الذكري التاسع والعشرون للاستقلال ارتريا - الحلقة الثانية والأخيرة

بقلم المناضل الأستاذ: محمود بره - كاتب إرتري

(1)‏ قبل البدء في تناول احداثيات سير المعارك في ميدان ‏المعركة، نقف علي اوضاع البلاد ما قبل الرابع ‏والعشرون

محمود بره

من مايو1991، كان جيش العدو بعد ‏تحرير ميناء مصوع في الثامن من فبراير 1990م، ‏ينحسر وجوده في مربعين، ان جاز التعبير وهما: ‏المرتفعات الارترية واقليم دنكاليا بما فيه الجُزر، ‏فالخطة كانت تقتضي فن اخر من الفنون الحربية وهي ‏الحرب النفسية، والتفوق في هذا الجانب مكن قادة ‏الجيش الشعبي بالحاق الهزائم المتتالية بالعدو، كان ‏يتمركز الجيش الثاني في المرتفعات في العاصمة ‏اسمرا، والمدن الرئيسية وعلي امتداد الحصون ‏الدفاعية، في بداية الامر حاول العدو اختراق جبهة ‏قندع واعادة ميناء مصوع لنزع الخناق المضروب ‏عليه، وقد بذل جهوداً جبارة ولكنه لم يفلح بل ‏الطلعات والهجمات الفاشلة المتكررة اهبطت الروح ‏المعنوية لدي جنوده، واصبح الفرار وتسليم انفسهم ‏جموعاً وافراداً الي قواتنا امراً جاذباً لهم، لذا قسم ‏العدو جنوده الي فئتين حراس الدفاعات وهم ‏المرابطين في الخنادق الامامية، وقوات خاصة ‏للهجمات اسمها (الاسبارتاكيا) قوات حرس نظام ‏‏(الايسبا) كانت تتمتع بتدريب عالي، ولياقة بدنية وقدرات ‏قتالية في احلك الظروف، و كانت تتسلل احياناً ‏وتقوم بوضع السم في خزانات المياه الخاصة وادوات ‏الطعام والشرب العامة، وزرع متفجرات حول ‏مواقع الاستراحة النهارية، ولم تستمر تلك الظاهرة بعد ‏اكتشاف الثغرات التي تسببت في تسللهم خلف خنادق الثوار.‏

‏(2)‏ خطة الجبهة الشعبية استندت علي عاملين رئيسيين ‏المناورة والمراوغة، المناورة الاكثار من الهجمات ‏النوعية الخاطفة، والمراوغة في فتح جبهات حرب ‏جديدة بشكل مختلف، والجدير بالذكر ان المقاتل ‏الارتري حينها كان في اوج عنفوانه وجاهزيته العالية، ‏في لقاء مع راديو صوت الجماهير الارترية بمناسبة ‏الذكري السنوية للفاتح من سبتمبر 1990 عيد الثورة، ‏ادلي الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، الرفيق ‏اسياس افورقي بتصريح علي سؤال وجه له ما اذا كان ‏قد اقترب استقلال ارتريا فرد قائلا: "اعتقد لم يتبق ‏الا بضعة اشهر" وكان هذا دافع قوي للمقاتل الارتري ‏في تحقيق النصر في أقرب وقت ممكن.

‏(3)‏ بدأت الخطة في الاول من يناير 1991م، بنقل القائد ‏قرزقهير عند ماريام المشهور (وُجُّو) قائد الفرقة ‏العسكرية 85 (صِنْطقْ) اي الاختراقية التي كانت ‏ترابط حينها في حصون جبهة قندع، وهي فرقة ‏مشهود لها في اختراق خطوط العدو في عمليتي (نادو ‏از) و فنقل، واحيلت اليه فرقة جديدة (07) او ‏‏(525) وهي مجموعة من القوات الخاصة (الكماندو) ‏طُعمت بمقاتلين من مختلف الفيالق الاربعة، والقائد ‏‏(وجو) قائد ميداني شرس، وذكي جدا يستوعب فنون ‏القتال، ويجيد توزيع الادوار، ويتمتع بالفَراسة ورمي الحذق، وفوق ذلك كله شجاع لايخاف أحداً قط ولايملأ ‏عينيه حتي التراب، فطن ولمّاح وله كاريزما قيادية، ‏وبالرغم من قلة التعليم الاكاديمي الا انه يمتلك مهارة ‏عسكرية تفوق قدرات خريج ارقي الكليات العسكرية ‏في العالم، وقد ابلي بلاء لامثيل له ودور ميداني عظيم ‏في تصديه للاقوي الحملات العسكرية في دنكاليا لفترة ‏ست اسابيع من المعارك مستمرة ليلا و نهاراً جواً، براً ‏وبحراً.

