أنَّ حرف "الضَّاد" في لهجة الحباب ينطق بطرق مختلفة منها الطَّاء، ومنها ما يشبه الظَّاءَ أو الطريقة القديمة لنطق الضاد في لغة العرب باحتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان والأضراس المقابلة لهذا الجانب.

يقولون في الفصحى: ضرع وتضرَّع الى الله بمعنى بثَّ شكواه وابتهل الى الله. وورد في لسان العرب (مادة - ضرع) إن التضرُّعُ هو التَّلَوِّي والاستغاثةُ، أي الشكوى. والضرع والتَّضرُّع يكون دائماً في موضع الضعف ويدل عليه. قال تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً"{سورة الأعراف: الآية: 55}؛ قيل معناها: تذللاً واستكانةً. وذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب "العين": ضَرِعَ الرجلُ يَضْرَعُ فهو ضَرَعٌ، أي غمر ضعيف، والضَّرع أيضاً النحيف الدقيق. يقال: جسدك ضارع، وأنت ضارع.

62. ظَرِعْ: (بفتح الظاء وكسر الراء) وينطقلها البعض "طَرِعْ" بالطاء، تعني الضَّرع (مخرج اللبن) للبهائم فقط؛ وأمَّا بالنسبة للنساء فإنَّ الحباب يسمونه "طِبْ" والجمع "أطْبَايْ" كما في الحميرية، وتقابلها "أطْبَاء" في الفصحى.

63. عِسَار: هو الغبار خاصةً الذي يستدير، ولهذا نرجح أن الكلمة محرفة من "إعصار" كما في تعرف في الفصحى، وقد تطرقنا للخلط بين الثاء والسين في اللهجات العربية. أو ربَّما الكلمة الأصلية هي "عِثَار " من "العِثْيَر" وهو الغبار()، وفي كلا الحالتين نجد للكلمة أصلاً في اللغة. قال تعالى: "فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ "{سورة البقرة: الآية: 266}؛‏ قال الخليل بن أحمد: يعني العجاجة.

64. كنت قد وعدت الأخ هاشم نور بالكتابة حول كلمة عساس فأقول: "عِسَاس" تعنى الغبار في لهجة الحباب، خاصة الخفيف منه، و"لَعَسِّسْ"، فعل مضارع "يَعْسِسُ" بمعنى يحوم حول المجلس ونحوه، ربَّما تشبيهاً بحركة الغبار حول الرؤوس، أو ربمَّا تشبيهاً بحركة الناقة التي سنشير اليها هنيهةً. والعِسَاسُ، بكسر العين وفتح السين الأولى، لها عدة معاني في الفصحى ومتباعدة. فقد تطلق لفظة عِسَاس بمعنى الكُرْه، وقد تطلق على العيون – جمع عين - وقد تطلق عِسَاس على الآنية أو الأقداح الكبيرة، وقد يقصد بها غير ذلك من المعاني حسب السياق. و"عِسَاس" أسم معروف في الجاهلية ومن ذلك "عِسَاسِ بن حيَيّ بن عوف بن سُوْدِ بن عُذْرَة بن مُنَبِّه بن نُكْرَة بن لُكَيْز بن أقصى بن عبد القيس بن أقصى بن دُعْميِّ بن جَديلَة" أحد جدود الشاعر الجاهلي المعروف المُمَزَّق العَبْدي (شأس بن نهار). وقال ابن دريد: بَنو عِسَاس بطنٌ من العَرَب. ورغم بحثي لم أجد في اللغة الفصحى معنىً يدل على الغُبَار كما في الحبابية. بَيْدَ أنَّ ما لفت نظري هو قول العرب: دَرَّتْ الناقة عِسَاساً: بمعنى كُرْهاً، ووصفت كتب اللغة الناقة العِسَاسُ أو العَسُوسُ بأنَّها "الناقةُ القليلةُ الدَّرِّ، أو التي لا تَدِرُّ حتى تَباعَدَ من الناسِ، والتي إذا أُثيرَتْ، طَوَّفَتْ، ثم دَرَّتْ، والسيِّئَةُ الخُلُقِ عندَ الحَلْبِ"( )، فهل اطلق الحباب لفظ عساس على فعل الناقة وما تثيره من غبار ثمَّ تحول الاسم لمعنى الغبار؟ هذا جائزٌ لأنَّ معظم الأسماء لدى العرب مشتقة من الفعل. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإننا لا يمكن أنْ نركن الى أنَّ المعاجم التي بين أيدينا قد حوت كل اللُّغة، وكما قال الإمام السيوطي رحمه الله في الإتقان: "لغة العرب متسعة جداً ولا يبعد أنْ تخفى على الأكابر الأجلة‏، وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح. قال الشافعي في الرسالة‏: ‏ لا يحيط باللُّغة إلا نبي"!!. ثمَّ إننا نجد في كتاب "اللَّطائف في اللغة"( )، أكثر من خمسين إسماً للغبار ولا استبعد أبداً أنْ يكون العِسَاس من ضمن الأسماء التي لم يحْصِها صاحب الكتاب.

