الذكري التاسع والعشرون للاستقلال ارتريا - الحلقة الاولي

بقلم المناضل الأستاذ: محمود بره - كاتب إرتري

(1)‏ نالت ارتريا استقلالها من الاستعمار الاثيوبي في الرابع ‏والعشرين من شهر مايو 1991م،

محمود بره

بعد نضال مرير من ‏الكفاح المسلح دام ثلاثون عاما 1961-1991، ‏وبهذه المناسبة المجيدة يُسعدني تدوين بعض الذكريات، وهي في اعتقادي مهمة وملحة لتمليك الاجيال ‏الحديثة حقائق الامور بأمانة من واقع التجربة.‏

‏(2)‏ ‏ في تلك الفترة قبل 29 عاماً كان احد قطبي العالم ‏‏(وارسو) الممثل في الاتحاد السوفيتي في مراحله ‏الاخير قبل السقوط الاخير، ولذا التجأ النظام الاثيوبي ‏الحليف له و اتجه غربا بتوطيد علاقاته مع الحلف الاخر ‏‏(الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وخاصة ‏اسرائيل، التي دعمته بمساعدات اولية لرد الصدمة ‏باسلحة حديثة (ثقيلة ومتوسطة وخفيفة) مثل بي ام ‏دبليو الشبيهة بالكاتيوشا، وكشافات ليلية واخري دقيقة ‏في تقدير المسافات، وصواريخ ذاتية الحركة (فاقوت) ‏وكذلك دعمته بتكنولوجيا المعلومات العسكرية، ‏وبالرغم من ذلك لم يحصل تغيير ملموس في ميدان ‏المعركة مما فكرت الولايات المتحدة في التعاون مع ‏الجبهة الشعبية ومن خلالها مع الحركات التحررية ‏الاثيوبية التي كانت تقاتل للاسقاط النظام الحاكم في إثيوبيا.

‏(3)‏ ان لحظة الانتصار لم تاتي من معركة فاصلة كما ‏يحصل بين خصمين في حلبة المصارعة، وانما هي ‏تراكم مجموعة من العمليات و الترتيبات في تأهيل افراد القوات في القتال وتجديد التكتيكات والقدرة علي ‏استعمال الاسلحة، وتنظيم الادارة العسكرية، وتوفير ‏العدة والعتاد.‏

‏(4)‏ ‏ وحسب تقديري الشخصي بدأت معركة الاستقلال عند ‏تدمير جبهة نقفة في مارس 1988م التي كانت تمتد في ‏مسافة تقدر ب 160 كلم من البحر الاحمر شرقا الي ‏حدود حلحل شرق مدينة نقفة، التي وصفها احد ‏خبراء الغربيين (دِيانْ فُو أفريقيا) الذي كان متواجداً ‏حينها في الميدان بغرض دراسة الثورة الارترية عن ‏قرب، معارك تدمير جبهة نقفة (نَادُو اِزْ) أكسبتْ ‏الجيش الشعبي للاول مرة اسلحة جديدة منها مثل (بي ‏ام دبليو) 40 سبطانة، ومدفع عيار 130، و120، ‏ودبابات دي 55، وتم اسر ثلاثة خبراء روس وتلك ‏الانتصارات كشفت المستور، ورفعت التعتيم الاعلامي ‏عن الجبهة الشعبية لتحرير ارترية، فقد تقاطرت وفود ‏ومراسلي وكالات الانباء الي زيارة الميدان.‏

