مايو يا مايو هل من جديد ؟

بقلم الأستاذ: صالح كرار

كل شئ مبني للمجهول في القضايا المصيرية لإرتريا، سلسة مفاوضات في نهاية الثمانينات لا تسأل عن نتائجها ولا ما ناقشت من بنود، ”لا مين شاف ولا مين دري” كما في المثل المصري، في 24 مايو 1990م دخل الإرتريون أسمرا بعد أن أخلاها الجيش الإثيوبي، لكنها لم تكن البداية للإستقلال والنهاية للكواليس فكان إعلان الإستقلال 1993م بعد إستفتاء شعبي، وكان للرعاية الأجنية ظلها الواضح وتأثيرها المشهود على تنحي الدولة وإنحرافها عن خط الثورة المعروف ومسارها الواضح، بل وانتكست الدولة أكثر فأصبحت واجهة وستارا لتنفيذ السياسات الإستعمارية حذو القذة بالقذة، فأصبحت جسدا بلا روح وجعجعة بلا معنى.

الآن ظهرت بوادر مشاريع من نمط المشاريع المايوية الأولى، نفس الأصابع الأجنية في المانيا في نيروبي في سواهم، ونفس الكتمان والإبهام، مثل البرق في الظلام يزيد ظلمة وحيرة، لا نفقه شيئا مما في وراء الكواليس، إلا أننا نعلم أن في بطن العنزة مولود.

هل هي مفاهيم جديدة لبديل الإستقلال ؟.

حاولت إثيوبيا مرات عدة للسطو على إرتريا عسكريا وإزالة النظام، مثل عملية إحتلال جبل ديدا غربي بادمي في 2011 م، وشكى الإثيوبيون من موانع خارجية شكلت دئما حماية قوية للنظام ومنع تدخلهم العسكري المباشر، وكان يتوقع بعد إحباط محاولة الهجوم على سد النهضة الإثيوبي وإتهام إرتريا تصعيدا للموقف وللخطاب العدائي بينهما لكن يبد أن هناك أمورا إستجدت وخطابا آخر حل محل ما كان، لم تكن إثيوبيا لو أزالت النظام لتصادر الإستقلال مرة واحد، ولكن ماذا كان سيحدث ؟.

والآن عندما تعرض علينا بعض الكيانات المسيحية المتعصبة مشاريع جديدة مثل وحدة تقراي تقرنيا نجد آراء الإرتريين تختلف رغم إتفاقهم علي جدية المشروع وخطورته بين من يراه حلما مستحيلا أو من يراه نزوات فردية وأحلام وردية غير معروف فيها مدى الجدية.

فقد ظهرت في الأونة الأخيرة أصوات فردية من شخصيات لها وزنها تدعوا الى أوتتمنى العودة الى إثيوبيا أو الوحدة مع إقليم التجراي أشهرها ”الأقعزيان” تنظيما أو سمه حزبا جديدا في الساحة الإرترية، وهو تنظيم صليبي متعصب يدعوا الي الوحدة مع إقليم تقراي بعد فصله من إثيوبيا ليشكلا دولة لقومية التقرينية ”الجعزية”، كما يدعوا الي إبادة المسلمين وطردهم الي خارج إرتريا لأنهم حسب زعمهم أغراب دخلاء.

أشهر أهدافهم المعلنة:-

• توحيد الناطقين بلغة التجرينية تحت مسمى ” وحدة الجعزية ” وإقامة دولة مستقلة لهم.

• محاربة الإسلام والمسلمين.

• وراثة أرضهم وتشريدهم.

• تنصير من أراد البقاء.

وهناك من يطابق بين سياسة النظام وممارساته ومطالب هذه الفيئات بتصفية المسلمين وإجلائهم من الوطن والسلطة ووراثة أرضهم وأملاكهم، سياسة مورست ونفذت من قبل نظام الشعبية على كل الأصعدة ولم يبقى إلا السيناريوالأخير الذي تقترحه هذه الجماعات الشعوبية عبر مشروع الإبادة الجماعية والإجلاء الكلي.

