التيه بين التطبيع والسلام! ١ من ٢

بقلم المناضل: حُمد محمد سعيد كُلُ - ديبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي

فجأة اهتزت شباك الساحة الاريترية - الاثيوبية ومعها القرن الإفريقي، وابتهج البعض كما يبتهج أب لولادة طفل طال انتظاره،

والبعض الأخر فقد بوصلته وتطايرت الشعارات والتعابير، وحشاها البعض بالبهارات. وآخرون ما يزال الشك عندهم سيد الموقف.

المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا

بالتأكيد نحن أمام حدث لا نعرف بالضبط متغييراته و تبدلاته والتوزانات التي تعتريه، خاصة حين نقرأ أو نسمع أن المفاوضات التي تمت في اسمرا لم تتطرق إطلاقا الى مسألة الحدود. وكلنا يعلم أنها العبور لحل المسائل الأخرى، لأن حاكم اريتريا قديما كان يقول: "أنه لن يفاوض قبل خروج الاثيوبيين من (بادمى)". فسبحان مغير الأحوال. وما يدهشنا أكثر أنهم بصدد الإتفاق على ميناء عصب.

الى هنا والأمر عادي، لكن أن يقال أنهم، أي اثيوبيا بصدد اقامة سلاح بحرية بالاتفاق مع من ؟ ولماذا ؟.

ويفاجأنا قسيس في النرويج وهو يتلو أحاديث كان يقولها قديما أباطرة اثيوبيا مثل: "أن الشعبين الاريتري والاثيوبي المسيحيين محاطيين ببحر اسلامي". ثم وبسرعة ثم اخراسه. وقيل لنا أنه اعتذر. اعتذر أم ووجه لأنه كشف المستور !. لا أريد الحديث عن التقارب مع منجستو هيلي ماريام ومع جماعات هيلي سيلاسي، لأن هناك من يقول ذاك شأن اثيوبي، نتمنى ذلك. و أثناء المفاوضات كان يقال أننا شعب واحد، نتمنى أن يندرج ذلك في باب المجاملات.

قديما وحين بدأ القتال في ( بادمى) كانت الشعارات كلها تنادي بأنه قتال من أجل استرداد أرض اريترية. ولكننا حين نتمعن في أصل هذا القتال وطبيعة الخلافات التي كانت بين الويانى وحاكم اريتريا، وكما قيل لنا: القتال في الأصل هو صراع "كبساوي - كبساوي"، بمعنى أوضح هو صراع بين "كبسه" ووياني تقراي مع علمنا ليست كل كبسة، بل جزء من كبسة. لكن ضياع (بادمى) هو ضياع جزء من أرض الوطن سلب في الخلاف بين ملس زيناوي وحاكم اريتريا.

والآن ما نشاهده ونسمعه أيضا جزء يفاوض مع رئيس وزراء اثيوبيا الجديد ولا يمثل كل الشعب الاريتري وعلى باقي كبسة أن تعي وتدرك هذا الأمر. الجزء الأخر من أبناء الوطن الذي يتجاهلونه والموجود خارج السياج عليه أن يعي هذه الحقيقة بدلا من الاستمرار في جدل الصرف والأعراب والتوكأ على عصا الماضي، والماضي لن يعود، وحاضرا علينا أن لا نتعامل معه بالعواطف والأحلام، بل يجب أن نضع له أسس لنرتقي به للمستقبل ولا يتم ذلك بشلليات والتجمعات الحالية والتي كانت تتعامل به مع وياني تقراي أيام "أواسا" بل عبر رؤية موضوعية تتسم بالفهم العميق للواقع الذي نمر به وحاجاته بعيدا عن واقع التخلف الذي تعيشه بعض التجمعات والتشاطر على بعضها البعض. علينا أن ندرك ما نحن مقبلين عليه في الساحة الأريترية، وأن الآخر يجب أن يشعر بوجودك، وذلك من خلال عمل جاد يؤكد مكانتك ودورك. لكن وقبل أن نغرق في شعارات السلام وبهرجة الشعارات التي يحاول أن يلهوننا بها البعض، لابد من العودة الى الوراء قليلا.

علينا أولاً: كإريتريين أن نعي بأننا نملك في الساحل الغربي للبحر الأحمر (1200) كلم، ولنا فيه جزرعديدة. ونحن أيضا موجودين على الجانب الغربي من باب المندب، ونعي جميعا أهمية باب المندب، وأن هنالك صراع دولي حول هذه المنطقة.

