كلمات في رحيل القائد الشهيد حامد محمود حامد

بقلم المهندس: سليمان فايد دارشح - كاتب وبـاحث

كلمات يصحبها الحياء، تصحبك في مدرسة المجد والعزة، مدرسة الشهيد القائد حامد محمود ”سوري“

حامد محمود حامد 10

حياته الزاخرة بالعطاء تحني القلم إجلالاً، وتكسب الكلمات هيبة، تنأى بالعين ملامسة قمة جبل أشم.

القائد الشهيد حامد محمود الذي أنتقل إلي جوار ربه في السادس من سبتمبر 2018م، هو أحد قيادات الثورة الإرترية التاريخيين التي كانت تتزين برؤيتهم الوجوه، فهم كالشمس في ضحي الصباح المشرق، وفي الليل الكاحل كدُجى القمر المضيء، يبتسمون للحياة رغم بأسها، ويعيشون في كنف الشهادة مُستلين سلاح الوعي والثورة والعزيمة.

وخير وفاء لهؤلاء الشهداء هو التمسك بالمبادئ التي استشهدوا من اجلها، وقدموا أرواحهم فداءً لها، المضيء في طريقهم دون كلل أو ملل حتى تتحقق تلك الأهداف، وإن أيسر الطرق لبلوغ تلك الأهداف، هو وحدة الصف الوطني بكل ألوان طيفه السياسي والثقافي، ولا سيما في هذا الزمن المقطوع عن سياقه والخارج من الأزمنة، في عالم لا يزال يقاوم حركة التطور والتاريخ، عالم تحكمه ثنائية البسطار العسكري والأجهزة الأمنية من جهة، ومافيات الفساد والمال من جهة آخري.

في هذا الزمن وذلك العالم، لأبد أن نستذكر في يوم رحيل القائد الشهيد حامد محمود أهمية الوحدة كنقيض للتشرذم، والقوة بديلاً عن الضعف والجراءة تجاوزاً للخوف، والإقدام نحو القرار والإرادة.

غادرنا القائد الشهيد حامد محمود ابن إرتريا البسيط والمنحاز بطبيعته للشعب والوطن والحرية والديمقراطية .. غادرنا هذا القائد العظيم قبل أن نصل لنهاية الطريق، ولكننا باستشهاده واستشهاد القادة العظام الذين أناروا لنا الدروب وعبدوها وسنكمل إن شاء الله مسيرتهم التاريخية حتى يتم هزيمة وإسقاط النظام الدكتاتوري في أسمرا، وإقامة البديل والمتمثل في دولة القانون والمؤسسات الدستورية، دولة المواطنة، دولة إقتسام العادل للثروة والسلطة، والعودة بالبلاد إلي درب النهوض لبناء وطن آمن وزاهر يسع الجميع.

غادرنا القائد الشهيد البطل المقدام حامد محمود، الذي خبرته ارض إرتريا، والذي كرس شبابه وعمره كله في النضال وفي خدمة قضايا وطنه وشعبه، فهاجت العيون تبكيه دمعاً، وانتفضت القلوب حزناً لرحيله.. غادرنا في لحظة مصيرية هامة في التاريخ الإرتري المعاصر ليلحق بركب رفاقه الشهداء من قيادات الثورة الإرترية الأوائل، الذين رحلوا عن الدنيا الواحد بعد الآخر.

حامد محمود حامدالقائد الشهيد حامد محمود هو ذلكم الإنسان الوطني الغيور الذي عرفته الساحة الإرترية، نهل كل معاني التضحية والفداء، كان أولها ترك مقاعد الدراسة الأكاديمية بمصر، والالتحاق بالكلية العسكرية في الجمهورية العربية السورية، والانخراط بعد تخرجه برتبة ملازم 1965م في جيش التحرير الإرتري، فبرزت بشكل ملحوظ مهاراته في فنون القتال والقيادة والإدارة.

كان - طيب الله ثراه - همه الأول مع رفاقه الضباط العسكريين الذين تخرجوا من الكليات العسكرية، بناء مؤسسة عسكرية موحدة وقوية وعلي أسس وطنية، وعلي امتداد الوطن، لذلك ساهم القائد الشهيد حامد محمود بجهده وفكره في تحقيق الوحدة الثلاثية، كما كان له الدور الفعال في إنجاح مؤتمر أدوبحا التاريخي سنة 1969م، الذي انبثقت عن القيادة العامة التي كان عضواً فيها.

وفي المؤتمر الوطني الثاني لجبهة التحرير الإرترية عام 1975م أنتخب عضواً في المجلس الثوري - القيادة التشريعية - وأعيد انتخابه في كل المؤتمرات حتى عام 2014م.

وعين في هيئة الأركان لجيش التحرير الإرتري وقائد لعدة ألوية عسكرية وقائد لعدة جبهات قتالية، ثم انتخب عدة مرات رئيساً للمكتب العسكري، ثم انتخب نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية، كما تولي غيرها من المسئوليات السياسية والعسكرية والجماهيرية.