ومما يبعث الريب ويربك الأمر أكثر أنه ليس فيه حكم جدي رسمي من النظام الإرتري إنكارا أو تأييدا حتى الآن على حد علمنا إلا بعض آراء الأبواق الموالية للنظام في الوسائط الإجتماعية ربما إجتهادا منها تنكر الأمر وتتذرع بأن نظامها حارس وحدة الوطن وحريته.

والمصيبة الكبرى أن تجد هذه المفاهيم كما هي يعرضها عليك تماما بلغة أخرى من يقدمون أنفسهم على أنهم توفيقيين من الشباب المسيحي الذي يدعي الإعتدال والتوسط ملمحا بالقبول بالواقع أو توقع حال إفريقيا الوسطى ورواندا وما شابه، كذا يفهم من الكثير مما نقرأه سواء من ساسة أو أكاديميين أو حتى وسائط التواصل الإجتماعي كلها تهتم ببقاء النظام الحالي هيكلا للدولة الهيكل الذي يجعل من المسيحيين حارس الدولة ومؤسساتها إضافة إلى ضمان بقاء السياسات الإستيطانية والإدارية إحتكارا لمرافق السلطة والإقتصاد، قبولا يكون على أساس الإتفاق الوطني والرضى بالواقع طبعا كل هذا حماية للوطن وسلامة وحدته حسب زعمهم.

ذلك أن جماعة التقراي تقرنيا من غير تهويل نجدها في أغلب الظن عبارة عن مشروع إستراتيجي أكثر منه سياسي وله أهداف متعددة أهمها تهيئة الأجواء بين الشعبين بالتطلع الى الوحدة بدلا من العداء والأحقاد كما أن المشروع فيه ترغيب بالتطلع الى إمتلاك أرض المسلمين الواسعة والخصبة وفوق كل ذلك الوصول الى البحر الذي أصبح في هذا العصر أهم نواصي التعاطي الحضاري بشكليه المشروع والممنوع، هذا مع ضمانات الحماية الأستراتيجية في المنطقة.

والسؤال : هل يقبل النظام الإرتري بمشروع وحدة تقراي تقرنيا ؟.

إذا رجعنا إلى ماضي هذا النظام نجد أن الفكرة أصلا هو أول من حملها وطورها، لكن كان ذلك ضمن مساق آخر وأسس وقواعد تصورها على غير هذا الإتجاه للوصول الى الهدف وتحقيقه وإستمراره، ومعنى هذا أن النظام الإرتري لايمانع في أصل الفكرة، ولكن قد يختلف في سبل الوصول اليها وضمانات التحقيق والإستمرار.

فإذا ضمن أنه رائد وقائد المشروع أو إطمئن لحفظ مكانة له في ديمومة سلطته على إرتريا إضافة إلى دور له في التقراي “إثيوبيا ” موجها أو مشاركا فما المانع ؟.

قد يختلف النظام مع السلطة السياسية في التقراي لكنه بالتأكيد حسب القرائن يخطط للإستقواء والإستكثار بشعب التقراي ولذلك في إعتقادنا المشروع برمته من صنع النظام الإرتري لما يعود عليه من مصالح جمة سياسية وإجتماعية وإستراتيجية.

لقد روجت أبواق النظام الإرتري أن التقراي عندما يتضايق في سلطته في إثيوبيا هو من يطرح هذه المشاريع وهذا إدعاء لا ينطلي إلا على الغافلين لأسباب كثيرة منها:-

• لا يقبل عاقل من قادت التقراي أو شعبها الخروج علي إثيوبيا مهما تأزمت الأوضاع لما يحمله بقاء التقراي من مصالح علي الإقليم ومستقبله.

• القوى الدولية تدعم سلطة التقراي لضمان وحدة إثيوبيا وبالتالي التقراي يمكنه أن يتوسع ولكنه لايتنازل عن قيادة إثيوبيا أو ينفك منها.

