المعارضة الأرترية غابت عنا... في وقت الحضور المرتقب

بقلم المناضل الأستاذ: محمد إدريس جاوج - ديبلوماسي أرتري سابق في الإتحاد الإفريقي

المعارضة الأرترية قصة وحكاية ورواية نسمع بها في الأسافير ومقاهي ومنعرجات الإنترنيت

المعارضة الأرترية

وفي دواوين ومحطات الهجرة والإغتراب المتباعدة عن جغرافية أرتريا ولهذا السبب وغيره من الأسباب مازلنا نبحث عنها في كل مكان ولكن صورتها الرمادية حجبت عنا الرؤية ولكننا لم نتوقف ومازال العزم والأمل يحدونا لأن نراها في ثوبها المعهود والمرصع بالتنوع الوطني ونريد أن نسمع بها حاملة شعار العودة والحنين الى الوطن وقابضة على معصم القضية وليس متحاملة عليها ومهما تعددت محطات السفر وهواجس اللجوء الى أرض الشتات والترحال في رمال الفيافي وصعود أمواج البحار العاتية رغم هذا الطوفان وجنونه نريدها قيوية ومتحدة ومعبرة عن أهدافها الحقيقية وشاملة في برامجها القومية ومتناغمة وفق رؤية مشتركة تحدد فيها معالم التغيير بشكل جلي وواضح حول ما يتعلق بمشروع إسقاط العصابة وزعيمها الدكتاتور أسياس أفورقي الحاكمة في أسمرأ وتحدد لنا فيها طبيعة الحكم المدني اليمقراطي المرتقب بعد المرحلة الانتقالية المتفق غليها سلفاً.

نعم إن عملية التغيير المطلوب في أرتريا لا تأتي جزافا ودون ثمن بل إنما هي بحاجة الى مؤشرات حقيقية فيها الثابت والمتغير وفق الظروف المواتية وهذا العمل الجبار يتطلب مرونة في الطرح وتحديد ماهو تيكتيكي وإستراتيجي ولهذا يجب أن تتمتع المعارضة الارترية بالمرونة والدبلوماسية الفطنة لإنجاز مهامها بأقل خسارة ممكنة، وكذلك مطلوب منها تشخيص ما تصبو اليه أرتريا القادمة ومستقبلها ويعني هذا تمكليك الصورة الحقيقية لتفعيل العمل المعارض وهذا يعبر مصدر قوة لأنها ستجد الدعم الشعبي والإلتفاف الجماهير حولها كمعارضة وهذا يعتبر بالنسبة لها تفويض شعبي وقاعدة جماهيرية راسخة.

إن الحديث عن المعارضة الأرترية حق مشروع تكفله المواطنة وجذورها الأرترية وليس حكرا على أحد وإن عتابنا لها ينبع من مصدر الحرص والبحث عن مشروع الكرامة المغتصبة وليس هو من باب التشفي كما يزعم البعض منا من أصحاب المآرب الخاصة الذين يتميزون بنهم السلطة ويتصدقون علينا بالمصطلحات السياسية الرنانة وهم يهيمون من أجل الوصول الى لمنابر، وكذلك هناك قلة من البسطاء الذين تسرقهم لحظة العاطفة وكذلك بضعة من أصحاب العفوية المطلقة الذين يسقطون حقهم في التفكير ويتبنونه أفكار وأراء لغيرهم فهم عرضة لكل طاريئ تجدهم موزعين بين القومية والطائفة والقبيلة والإقليم والمنطقة فإن طبيعة العمل المعارض ليس سهلة كما نتخيلها في هذه الأوراق بل هي أصعب بكثير مما نتفوه به نحن في جلساتنا ولقاءاتنا العابرة فهو بحاجة ماسة للتضحية بالنفس والمال والوقت وكلنا يجب أن نعي أهمية هذا الدور الوطني ووجود معارضة موحدة هو مطلب شعبي وظاهرة صحية وحضارية وهي نهاية حتمية للعصابة وزعيمها ولكن ليس بهذه الطريقة بل بالطريقة التي يراها شعبنا حتى تستطيع تمثيله كسفيرة مفوضة منه شرعيا في إيطار الجبهة الخارجية كإمتداد طبيعي للجبهة الداخلية كجسر للعبور وتكون رقما صعباً لا يمكن تجاوزه بسهولة في خضم المعادلة السياسية والأمنية والعسكرية المطروحة في منطقة القرن الإفريقي ولهذا يجب قراءة الأحداث الجارية في المنطقة وترتيب نفسها لمواجهة هذه التحديات.