65. غَلُوتْ: طلب مني الأخ هاشم نور التعرض لمعنى غلوت فأقول: غَلُوتْ (بالغين) هي الشَّمَمُ والسُّمُوُّ والارتفاع عن الصغاير وكل ما يشين من أفعال وأقوال. يقول الحباب عند وصف شخص ذي شمم: "فلان إبَّ غَلُوتْ" يعني عفيف النفس غير مبتذلً. والمعنى يتوافق مع الفصحى حيث أنَّ الغَلاة والغَلْوَةٌ والغلو في الفصحى كُلُّه مِن الارْتِفاعِ والتَّجاوُزِ، وفي معجم تاج العروس للزبيدي (مادة - غلو)، إنَّ كلَّ ما ارْتَفَعَ فقد غَلاَ وتَغالَى. واغْلَوْلَى في الفصحى معناها إرْتَفَعَ. ومن اللطائف أنَّ الحباب يقولون: دَرَّي بمعنى أنزل (تجاه الأسفل) ويقولون "أغْلَوْلَي" بمعنى إرجع (للأعلى).

66. حِيلَتْ: هي القدرة أو القوة في لهجة الحباب وتقابلها في الفصحى والحِيلَة والحيل الحَوْل والحولة، كلها بمعنى القدرة أو القُوَّة. قال الكسائي: سمعتهم يقولون: هو رجل لا حُولة له، يريدون لا حِيلة له؛ وأَنشد:

له حُولَةٌ في كل أَمر أَراغَه * يُقَضِّي بها الأَمر الذي كاد صاحبه.

وهذه الكلمة - بهذا المعنى - دارجة الاستخدام في اللهجات العربية الأخرى، فمثلا يقولون في مصر "شِدّ حَيلَكْ" وفي السودانية "ما عِنْدُ حَيْل" وفي لبنان: "حِيلَتْهَا مَنِيحَة"، وهكذا.

67. شِعِبْ: بكسر العين أو جزمها "شِعْبْ"، هو اسم يطلق على مناطق كثيرة في أرض الحباب وخاصة الأودية الزراعية، وكلمة "شِعِبْ" أو "شِعْبْ" في الأصل هي كلمة حِمْيَرِيَّة تعني الطريق المتفرعة من طريق آخر خاصة ما انْفَرَجَ من طريق عند حواف الجبال حيث تسيل الأودية بالماء ويسلك الناس الطرق (ولهذا سمي العود ذو الفرعين "شعبة")، وهذا المعنى معروف ويستخدم الى اليوم لدى شعوب قحطان ولاسيما الحباب وأهل يافع في اليمن. كما أنَّ هذا المعنى كان معروفاً ومتداولاً لدى الأنصار (وهم - من أوس وخزرج - حميرويون في الأصل كما نعلم). قال الرسول الكريم في خطبة موجهة للأنصار عقب غزوة حنين: "فو الذي نفسُ محمدٍ بيده، لولا الهجرة لكنت امْرَءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا، وسلكت الأنصار شِعْبًا لسلكت شِعْبَ الأنصار".