• التقراي شعبا وقيادة جرب التحالف والتعامل مع قيادة الجبهة الشعبية وخلفت التجربة مآسي وحروب فعلى أية ضمانة يتنازلون عن الوحدة مع إثيوبيا والتحيز لإرتريا، فإرتريا إنشاؤا أتو بها طائعة أو كارهة ولو بعد حين خاصة بعد ملل شعبها بعد هذا التيه والضياع.

أما فوائد النظام الإرتري عن مثل هذه الشائعات وترويجها فمنها:-

• ترطيب الأجواء مع شعب تقراي وإمالته عاطفيا الى تجاوز المرارات.

• مجارات التسريبات المشاعة عن رغبة الجهات الراعية للنظام الإرتري بعودة إرتريا الى إثيوبيا، حيث أماني كبار القوم مثل الدكتور برخت هبتي سلاسي لا تبنى على أحلام،و يفترض أن النظام الإرتري قد ناقش الأمر ووصل فيه حلول مفترضة يأتي ضمنها العودة الى إثيوبيا، فيكون الدعوة إلى الوحدة مع التقراي تمهيدا وإعلانا للقبول بما بعد ذلك.

• تهديد الإرتريين بالقبول بمشروع النظام حتى لا يكونوا عرضة لمشاريع متعصبة أكثر مثل مشروع وحدة تقراي ودعوات إبادتهم.

مناقشة بعض الإطروحات:-

إن الذين يروجون لإبادة المسلمين والإستخلاف الديمغرافي يجهلون الكثير عن طبيعة الشعب الإرتري بشقيه المسلم والمسيحي، حيث قلما تجد من يشابهه في تعاطية الحضاري مع خلافاته الدينية والإجتماعية فهو شعب تحترم مكوناته الإجتماعية والدينية بعضها البعض، ومن خلال ما أوجدته من حلول للصدامات الدامية بينها عبر التاريخ أصبحت قادرة على حل كل إشكال طارئ ثم أن الإحترام المتبادل أوجد دائما لغة تفاهم شعبية بين مكونات هذا الشعب فحين حاول الإستعمار الإنجليزي زرع الفتنة الطائفية أطفأها الله بوحدة هذا الشعب ورجوعه الى عرفه لحل تلك الإشكالات وحين أشعلت سلطات الإمبراطور هيلي سلاسي الفتنة نفسها وحاولت أن تواجه الشعب الإرتري بعضه ببعض طائفيا، أحرقته وإجتمع الشعب الإرتري في ثورته، كذا أشعلت الفتنة الطائفية زمرة الشعبية المرتهنة خارجيا والمنبوذة وطنيا فأصبحت شجرة تقف بلا حياة أو مجذوذة مالها من قرار ولا يرجى من ورائها خير، فضلا عن أنها حالة مرض وطني يرقب أوينتظر الكل منها برئه، فحين جاء هذا النظام البغيض بطائفية دموية وجد في النهاية الشعب الواحد مصطفا على صعيد واحد يعلن برائته منه وبغضه له وهكذا ستتحطم كل المؤامرات على صخرة وحدة الشعب الإرتري المنتصر بإن الله.

إن لغة التهديد والتحذير هي حالة من يئس ونُبذ وعُزل فلا يمكن أن يكون خطاب من يخطط لمستقبل وطن مستقر ومتقدم، هي خلاصة الشعور بالعجز والخوف من الخسران الكبير وعلى هؤلاء أن يعرفوا أن فرنسا وعملائها المجرمون هم الذين خسروا كل شئ في رواندا وأنتصرت الجبهة الوطنية الرواندية في النهاية، وكان الأجدر على هؤلاء أن يعرضوا نماذج الوفاق والإئتلاف الوطني في إفريقيا أو غيرها رغم التعدد الإثني والأيديولوجي مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا وغيرهما كثير.

