الشعب الإرتري أمام نيران بعض الإعلاميين السودانيين

بقلم الأستاذ: أبو عبير

ظللتُ أتابع الأحداث المتسارعة في شرق السودان وخاصةً الهجمات الإعلامية العنيفة ضد الشعب الإرتري

اللاجئون الإريتريون

التي أخذ يطلقها بعض نشطاء التواصل الاجتماعي وبعض الإعلاميين السودانيين بصورة مقززة ومستفزة بلا مبرر سوى جعلها شماعة لكي يعلقوا عليها إخفاقاتهم وعجزهم في تحقيق المكاسب السياسية والشهرة في الساحة السياسية السودانية، ظناً منهم ربما بتلك الهجمات العقيمة التي تنم عن الجهل والسطحية ومحدودية الثقافة بعلم الاجتماع السياسي مع جهل مركب عن تاريخ وتضحيات الشعب الإرتري العظيم الذي يعرفه القاصي والداني إلا الجاحد. مع العلم الشعب الإرتري ليس ميداناً لتدريب المراهقين السياسيين والإعلاميين ونشطاء التواصل الاجتماعي الذين يترصدون كل شاردة وواردة لإلصاقها بالشعب الإرتري. ونظراً لرقي الشعب الإرتري ومثقفيه لم يتم الرد على تلك الهرطقات الصبيانية، وبما أن استخدام الأسلوب الرخيص قد تزايد وربما اعتقد البعض منهم بأن الإرتريين يغلبهم الرد كان لا بد من وضع الحروف على النقاط للجم هذه التصرفات المراهقة مدفوعة الثمن.

وهنا لا بد من التأكيد أن الشعب الإرتري والسوداني بينهما ترابط تاريخي ووجداني وثقافي وذلك بسبب التداخل الجغرافي والاجتماعي والمصير المشترك، ولا تؤثر تصرفات الآحاد على هذه العلاقات الأزلية بين الشعبين. وحديثي ليس موجه للشعب السوداني المفضال الذي احتضن الشعب الإرتري وثورته المجيدة طيلة فترة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإثيوبي، وإنما موجه لبعض شذاذ الآفاق من الإعلاميين الذين يتطاولون على الشعب الإرتري وأخذت أصواتهم ترتفع في الآونة الأخيرة بالإساءة تلميحا تارةً وتصريحا تارةً أخرى، تفوح منها رائحة العنصرية النتنة البغيضة.

الشعب الإرتري كغيره من الشعوب تعرض إلى اللجوء والتشريد من قِبل الاحتلال الإثيوبي، وبعد اللجوء الأول للإرتريين في عام 1967 تم استقبالهم في معسكرات اللاجئين المعروفة حينها من قٍبل الحكومة السودانية، إذ تحتم عليها القوانين والمعاهدات الدولية عند الحروب والكوارث بفتح الحدود لاستقبال اللاجئين الهاربين من الحروب ويظلوا في الدولة المضيفة حتى يزال الخطر المهدد لأمنهم وسلامتهم الذي من أجله أُجبروا لترك الأهل والديار. وهذا وفق المبدأ العام للقانون الدولي والمعاهدات النافذة والتي يتعين على الدول الأطراف أن تلتزم بها، وتعتبر الدول التي صادقت على اتفاقية اللاجئين مجبرة على حماية اللاجئين المتواجدين على أراضيها. علاوة على ذلك فإن اللاجئين الإرتريين وضُعوا على تلك المعسكرات بالاتفاق مع مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بأن تتكفل بجميع التزاماتها والخدمات المطلوبة تجاه اللاجئين وفق المعاهدات الدولية.

وخلال هذه الفترة الطويلة منذ 1967 إلى 2004 (تاريخ توقف الأمم المتحدة عن دعم اللاجئيين) لم تُسجل أي قضية جنائية أو قضية تخل بالأمانة والشرف ضد فرد من الشعب الإرتري بشهادة مفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومعتمدية اللاجئين التابعة للحكومة السودانية. وهذه الشهادة تعكس مدى التزام اللاجئين الإرتريين بالمادة الثانية من الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين المعروفة باتفاقية عام 1951 التي تنص (يتعين على اللاجئين أن يتقيدوا بكافة القوانين الوطنية للدول المتعاقدة).

وليس ذلك غريباً، فالشعب الإرتري من أرقى الشعوب في السلوك والمعاملة، وليس غريباً أن يكون هذا هو أخلاقهم لأنهم أحفاد من استضافوا واحتضنوا الصحابة في أول هجرتهم قبل المدينة المنورة إلى تلك الديار.

