قيادة الثورة لم تؤهل لتأسيس دولة

بقلم الأستاذ: محمد صالح حقوس

في مايو من عام 1991م الثورة الارترية بقيادة اسياس افورقي دخلت العاصمة أسمرة إيذانا بإعلان الاستقلال الوطني وتحرير كامل

التراب الارتري من قبضة المستعمر إثيوبيا، فقد زحفت الجماهير الارترية بالداخل والخارج إلى حيث الميادين العامة لتعلن للعالم اجمع فرحتها بالانتصار العظيم وانتهاء مراحل الاستعباد والعبودية والاستبداد والكبت والظلم والغطرسة طويت تلك الصفحات السوداء في تاريخ شعب عظيم حاول الأعداء سلب إراداته ودفن كرامته في التراب.

تبادلت الجماهير الارترية التهاني والتبريكات وهي تعيش لحظات الذهول بكل ما تملكه من معان، والعالم بأسره الأشقاء والأصدقاء أرسلوا التهاني والتبريكات لشعبنا على الانتصار الذي حققه والذي يؤذن بطي صفحة الماضي بكل مرارتها وفتح صفحة جديدة على سجل العالم الحديث لتسطر أولى الجمل ها نحن شعب في دولة تسمى ارتريا قادمون لنقول نحن نستحق هذا الاستقلال.

فالعالم والزمن جاروا علينا بهذا الحرمان ولكن لم نستسلم ولم نتراجع عن قرارنا فقد حققناه وتحررنا من كل القيود والعالم سيشهد إبداعاتنا وانجازاتنا في الدولة التي ستكون في مصاف الدول المتقدمة تأكيدا لأهليتنا الكاملة لنيل الاستقلال وإقامة دولة مستقلة.

وقد أمطر الكتاب والصحفيين العرب وغيرهم بالكتابات التي أكدوا فيها بجدارة هذا الشعب بهذا الاستقلال ووضعوا تنبؤاتهم بمستقبل واعد لهذا الوطن طالما يعيش فيه شعب جسور صبور يحب العمل ويعتمد على نفسه في كل شيء ولديه اعتداد بالذات ويقبل بالتحدي فشعبنا الارتري كان جديرا بهذا الاهتمام لأنه صنع حدثا عظيما في المنطقة وإفريقيا، ناضل معتمدا على إمكاناته المتاحة وصار العدو هو مصدر العتاد والتموين، افشل كل الرهانات في واد الثورة وقتلها في مهدها، وفي أماكن اللجوء لم يكن عبئا على من استضافوه بل كافح من اجل تامين لقمة العيش بدلا من الكفاف والتسول والانتظار في طوابير المهانة وبهذا كان شعبا يستحق الاحترام حيث ما حل.

فبناء على تلك المشاهد التي رسمها شعبنا الارتري حيث ما ساقته الظروف من مواطن وأماكن فقد تنبأ له الجميع بأنه مؤهل أكثر من غيره بان يصعد بسرعة مذهلة في سلم النماء ويضع الوطن في مضمار البلاد الأكثر ازدهارا وتقدما بالمنطقة بالرغم من حداثة قيام دولته.

حتى إن قادة الثورة واتكاء على عظمة هذا الشعب الذي أبلى بلاء حسنا وصبر وتحمل عبء الثورة فقد رسموا ملامح لمستقبل الوطن الواعد وتفوهوا قائلين بان بلادنا ستكون سنغافورة أفريقيا.

آمال وطموحات وأحلام قيادة الثورة ومن خلفهم هذا الشعب العظيم تحولت إلى سراب على ارض الواقع، لم يتحقق من ذلك شيء فهؤلاء القادة الذين ألهبوا حماس الجماهير الارترية إبان الثورة وربطوا إتمام عملية التحرير بوطن عظيم يروي ظمأ أبنائه في الحرية والكرامة والعدل والأمن والثروة والإعمار والازدهار فكانت الجماهير كلما اشتعلت نار الثورة واحمر لهيبها أكثر التحاما بثورتها فمدتها من فلذات الأكباد والأموال لتدوم الثورة ولا تخمد شرارها حتى تحقيق غايتها الكبرى.