68. بَرِقْ: هو البَرْقُ في السماء عند المطر، والجمع في الحبابية "أبْرُوق" على وزن "أفْعُول" حسب صيغة الجمع الحِمْيَرِيَة المعروفة. وهو معنى يتفق تماماً مع الفصحى. ورد في معجم تاج العروس أنَّ البَرْقَ هو الذي يَلْمَعُ في الغَيْمِ؛ جمعُه برُوقٌ. وورد في القرآن الكريم قوله: "يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ" {سورة النُّور: الآية: 43}. كما يتفق المعنى مع الحِمْيَرِيَة حيث وجدت في المعجم السَّبَئي (ص 31) أنَّ من معاني "BRQ" في الحِمْيَرِيَة: برقت السماء ~ مطر موسمي..

70- ظِلَال: تعني الظل عامة في لهجة الحباب، وهو لفظ يتوافق مع الفصحى وإن أختلف نطق الظاء قليلاً. كذلك يتوافق اللفظ مع السبئية حيث وجدت في المعجم السَّبَئي (ص 172) أنَّ من ضمن معاني "ظِلال“ZLLمظلة، بناء مظلل.

69. ذفَّ: أصلها "ذفف" أو "ربَّما يكون "زفَف"، بمعنى جفَّ وانقطع عنه الماء والبلل عموماً. ومصدر "ذفَّ" في الحبابية هو "ذَفَاف"، ولم أجد لها معنى مطابق في الفصحى وإنْ كان من بين معاني "الذَّفَاف" و "الذِّفَاف" في الفصحى قلة الماء. قال أبو ذؤيب الهذلي يذكر القبر:

يقولونَ لَمّا جُشَّتِ البِئْرُ أوْرِدُوا * وليس بها أدْنى ذِفَافٍ لِوَارِدِ
أما وضعوا المعجم السَّبَئي فقد استشكل عليهم معنى كلمة “ZFF”أو “SFF” فتركوها بدون شرح (انظر ص 171) من المعجم السَّبَئي.

70. ظَعْنَ: فعل ماضي بمعنى ركب وامتطى ظهر الناقة ونحوها وهي مأخوذة من الظَّعْنِ، والماضي للأنثى "ظَعْنَتْ" والمصدر "ظِعْنِ"؛ و"مظْعَنْ" هو اسم الدابة التي يركب عليها والمصدر "مَظْعَنْ" في هذه الحالة. يقول الحباب في أمثالهم: مَظْعَنْكَ وَدْإِنْسَا، وأفُوكَ دِرْسِسَّا" وهو دعاء بمعنى أن تكون دابتك الجمال أو النوق وأن تحتفظ بأسنانك بيضاء مثل "الدِّرْسِسْ" وهو نوع من الحجارة ناصعة البياض‼. ولفظ "مَظْعَنْ" ومشتقاته في لهجة الحباب يتوافق مع الفصحى مع ملاحظ الاختلاف في نطق الظاء كما ذكرنا.قال عنتر بن شداد:

ظَعَنَ الَّذينَ فَراقَهُم أَتَوَقَّعُ * وَجَرى بِبَينِهِمُ الغُرابُ الأَبقَعُ

كذلك يتوافق اللفظ مع السبئية حيث وجدت في المعجم السَّبَئي (ص 171) أنَّ "ظعن “Z'N تعني: ظَعْن، رَحْل.

71. كَنْتَيبَايْ: لقب رئاسي يطلق على كل من يتولى زعامة قبيلة الحباب. و"كَنْتَيبَايْ" في قومه منزلٌ منزلةَ الملوك، وهذا اللقب أطلق على زعماء الحباب الأقدمين من قبل ملوك الحبشة حسبما سمعنا من أجدادنا، وهو لقب متوارثٌ،،، ولا نعرف معنى الكلمة بالضبط في اللغة الحبشية ولكنها تدل على الرئاسة والزعامة والحشمة، ولهذا يطلق الحباب على العريس أيام زواجه لقب "كَنْتَيبَايْ" تحشيماً له.

Top
X

Right Click

No Right Click