ثانيا: أن نعي ان استراتجيات الدول الكبرى لا تتغير. تتغير سياساتها فقط وذلك لمواكبة تطورات الزمن، ويتم ذلك لتثبيث وتكريس الاستراتجية.

ثالثا: لايحدث أي متغير أو مستجد في القرن الأإفريقي وبالتحديد في اإثيوبيا وإريتريا إلا وكان الأمريكان من وراءه نحن نعيش في هذا الأيام في الدور الأمريكي.

رابعاً: فالدور الأمريكي الأول كان عام ١٩٤٥ في اللقاء الذي تم بين فرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والامبراطور هيلي سيلاسي في البحيرات المرة قرب قناة السويس.

• والدور الثاني كان في نهاية ثمانينات القرن الماضي وبداية تسعيناته وقد بدأ مع الرئيس الامريكي جيمي كارتر وانتهى مع هيرمان كوهين، ولكن للحق نقول ان الوجود الأريتري كان فيه فاعلا.

• أما الدو رالثالث فقد كان هنالك دور امريكي معرقل ساهم في عدم تنفيذ قرار المحكمة الدولية وتعاطف ومال كثيرا الى جانب ملس زيناوي وجماعته ولعب دورا كبيرا في قرار فرض العقوبات. ذاك كان في ظل حكم الديمقراطيين، وكانت مسؤولة الأمن القومي في ذلك الوقت "سوزان رايس"، وكلنا يعلم ان ما بينها وبين حاكم اريتريا ما صنع الحداد !.

• وأخيرا الدور الرابع فقد كانت هناك اتصالات بأمريكا بعد صعود الجمهوريين الى الحكم من قبل الحكم في ارتريا، لكن يقال أن السعوديين والاماراتيين ساهموا بدور كبير في قنوات الإتصال تلك وقد إستمرت. هذه الاتصالات لفترة طويلة لإرتباطها بتنفيذ أهداف في المنطقة. وفجأة ظهر في المنطقة، قبل فرقعة السلام، والمبعوث الأمريكي دونالد ياماموتو. الذي زار اثيوبيا وأمضى بعدها ثلاث أيام في اريتريا.

هناك أيضا أمر آخر وهو إننا حينما نتحدث عن السلام، علينا أن لا نتحدث عنه بشكل مبتور، بإعتبار أن المنطقة بأكملها في تداخلات وإشكالات معقدة ومتداخلة خبراء السياسة أن حل هذه المشاكل يجب أن يتم في اطار توافق بين دول القرن الأفريقي مثلا: الخلاف الأريتري - الجيبوتي حول "رأس ديميرا" ودعم حاكم اريتريا للمعارضة الجيبويتة المسلحة والتي يسمونها "فرود". والخلاف بين اريتريا واثيوبيا معروف للجميع، والحدود الارترية - السودانية مغلقة. والخلاف الاثيوبي - المصري حول سد النهضة ..إلخ.

كل هذه الخلافات وغيرها يجب ان تبحث وتحل كحزمة واحده لصالح إستتباب الأمن والسلام بالمنطقة. ورئيس وزراء اثيوبيا وهو ينادي بالسلام كيف أمكنه تجاهل السودان ؟ وكلنا يعلم أن السودان يعاني من أعباء اريترية - اثيوبية بسبب موجات اللجوء المستمرة وأشياء أخرى ذات طابع أقتصادي واجتماعي وأمني، والحال نفسه ينطبق على جيبوتي. فقد كان من الأجدى أن تتهيأ الأجواء عبرالقوى التي ساهمت مع رئيس الوزراء الاثيوبي للتقارب بين اريتريا وهذه الدول.

هناك أيضا أمر أخر ويتعلق بالمنطقة وهو الخلاف الخليجي وإنعكاساته على أوضاعنا، فالمملكة العربية السعودية ودولة الأمارات من جانب، وقطر و ايران وتركيا من جانب آخر زد على ذلك المنافسة في المنطقة بين امريكا والصين. ملحوظة كخلاصة أخيرة يمكن القول ان الأمن القومي في المنطقة غير مستتب والحلول الجزئية قابلة للأختراق ولن تصمد طويلا.

Top
X

Right Click

No Right Click