‏(5)‏ ‏ وعززت المعركة ايضاً موقف الجيش الشعبي في تسلم ‏زمام المبادرة في ارض العمليات العسكرية، فقد توقف ‏الهجوم الكاسح اخيراً عند منطقة شعب بمديرية سمهر ‏‏45كلم من مصوع غرباً، واقيمت جبهة جديدة حول ‏مدينة كرن بعد انسحاب الجيش الثاني من اقليمي القاش ‏وبركا اي من تسني وبارنتو واغردات، ولم تتوقف ‏المعارك المتكررة والمحاولات البائسة في ارجاع ‏المناطق التي خسرها الدرق وطرد فعل قام بارتكاب المجازر الشنيعة ‏في الشعب الاعزل نذكر علي سبيل المثال لا الحصر مذبحة ‏شعب التي دخلها العدو بدباباته والياته الثقيلة وهدم ‏بيوتها علي رأس ساكنيها راح ضحيتها 400 مواطن أما ‏سكان مدينة حلحل وضواحيها فقد نجوا بجلدهم تاركين ‏ممتلكاتهم للعدو التي كان يتباها ‏بها واصفاً العملية ب (جدة).‏

‏(6)‏ ان مبادئ الخطة العسكرية دوماً تقوم في استغلال ‏فرص ضعف العدو: (ظَلائِخَا بَلُو.. تَدَاخِمُو كَلو)، ‏لذا في الوقت الذي كان العدو يعد العدة لتحسين وضعه ‏في جبهة كرن، ويَضمُر سرا الالتفاف علي خلفية ‏الثورة بهجوم كاسح يبدأ من جبهة حلحل شمال كرن ‏ويخترق مركزية الثورة في عراريب وأراق وحشكب ‏وادوبحا وغيرها من المواقع الاستراتيجية. تسانده ‏البحرية من مصوع، وانزال جوي في مناطق مختلفة ‏حول افعبت، والاجزاء الشمالية الشرقية من بركة، ‏لزعزعة ثقة الثورة ولتغيير ميزان القوة لصالحها ‏معتمداً علي كثرة الجيش والتفوق في السلاح الجوي، ‏كانت عين الجيش الشعبي تراقب الاوضاع عن كثب، ‏تركت العدو في احلامه، وباغتته بهجوم كاسح وسريع ‏في فبراير 1990م بدأ بقطع الشريان الرئيسي الذي يربط ‏مصوع باسمرة، و تحرير مصوع الميناء الاول في ‏أرتريا سميت بعملية ِفنْقِل، وكما وصفها منقستو (بقطع الوريد) عن الجيش الثاني (هولت أبيتاوي سراويت) ‏الذي يُعد افضل الجيش الاثيوبي حينها،والجيش ‏الاثيوبي بدوره افضل الجيوش الافريقية بعد مصر.

‏(7)‏ ‏ وبتحرير ميناء مصوع بدأت تضيق افق الفرص امام ‏جيش المُحتل، وللضغط علي الجيش الشعبي لتحرير ‏ارتريا، بعد فشل محاولات استرجاع الميناء بعملياته ‏الجوية والبرية والبحرية من جزر دهلك التي سميت ‏‏(قِبظَتْ) أي اليأْس، فلح في انتهاج سياسة تجويع ‏الشعب بمصادرة محاصيلهم في المرتفعات وفي كل ‏المناطق التي تحت سيطرته، وفرض عليهم سياسة ‏العصا والجزرة، (القمح مقابل العمل)، وارسل وفد ‏تفاوض مباشر مع الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، التي ‏سميت مفاوضات اطلانطا ونايروبي، برعاية امريكية ‏التي ماتت في لندن في اخر المطاف، وتلك ‏المفاوضات تمخض عنها اتفاق فتح طريق اسمرا - ‏مصوع للادخال المواد الغذائية لجيشه المحاصر بحجة ‏اطعام الشعب الارتري.

‏(8)‏ ولان مع انتهاء استراتيجية مرحلة ما من مراحل الهجمات ‏العسكرية، تبدأ بعدها استراتيجية عسكرية اخري، فقد ‏بدأت الجبهة الشعبية مرحلة جديدة بدخول المسار ‏السياسي المتمثل في التفاوض، دخل العدو بغرض ‏الهاء الثورة وكسب الوقت، اما الشعبية قبلت التفاوض ‏للاظهار قدراتها في المجال الدبلوماسي ايضاً وهو امر ‏مهم لمرحلة ما بعد الاستقلال، وقبيل الجلسة الثالثة ‏للمفاوضات في لندن كان للجيش الشعبي رأي اخر.

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click