أقول لهؤلاء الشرذمة الذين يحاولون النيل من الشعب الإرتري، هذا الشعب يكفيه فخراً أنه من استقبل الصحابة في الهجرة الأولى، هذا الشعب الذي تريد أن تسيء إليه بعض الأقلام المأجورة والفاسدة قدم التضحيات الجسام في نيل استقلاله وحريته عبر ثورته بعد أن خاض حرب تحرير بلاده لمدة ثلاثين عاماً، وبذلك حقق انتصاراً على أكبر وأقوى دولة في أفريقيا المتمثلة في إثيوبيا والتي كانت تتلقى الدعم المادي والمعنوي من الدول الغربية والشرقية مع محدودية الدعم الذي كانت تتحصل عليه الثورة الإرترية حينها، ومع الفارق الكبير في عدد السكان حيث كان عدد الشعب الإرتري حينها لا يتجاوز 3.5 مليون نسمة وعدد سكان إثيوبيا يقارب 80 مليون نسمة. برغم هذا الفارق الكبير في تعداد السكان لم يعيقه ذلك من تحقيق ما كان ينشده من الحرية والكرامة الإنسانية مستعيناً بالله ثم بالشجاعة التي يتميز بها والإرادة الفولاذية لاسترداد حقوقه والانعتاق من براثن الاحتلال الإثيوبي، حقق انتصاراته التي أبهرت العالم رغم التفوق العسكري والسياسي التي كانت تتمتع به إثيوبيا على المستوى الأقليمي والدولي.

ومع الأحداث المؤسفة التي جرت مؤخرا في شرق السودان بدأت تتزايد شيطنة المجتمع الإرتري من بعض المأجورين في صفحات التواصل الاجتماعي والصحف الورقية السودانية، وهي حملة منسقة لتشويه صورة إرتريا أرضاً وشعباً حيث وصلت إلى التشكيك في مواطنة حملة الجنسية السودانية باعتبارهم لديهم امتدادات لإرتريا، وهذا لعمري جهل ما بعده جهل.
وما أجبرني أن أكتب هذه السطور المتواضعة هو سكوت الإعلاميين السودانيين من هذه الحملة النتنة بغض الطرف عنها وبل إبراز كل ما هو متعلق بالنيل من الإرتريين.

وهنا سوف أطرح مثالين للمقارنة والمقاربة للقراء الكرام عندما تقوم إدارة مكافحة التهريب بولاية كسلا القبض على عدد لا يتجاوز أصابع اليد من اللواري (BED FORD)، يتم تسويق هذا الخبر والعمل على نشره بصورة واسعة مع تحديد وتاكيد جهة المقصد وهي إرتريا. لا شك بأن التهريب جريمة يعاقب عليها القانون، ومن حق أي دولة أن تضع القوانين والتدابير الرادعة لذلك. ولكن بالمقابل نجد في غرب السودان التهريب هي التجارة الرابحة حيث يتم تهريب كل المواد التموينية ومشتقات البترول، تعبر حدود السودان إلى دولة تشاد يومياً 100 شاحنة (ZY)، وعدد مماثل إلى أفريقيا الوسطى، بل تصل البضائع السودانية حتى النيجر والكامرون ومع ذلك لم نسمع أي اهتمام من وسائل التواصل عن هذا الكم الهائل من التهريب في حين صدعت رؤوسنا عن التهريب على الحدود السودانية الإرترية، وهنا تتضح الصورة جلياً بأن هناك عناصر عنصرية لا يعجبها نجاح الإنسان الإرتري سواء من هو داخل السودان أو خارجه.

أقول لهؤلاء المراهقين عندما تمت اتفاقية سايكس بيكو السرية في عام 1916 بين فرنسا وبريطانيا وبموجبها تم تقسيم العالم على الحدود السياسية الاستعمارية المعروفة اليوم، لا أحد من الناس اختار لنفسه الخريطة التي هو عليها اليوم، وإنما وجد نفسه مقسماً في حدود رقعة جوغرافية رغماً عنه. والمعروف أن أي قبيلة حدودية لها امتداد مع الطرف المقابل كما هو حال القبائل في شرق السودان لديها امتداد لإرتريا والعكس صحيح، ومثله يوجد في شمال السودان وغربه وجنوبه وهذا أمر طبيعي لمن يفهم الجوغرافية السياسية والتداخل السكاني.