ماهي الدوافع وراء ترويج الوحدة مع التقراي أو العودة الي إثيوبيا من جهات عدة في الأوساط المستنيرة من المسيحيين ؟

يبدو أن الأسباب كثيرة منها على سبيل المثال:-

• تهالك النظام الإرتري الحاكم واليأس من إستمراره متحكما على السلطة.

• الخوف من القدرات الكامنة للمسلمين في إسترجاع ميزان القوة لصالحهم والإبتعاد بها عن دائر المحاور الدولية.

• محاولة إقناع الشعب الإرتري بعدم قدرة البلاد أن تكون دولة قائمة بذاتها كما سلف في الخمسينات وبالتالي البحث عن صيغة ربط مع إثيوبيا تكون فيها إرتريا ” التقرينية ” جزء من التجراي.

• تحكم القوى الكبرى في تحديد مصير المنطقة يفترض مجموعة وسائل وحلول تهدف جميعها الى إبقاء الأنظمة الحاكمة وضرورة ترطيب أجواءها لضمان مستقبلها، لكن بين الحلول المعلبة والواقع مسافة لا تقدر وفراغ غير معلوم.

ملاحظات تستصحب:-

• ظهر الطرح واعلن بعد مشاكل إثيوبيا لكن واضح ان الحكومة الاثيوبية ليست طرفا فيه ولو سرا.

• اصحاب الطرح وخاصة رئيسهم عضو معروف في تنظيم الجبهة الشعبية ومن قيادات الشباب المعروفة فيه.

• هذه الفكرة يفترض أن لايقبلها الكثير من أبناء التقرينية الإرتريين لأنها مشروخة.

• وراء الفكرة من يرفعون العلم الإسرائيلي والكثير من شعارات صهيون لذلك يبد أن الامر لايخلوا من تدخل خارجي و”الجواب يكفيك عنوانو”.

• كان شعار الجبهة الشعبية في بدايتها ”نحن وأهدافنا” وهو نفس شعار الحركة الصهيونية ”نحن والتورات” وهو ما يؤكد من أي رحم ولدت الشعبية فالأهداف مشتركة.

• من المتوقع وجود تصور ا يتطابق الأهداف والرؤى في إستراتيجية المنطقة والبحر الأحمر.

إستنتاجات :

كل تقييم لهذه الظاهرة بمعزل عن الأستراتيجيات الخارجية يظل تيها قد يجانب الواقعية، لذا فإن الإستخفاف بالظاهرة وإستبساطها يعني أن شاشاتنا مشوشة لاتعرض أو تنقل ماورائها، لأنه إذا نظرنا للأمر بشكل جدي نجد أنه لا يُخلق تصورا سياسيا من عدم وإنما للأمر جذور خارجية وداخلية فقد يكون لمثل هذا الطرح النشاذ في هذه المرحلة، أهداف لتحقيقه في المستقبل وتصورا إستراتيجيا متكاملا.

نجد أن المسألة يرادبها التلويح بالتهديد يا مسلمين إقبلوا بالأمر الواقع قبل أن تجبروا على الأسوء فلا عدل يقبل منكم ولا صرف.

الجهات الراعية قد ترى خلافة النظامين في البلدين بتصور جديد.

ليس للمسلمين اليوم ما يحرصون أو يخافون عليه إلا مستقبل الوطن.

أما القوى الحاكمة في إرتريا فلا يمكنها التعايش لا مع التجراي ولا إثيوبيا ولا الشعب الإرتري إلا أن تتراجع وتسلم السلطة للشعب الإرتري وهو المخرج الوحيد الآن لها وللوطن أو تتمادي في غيها وتتسبب في الصراعات العرقية والطائفية مما يؤدي الى التدويل والتدخلات الخارجية للوطن، وفي سورية العبرة:

فسوريا البعثية الروسية

وسوريا الديمقراطية الأمريكية

وسورية السنية

وسورية الشيعية...

لا يمكن الوصول الى سورية الدولة المستقرة ذات السيادة قريبا.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click