‏(4)‏ اقليم دنكاليا الذي كان موعوداً بحكم ذاتي تحت مسمي ‏دنكاليا الكبري حينها كان فيه قدر كبير من جيش ‏ومليشيا الدرق بقيادة الجنرال (طواي) الذي كان يتمتع ‏بصلاحيات واسعة، واتصال مباشر مع منقستو هيلي ‏ماريام، لان خطة منقستو بعد اليأس من استعادة ميناء ‏مصوع، وضع اقليم دنكاليا الهدف الاخير في الاحتفاظ ‏به، لضمان امتلاك اثيوبيا ممر مائي.‏

‏(5)‏ ‏ وقد ابدع الراحل (وُجُّو) في وضع خطة غير مكلفة ‏اعتمدت علي المقاتل المؤهل والتسليح النوعي، ‏واستغلال عامل المكان في حرب العدو، فقد انطلقت ‏القوات الخاصة من مصوع واوقعت خسائر فادحة في ‏قوات العدو المتمركزة في نقاط مابين مرسي فاطمة * ‏و مدينة طيعو الساحلية، خطة الجبهة الشعبية من فتح ‏القتال في صحراء قاحلة الغرض منها هو جر القوة ‏العسكرية الاثيوبية للتخفيف من الضغط علي جبهات ‏القتال، وكذلك اختيارها يقوم بالسيطرة علي الموارد ‏والينابيع المائية، واصطياد الدعم المائي بمعني مراقبة ‏عربات نقل المياه وتدميرها عن بعد باستهداف مباشر ‏او عن طريق وضع الكمائن، وقد نجحت خطة حرب المياه، ‏ومات الكثير من الجنود عطشاً خاصة الفرقة 17 التي ‏تعد من افضل الفرق العسكرية، حتي نجدة الطائرات ‏التي كانت ترمي من الجو كميات من خزانات المياه، ‏لم تفلح في حل الازمة ولو جزئياً.

‏(6)‏ ومن اهم الاستراتيجيات نجاح خطة الجبهة الشعبية ‏العسكرية التنسيق العسكري بينها وبين حركات ‏المقاومة الاثيوبية، بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير تقراي ‏فالمعارك كانت تخاض في ان واحد لتشتيت قوة العدو، ‏وان تبادل المعلومات وتدفقها ساعد في التحكم، ‏والامساك بزمام المبادرة، وكذلك دخول الجيش ‏الشعبي في معارك نوعية مثل اعادة المتحرك من عدي ‏خالا لضرب الوياني من الخلف تصدت له قوات ‏تحركت من جبهة قندع في خلال 48 ساعة اجهضت ‏مهمة العدو واعادته من حيث اتي.. كان حاسماً في ‏تعجيل احداث النصر.

‏(7)‏ واعتقد ان معارك التحرير التي حسمت الامر انتهت ‏في بيلول ودقمحري في يوم 23مايو، والمعارك التي ‏تليها كانت مجرد تمشيط وتنظيف بعض الجيوب ‏المتبقية من قوات العدو، ولايفوتني ذكر معركة حدثت ‏في يوم 28 مايو في الشط اليمني، بين البحرية ‏الاثيوبية الهاربة من جزر دهلك بقيادة هيلي ولدو ‏هواريات الذي حاول استعادة عصب، وامر القائد ‏‏(وجو) فور وصول المعلومة في الهجوم عليه قبل ان يتحرك من موقعه ‏ حتي لايفسد الفرحة علي شعب عصب، وتمكنت من اغراق السفن والقوارب الحربية في البحر انتهت بمقتل ‏الجنرال وما تبقي من القوة هربت الي جيبوتي.

‏(8)‏ كانت الخطة الرئيسية للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ‏اقتلاع النظام الاثيوبي وفرض واقع الامر علي الارض ‏حتي تتحقق كامل ألاهداف في نيل الاستقلال، وبعد ‏تحرير عصب، كانت الخطة تجاوزها الي هرر لان ‏المقاومة هناك كانت جاهزة بدعم من الجيش الشعبي، ‏ولكنها تغيرت بضرب ‏حصون دقمحري ومن النتائج استخلصت الخطة ‏البديلة، وكانت فكرة موفقة ادت الي سحب العدو ‏بعض القوات جواً الي اسمرا، الذي انتهي دورها في ‏سهول قرع وتلال دقمحري، وتنفس المقاتلين في ‏بيلول مما سهل عليهم فتح عصب. ‏وقد تقدمت الالوية الميكانكية من عصب مباشرة ‏للاستكمال الخطة ولكن ليست الي هرر كما كان مرسوماً ‏لها. وانما دخول أديس ابابا العاصمة المركزية ‏لشعوب اثيوبيا.

‏(9)‏ بدخول قوات تحالف القوي الاثيوبية لعموم اثيوبيا ‏‏(الاهودق) بمساندة الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، في ‏السادس من مايو 1991م، حسمت الامور في ‏الارض بالقوة، مما اضطر كبير وفد مفاوضي الحكومة ‏الاثيوبية تسفايي قبر كدان بالانسحاب من الجلسة ‏بحجة اخلال المتمردين بشرط وقف اطلاق النار، ولم ‏يتبق الا الاعتراف القانوني للاستقلال ارتريا، الذي ‏حسم بالاستفتاء الشعبي في الرابع والعشرين من مايو ‏‏1993م.

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click