هؤلاء القادة الذين هم الآن حولوا البلاد إلى خراب ونقلوها إلى بؤس اشد مما كان في عهود الاستعمار هم ذات أنفسهم كانوا يتحدثون حيث كانوا يصولون ويجولون في وديان وجبال وسهول وقرى وريف ارتريا بان من أهم عوامل انتصار الثورة الارترية إضافة إلى عدالة القضية وشرعيتها هو أن النظام الذي يقاتلونه نظام فاشي وبربري وحشي وديكتاتوري يقود مواطنيه بالحديد والنار ويستفيد من حالة الخوف والهلع التي يخلقها بين مواطنيه ولا يستمد الشرعية من شعبه، أما نحن ثورة نسعى إلى إقامة دولة ديمقراطية يكون الشعب صاحب السيادة الحقيقية ويمارس سلطاته في مشاركة حقيقية في كل شئون الدولة.

هؤلاء القادة كانوا يتحدثون وبقوة بان الثورة تعبير حقيقي عن حركة الجماهير ومطالبها وان قوتهم هي تستمد من إرادة الجماهير وتفاعلها مع ثورتها وكانوا يؤكدون مرارا بان قوة الثورة هي من وعي الجماهير بحقيقة مطلبها حتى الشعار اللفظي الذي كان يقال بعد كل انتهاء من كلمة هو النصر للجماهير وأول إذاعة للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا التي دخلت تنظيمها العاصمة أسمرة بالميدان كانت إذاعة صوت الجماهير.

ومن المفارقات العجيبة وشيء لا يمكن أن يقبله العقل عندما يجد ذات القيادة التي كانت بعبارة نطلقها اليوم تتظاهر بأنها من اجل الشعب وبذات اللسان نجدها اليوم وبعد أن جلست على مقعد السلطة الوثير وتملكت زمام أمر الوطن والشعب أن تمارس النكاية وتقلب كل شيء إلى الضد من السوء والإجحاف نجدهم يتلاعبون بمقدرات الشعب ويحاولون تسخير كل ما بحوزة الشعب من أولاد وبنات وعقارات وأموال من اجل سلطتهم وإدامتها.

اتخذوا هذا الشعب كأنهم عدوهم لم يناضلوا من اجله ولم يدخلوا أسمرة من اجل تعويضه عن السنوات العجاف من هلاك الديار وألام النفس وحسرة القلوب بتعويضه بالعمار وتوفير كل لوازم الحياة التي تحسسه بأنه يعيش في وطنه ولا يرضى بان يفارقه للحظة وان تتألف القلوب ويجتمع شمل الارتريين من الشتات.

انه ومع الأسف الشديد بدلا من أن يسلكوا درب بناء الأوطان والاهتمام بالإنسان الذي يعمر وبناء النظام الذي يضمن حق الجميع في مساواة وإخاء بدلا عن ذلك نراهم اتجهوا صوب الخراب وتمزيق الشعب وإشباعه جوعا وإيلامه بشتى المصائب والبلايا التي يعجز اللسان عن الحديث عنها والقلم عن كتابتها لفظاعتها وشناعتها.

وهكذا تباينت طريقتهم مع رغبة الجماهير وصارت تتباعد كلما استمروا في الحكم كبعد المشرق والمغرب ومع غلوهم في الإيلام يوم بعد يوم وكلما الشعب ترقب بالانفراج والإصلاح وجد نفسه يدخلون به في مأزق اشد وانكي وبهذا السلوك تحول هؤلاء القادة إلى أعداء للشعب الكل صار يمني بقرب يوم زوالهم ولم يصبحوا محل رجاء.

هؤلاء القادة وبدلا من السعي نحو إحداث التغيير في مسلكهم نراهم يبدعون في اختلاق المشاكل التي بها يحاولون الهاء الناس عنهم وشغلهم يبعضهم لكي يظلوا يزاولون مهارة الإيذاء وابتداع الحيل تغطية على فشلهم الذريع الذي صار محل حديث الجميع في كل أنحاء العالم حيث ينزح إليها الارتري طالبا الأمن ولقمة العيش هربا من الجحيم الذي ينفخ في أتونه رأس العصابة الذي يقف على هؤلاء القادة اسياس أفورقي.