هذه العناصر التي تلصق التهم بالإرتريين وكأن الانتماء إلى إرتريا منقصة في ظنهم حسب عقولهم الضيقة، كل الإرتريين يفتخرون بوطنهم وتاريخهم الناصع من حيث التضحية والشجاعة والصدق والأمانة والتدين والفهم والعلم والثقافة وليس لديهم ما يخجلون منه، يحملون كل صفات الفخر والاعتزاز.

لماذا هذا الكم الهائل من الشتائم والذم ينهال علينا من بعض مراهقي السياسة في أرض السودان ؟ في تقديري المتواضع هي الغيرة التي تُولد الحسد الناتج من عقدة النقص. (إذا أتتك مذمتي من ناقصٍ * فهي الشهادة لي بأني كاملُ).

هذه الشخصيات الحاقدة الجاهلة بالقوانين الدولية وبالقوانين المحلية دندنت كثيراً حول حملة الجنسية السودانية في شرق السودان باعتبارهم إرتريين، وهنا سؤال يطرح نفسه من هو الوصي على الشعب الإرتري ؟ هل هذه المجموعات الفاقدة للأخلاق هي من يحدد خيارات الإرتريين ؟ الشعب الإرتري قادر بأن يحدد خياراته وفق ما تقتضيه المصلحة في حصوله على الجنسية الإرترية أو السودانية.

يجب أن يعرف هؤلاء المرتزقة المأجورين بأننا لنا الحق في الحصول على الجنسية السودانية، ولا يستطيع أحد نزعها وفق القانون. أولاً باعتبار وجود قبائل مشتركة بين البلدين، وثانياً بموجب القانون الدولي وفق المادة 34، وإذا سلمنا جدلاً بأنهم لاجئين حيث يتعين على الدول المتعاقدة أن تؤمن إمكانية استيعاب اللاجئين وتجنيسهم. وثالثاً بموجب الدستور السوداني تحت الباب الأول الفصل الأول تحت العنوان الفرعي المواطنة والجنسية الفقرة الثالثة. والعجيب أن من يجهل هذه القوانين يتعالى ويرفع صوته ضد الأخرين.

وهناك الكثير من السودانيين من حملة الجواز الإرتري الدبلوماسي والعادي من السياسيين والمواطنين العاديين أمثال أبو القاسم حاج حمد الإعلامي والمفكر السوداني المعروف، والصادق المهدي، وآدم الحاج مساعد عمر حسن البشير الرئيس السوداني السابق، وسليمان علي بيتاي وغيرهم من السودانيين الذين يحملون الجواز الإرتري في دول الخليج لدواعي سهولة الحصول على التاشيرة الإرترية. نعرف كل التفاصيل ولكن لا نحمل حقداً على السودانين بل نرى أننا مجتمع واحد نكمل بعضنا البعض في كل شيء. وأما الشرذمة النشاز من الشعب السوداني التي تحاول أن تخلق العداء بين الشعبين نحن لها بالمرصاد، وإن غداً لناظره قريب (ستعلم حين ينجلي الغبارُ ... أفرسٌ تحتكَ أم حمار ُ).

وهنا يجب أن أشير بأن عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة التي تنتمي وتنحدر منها بعض من هذه الأقلام والأصوات الحاقدة التي تهاجم الإرتريين يتلقى الدعم المادي والعسكري والسياسي والمعنوي واللوجستي من النظام الإرتري المجرم وهي أموال دافعي الضرائب الإرتريين في داخل الوطن وأرض المهجر، كان الأولى أن يستفيد منها شعبنا في وطنه لبناء البنية التحتية، حلالُ عليكم وحرامُ على غيركم !!

في الختام أقول إن شيم وأخلاق المجتمع الإرتري تجعلنا أكبر وأكمل من أن نجاري بعض مراهقي السياسة السودانية، وهذا ليس بسبب عجزنا ولا نقصًا منا، وإنما ترفعًا عن صغائر الأمور. ولكن أُحذر هذه المجموعة من مغبة التمادي في غيها ومحاولة استفزاز الإرتريين، وأقول لا تختبروا الإرتريين في صبرهم !!!

أثني عليّ بما علمتِ فإنني *** سمحٌ مخالقتي إذا لم أُظلَمِ
فإذا ظلمتُ فإنّ ظلمي باسل *** مرٌّ مذاقته كطَعم العلقمِ

وبالله التوفيق

Top
X

Right Click

No Right Click