كلنا ثقة بأن شعبنا في الداخل هو من يقوم بمقارعة عصابة أسمرأ وهو من سيحدث المعجزات كما فعلها في التحرير إذا قمنا نحن بإلتزامتنا الوطنية وأمنا لهم الجبهة الخارجية وكونا مظلة وطنية من أولوياتها إسقاط الدكتاتور وعصابته والدخول في مرحلة إنتقالية وبناء دولة مدنية دستورية يسوده العدل والمساواة والديمقراطية والتعددية السياسية والشعب هو السيد بكل هيئاته التشريعية والتنفيذية وقضائه المستقل وإعلامه الحر كسلطة رابعة تلك المنصوصة في إعلان مصفوفة الحكم الرشيد التي تحمل القيم المشتركة وتحتكم بها نظم العالم والدول التي تحترم إنسانها وتأمن له الامن والسلام والحرية وحقوق المواطنة من أجل النهوض والتنمية المستدامة وهذه المصفوفة معتمدة لتطبيها في جميع المنظمات الأممية والقارية وموقع عليها إلزاميا عضوية دول الإتحاد الافريقي وأرتريا واحدة منهنّ وهذا ما يزعج دكتاتور أرتريا منذ التسعينات وحتى هذه السانحة وموقفه من الإتحاد الافريقي وعدائه مرتبط بالهروب من النظام الدستوري وعملية انتقال السلطة بطريقة سلمية وإنتخابات حرة هو مصدر إنزعاجه من المنظمات والهيئات الدولية بخصوص الشأن السوداني الداخلي لقد حاول كثيرا لتبطيلً مفعول الاعتصام وإقصاء الثورة السودانية ولكن كان قرار الشارع السوداني أقوى من أحزمة الدكتاتوريات في إفريقيا وعملاء القوة الخارجية بما فيهم أسياس أفورقي ونسوا أن هذه القوة الخارجية عندما تثور الشعوب هي من تعلن ذهابهم في العواصم الغربية والأيام دول.

وهذا هو سبب تسألنا عن المعارضة الأرترية وإن فراغها أصبح يزعجنا لأن صمتها وخلافاتها يحسب لمصلحة الدكتاتور المارد أسياس أفورقي وزمرته في مرحلة الصراع الدائر في المنطقة ولقد ظهر لنا هذا جليا ولقد غابت عنا في لحظة الحضور المرتقب لأنها تحمل إسم كبير وذات مدلول عميق ويحمل معنى كبير وكان ينتظر منها شعبنا الكثير والكثير ولكن لقد غابت عنه في ساعة المحنة وفي لحظة الأوقات العصيبة هذه قصة أم رواية ونقول بكل تهذيب حتى لا ننكأ الجراح إنها حقيقة ولكنها أمرَّ من العلغم ولكن دعوني أقول عذرا لأصحاب الشأن علينا أن تفيق من سباتنا ونحول هذا الركود الكامن إلى عمل حقيقي وندعو الى تفجير الطاقات وتسليم الراية لمن يستحقها من جيل الشباب ونقوم بدعمهم وتوجيههم في المسار الصحيح عكس ما ذهبنا اليه نحن حينها يطيب لنا الحديث عن عمل المعارضة ودرها في المنطقة.

نعم إن هذه الوضعية الهزيلة المذكورة أعلاه أدت إلى نسيان وتجاوز المعارضة الأرترية في السلام المزعوم بين أبي أحمد وأسياس أفورقي وأسقطت من حسابات ورهانات تلك العملية ولم يتم التعريج عليها لأنها صنفت ضمن الصراع الإثيوبي الإثيوبي وذهبت ضحية صراعهم الداخلي وحسبت لمصلحة قومية التقراي والأبواب الخارجية أمام البعض منهم مغلقة وإن بعض التنظيمات مهما كان وزنها مجبرة أن تقيم في إثيوبيا بين مدينة مقلي وأديس أبابا عكس المعارضات الإثيوبية التي كانت متواجدة في أرتريا ودول العالم وكانت هي مصدر إلهام حقيقي لدعم معادلة التغيير وعملية الإصلاح التي تحولت الى مكايدة مدبرة لإقصاء التقراي وتقنين نفوذهم في داخل إثيوبيا والتحالف الحاكم الإهودق وتحولت اليد العليا في الحكم لمصلحة الأرومو والأمهرة بمباركة القوة الخارجية وحلفائها في المنطقة وخاض أسياس أفورقي لعبة المضاربة مقامارا للإنتقام من الوياني وخاطر داخل الميدان الإثيوبي وخسر الجولة وبحكم أنه ليس غريبا عن تلك الديار بل هو من قلب سلاسلة تلكم المؤامرات التأريخية التي تجزأت فصولها لنا ولم تكتمل بعد مشاهدها وإن الضحية هي أرتريا وشعبها فقط إذاً أين نحن ممايجري في هذه المنطقة يجب أن نحدد موقعنا فيها بالوعي والإدراك والعمل الجاد لإنقاذ الوطن المكلوم.

يمكن تلخيص أسباب فشل المعارضة الأرترية وتعذر إستمراريتها في الآتي:-

• لقد حملت المعارضة الارترية المروث القديم من الخلافات السياسية والحسابات الضيقة من عهد مرحلة الثورة الارترية الى عهد الدولة (جبهة التحرير الأرترية + الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا).

• لم تتحرر تنظيمات المعارضة الارترية وحركاتها المسلحة في تكويناتها من التركيبة الإجتماعية الضيقة (الأقليمية والقبليةً والطائفية والإثنية) وتوابعها من التجمعات الهلامية التي لا ترقى الى مستوى الفهم المعارض ولمن تعارض ؟ ومن أجل من تعارض ؟.

• كذلك ليس هناك وحدة وطنية تتمتع بالتنوع ورؤية مشتركة تحدد منهج المعارضة وفق أولويات كل مرحلة وذلك يكون مرتبط ببرنامج مرحلي مدعوم بخارطة طريقً وجدول زمني لتنفيذ العمل عن طريق عناصر وطنية وقيادات شابة متفرغة ومتحررة من رواسب الجهل والتخلف والعاطفة الجياشة والأنانية وحب الذات وتتمتع بخبرة لقيادة العمل المعارض في كل الميادين.

لكم مودتي ودمتم على خير

Top
X

Right Click

No Right Click