بحق أن هؤلاء القادة استطاعوا قيادة المقاتل الارتري بنظام عسكري إصدار أمر ومعاقبة من لا ينفذ، وبنفس الطريقة حاولوا إدارة شعب بطول البلاد وعرضها مستخدمين أسلوب الوعيد وضاربين بالحديد والنار كل مخالف أو من يتوقع انه يجنح إلى إظهار مجرد عدم الرضا، هذه الحياة المدنية ومن يجري فيها من المدنيين يحتاجون إلى من يتلمس احتياجاتهم ويفكر بنفس طريقتهم ويعيش معهم الآمال والأحلام وينظر إلي الشعب بأنه منهم ابنا أو بنتا وهم له أما أبا أخا عما خالا عمة خالة جارا جارة.

وهكذا هؤلاء القادة وعند دخولهم إلى العاصمة أسمرة لم يوطنوا أنفسهم لقيادة التحول بدءا من تحول أنفسهم ومنهج تفكيرهم إلى وضع الخطط والبرامج التي تمكن الشعب من صناعة دولته الفتية وتوفير كل لوازم النهضة والتطور من خلال تلبية رغبة الجماهير الحقيقية في المشاركة في إرساء النظام السياسي الذي في كنفه يتمكن الجميع من منح الوطن ما يستحقه كفاحا وعطاء.

وبمناسبة دخولنا العام السادس والعشرون من عمر استقلالنا فإنها مناسبة لكي نوجه نداء من القلب لكل القادة الذين لا يزالون في الركب كالأطرش في الزفة بان لا يحولوا دون ما في قلبهم من حسرة على ما يجري، بالتأكيد هناك قيادات تعمل وهي تعيش وتلامس معاناة الشعب وتقف على كل ما يغترف في حق المواطنين من جرائم على مرآي ومسمع منهم، لقد آن الأوان أن لا يدوم صمتهم ونقول لهم أفيقوا من الصمت المريب وسيروا على درب من سبقوكم من القيادات التي حاولت أن توقف مسار الغطرسة والاستبداد الذي يتمثل في رأس النظام اسياس افورقي الذي حول البلاد إلى مملكته الخاصة، لقد أن الأوان أن تحافظوا على مسيرتكم النضالية وتلبوا صوت ضمائركم الحية وقولوا وبالصوت العال لقد فشل النظام فشلا ذريعا وجر البلاد إلى مصائب كبيرة ونادوا بالصوت العال كفى اللعب بمقدرات الوطن وبمصائر الأجيال وأنقذوا ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان وحاولوا التصالح مع شعبكم وسلموا عجلة الحياة في البلاد إلى الشعب الذي هو من دفع ثمن الاستقلال ولا يزال يدفع ثمن مغامرات وتخبطات رأس النظام والعصابة التي معه.

نقول لكل القادة الذين يقبعون داخل النظام ولا يجدون طريقا لإسماع صوتهم تحت أي ذريعة انه بعد اليوم ليس هناك من عذر فالوطن مهدد وجيل ارتري في طريق الضياع فأي وقت تتأخرون فيه يعد إمعانا في إذاقة شعبنا الماسي والمرارات والحسرات فهيا وكما بدأتم نضالكم من أجل هذا الشعب فهي فرصة بان تختموا حياتكم وتسجلوا اسطر من البطولة تضحية من اجل هذا الشعب فنحن نوقن بان بينكم أيها القادة رجال يحملون هموم الشعب ويصلهم أهات الشعب ودموع الأطفال ونحيب الأمهات وحسرات الأباء فإلى متى ستستمر، الم يحن الوقت بعد للصدع بكلمة الحق وإسماعه صرخات المظلومين من أبناء الشعب وتغيبه عن المشهد لتشرق شمس الحرية على بلادنا ونبدأ في عزف سيمفونية الحياة لشعبنا الأبي ؟ انه سؤال انتم من يجيب عليه.

وهنا نتذكر بكل فخر وإجلال للبطل الشهيد (ودي علي) الذي أرسل صوتا مدويا من الرفض معلنا الخروج عن حالة الصمت التي تلف البلاد قائلا بان بين القادة اللذين اللذين يهيمون بالبلاد ليسوا كلهم جبناء وليس كلهم دون ضمائر، فقد أكد ود علي بان هذه هي البداية والقادم سيكون مزلزل عبر في وضوح عن غضبه وغضب كل القادة القابعين، وقد قال ودي علي بان إرادة التغيير لن تسكتها جواسيس ومخابرات النظام، فالقابعون قادمون على ذات درب ود علي ومن سبقوهم الذين لا يزالون على عهد ووصايا الشهداء.

Top
X

Right Click

No Right Click