قاد وشارك وانتصر في العديد من المعارك ضد العدو في كل أنحاء إرتريا، وخصوصاً في المعارك التي خاضتها جبهة التحرير الإرترية علي مشارف أسمرا في عام 1975م، ومعارك تحرير المدن عام 1977م، وغيرها من معارك التحرير التي خاضتها جبهة التحرير الإرترية.

عُرف - رحمه الله تعالى - في أوساط الجيش التحرير الإرتري، بأنه مقاتل شجاع وقائداً عسكرياً بارعاً ومُخطط عسكري فذاً، وإدارياً من الطراز الأول، يتعامل مع جنده ويثقون بالنصر المؤزر تحت قيادته، وفوق ذلك كله كان فريداً في تعامله مع جماهير الشعب فأحبوه، فأخذ مكانته عن جدارة في قلوب وضمائر الشعب الإرتري وإخوانه ورفاقه المناضلين في جبهة التحرير الإرترية.

عُرف باستقامته وصراحته وأسلوبه الواضح الذي لا يدعه يداور أو ينافق أو يداري أو يساوم، ظل الرجل وفياً حتى اللحظات الأخيرة من حياته للثورة الإرترية ومبادئها التي انطلقت من أجلها، وعلي رأسها تحرير الأرض والإنسان وإقامة الدولة الديمقراطية.

كان كريم النفس وحسن المعشر والأخلاق، ذو وجه بشوش لا تفارق الابتسامة ثغره الباسم حتى عند لقائه بمن يختلف معه في الرأي، لم يتحدث أبداً عن عيوب رفاقه المناضلين وزملائه في القيادة، حتى الذين خاصموه واختلفوا معه، بل حتى إنه لم يدع لنفسه مجالاً للنيل من رجال ودروهم وتاريخهم، كان دائماً يذكرهم بالخير ويعدد إنجازاتهم وبطولاتهم، كان أباً مثالياً لأبناء وطنه الذين كانوا يصغرونه سناً.

عُرف - رحمه الله - بأدبه الجم، وثاب الهمة مقدام، مخلص في يؤمن بأنه حق ولا يخشي فيه لومة لائم.. عُرف عنه رجل يعزف عن الظهور ولا تطيق نفسه خلق الضجة حول عمله، وأبرز ما يميزه هدوؤه واتزانه ورصانته وتبصره وصبره، وإيثاره النضال الصامت في خدمة وطنه وشعبه.

القائد الشهيد حامد محمود ”سوري“ عشق ثري إرتريا الطهور، وأسم أرتبط بمسيرة كفاح ونضال جبهة التحرير الإرترية، أمتاز بوطنية صادقة وانتماء أصيل وعميق لإرتريا، وتميز بشجاعته وقوة إرادته وبصبره، ونشاطه المنقطع النظير، وإيمانه القاطع بحتمية النصر علي قوي الشر والعدوان.

لقد أضاف - رحمه الله - حالة إنسانية ونضالية ووطنية مميزة طوال حياته، ونال أحترام وتقدير من يتفق أو يختلف معه علي مستوى جبهة التحرير الإرترية أو علي المستوى فصائل المعارضة الإرترية، لقد تميز بالصراحة والوضوح والالتزام الدائم للمصلحة الوطنية الإرترية العليا وبما يراه صائباً وصحيحاً دون أن يجعل من رأيه وموقفه معياراً وحيداً للحقيقة، وبقي - رحمه الله تعالى - طوال حياته حريصاً ووفياً لوحدة شعبه ووطنه ووحدة قوي المعارضة الإرترية، كان شخصية كارزمية معروفة لعب دور حاسم في تقريب الآراء وتوحيد الصفوف، وهذا النهج الوحدوي الوطني بقي القائد الشهيد حامد محمود وفياً له حتى آخر لحظة من حياته.

ختاماً لأبد من القول: إن القائد الشهيد حامد محمود سيبقي إن شاء الله أسماً شامخاً من الرموز المجيدة في مسيرة النضال الوطني الإرتري، ومن شموعها المضيئة، وستظل ذكراه خالدة في قلوب جميع أبناء وطنه خاصة، وقلوب أحرار العالم عامة.

رحم الله تعالى القائد الشهيد حامد محمود وكل شهداء الثورة الإرترية وأسكنهم فسيح جناته، وعوض أهلهم وذويهم وشعبهم عوض خير، وأن يحمل الراية من بعدهم منهم علي شاكلتهم، وإيماناً وإخلاصاً ووعياً وبذلاً وتضحية في سبيل استعادة عزة وكرامة ومجد شعبهم.

هكذا هم العظماء يسيرون علي طريق ذات الشوكة.. يخلف القائد ألف قائد.. وتمضي المسيرة.. مسيرة النضال والكفـاح.. ويكون الانتصار هو القرار.. والشهادة هي العنـوان.

Top
X

Right Click

No Right Click