اثيوبيا واريتريا والسودان واقع اقليمي في الآقدار والمصالح

بقلم الأستاذ: هاشم علي حامد المصدر: صحيفة سودانايل

اذا نظرنا الى الواقع الاقليمي الذي يضم كل من اثيوبيا واريتريا والسودان وجنوب السودان ومصر من جانب اخر.. فنجد التأثير

الذي ليس له فكاك ضمن مصالح هذه الدول فيما بينها حيث ستظل الدول المنشطرة كاريتريا وجنوب السودان مرتبطة بالدول الأم تدور من حولها "كدوران الكواكب" وتدور مصالحهما إرتباطنا قدريا مهما باعدت بينهما الفتن والمشاكلات، وتدخلات القوى الدولية والاقليمية، دوران مصالح وفي ذات الوقت توازن أمني لاتستغني فيه اي من دولة عن الاخرى.

التقارب الاريتري الاثيوبي الذي اعاد العلاقات بين اثيوبيا واريتريا بعد قطيعة استمرت لما يقارب العقدين من الزمان يقرأ من هذه الزاوية.. وركون دولة جنوب السودان الى السودان لإيجاد حل لقضية السلام في دولة الجنوب عبر ما تشهده الساحة السودانية من حوار الفرقاء الجنوبيين هي ذات - القناعة - التي يدركها الغرب وامريكا (وتسندان هذا الدور للسودان عبر الايقاد) ضمن حرصهما على استتباب السلام في تلك الدولة الوليدة لمصالح استراتيجية بدأ حساب زمانها.

لذا فيأتي تلطيف اجواء العلاقات مع السودان من قبل امريكا والغرب، ورفع جزئي للعقوبات الاقتصادية التي استمرت لعشرين عاما نظير جهود التوسط التي تقودها الخرطوم وما تم بالفعل في تحقيق السلام عبر اتفاقية الخامس من اغسطس 2018م التي بموجبها يتقاسم الفرقاء السلطة في الجنوب، ومن ثم انطلاق جنوب السودان ليؤدي الادوار المنوط به في الواقع الاقليمي. فحسابات المصالح تعمل على فرض ادوار على (القوى الفاعلة) في المنطقة من قبل القوة الاقليمية والدولية وحسابات المصالح الاقتصادية والامنية ذات سلطان لابد من جعل لحسابها، هذاوكيفية ادارة الصراع في التأثير لاجل تحقيق اكبر قدر من الكسب القومي هو ما ينبغي ان تنظر له الدول فيما يعنيهما من تأثير اقليمي، وحقوق مغيبة عنها، ومشاكل وقضايا تملك مفاتيحها.

عودة العلاقات بين اثيوبيا واريتريا:

عودة العلاقات الاثيوبية الاريترية قادته مصالح كلا الدولتين، وجاءت التطورات الايجابية في علاقة الدولتين بعد موافقة اثيوبيا تسليم اريتريا منطقة بادمبي التي ظلت مصدر خلاف وتسببت في حرب راح ضحيتها 80 الف عنصر من الطرفين القرن الماضي، ولقد جاءت هذه الخطوة في ظل التحول الجديد الذي تشهده اثيوبيا وموافقتها للالتزام بما جاء في اتفاقية الجزائر والتي انهت حرب بين الطرفين.

فاثيوبيا في كتابها الجديد تعمل لترسيخ مفهوم حديث للديمقراطية في ثوبها الافريقي، فرغم ما شهدته من احداث على مدى العامين الماضيين فانها استطاعت ان تتخطى تلك الظروف وفق آلية ديمقراطية تولي عبرها الرئيس الدكتور ابي احمد رئاسة الوزراء، وتبع ذلك تغيير سياسي داخلي يعمل على معالجة سلبيات الماضي في مراجعة القوانين واجتثاث الفساد والانطلاق عبر سياسات داخلية وخارجية تبسط رؤية جديدة تجاه القضايا القومية والاقليمية، كان من ضمنها اعادة العلاقات مع اريتريا بعد التطبيق الكامل لاتفاق الوساطة الموقعة في الجزائر عام 2000 والتجاوب مع قرار محكمة لاهاي التي حكمت في السابق لصالح اريتريا في منطقة بادمبي الحدودية، والخروج من تلك الاراض وتسليمها الى الجارة اريتريا وبعدها انطلقت العلاقات بين البلدين من جديد بعد زيارات متبادلة لرئيسي الدولتين واستبشار شعبي بعودة تلك العلاقات.

القرأة الحقيقية في سياسات اثيوبيا تجاه الماضي توضح ان لك زمان رؤيته وتصرفه، فاذا كانت سياسات الماضي املتها ظروف عديدة من ضمنها الروح (التنافسية) التي ساقت تصرفات اريتريا وهي تستنشق هواء الاستقلال حرصا لصون حدودها، وان ادى ذلك الى الحرب، فقد جاء رد اثيوبيا الدولة الآم بقوة وحزم، تبع ذلك تأخير الاستجابة للقرار الدولي كنوع من التصرف الاحترازي للحفاظ على المصالح القومية، وإبراز الثقل الاقليمي الذي لم يتأثر بنقص التراب الاثيوبي.

اثيوبيا في سياستها الخارجية الجديدة تدرك تحديها في واقعها الاقليمي الذي يتطلبها علاقات متوازنة مع كافة دول الجوار، اريتريا على وجه الخصوص لما تشكله من بعد حيوي. وتجاه السودان في علاقتها الاستراتيجية معه خاصة ضمن المصالح المشتركة وحيثيات مشروع سد النهضة وما يعنيه من تحدي على المستوى الشعبي والمستوى الاقليمي.

فيما يتعلق بثلاثية العلاقة بين كل من اثيوبيا واريتريا والسودان..

فألعلاقات السودانية الاثيوبية ذات ابعاد متعددة لايتوقع ان يكون هناك أثر مباشر عليها خاصة على الجانب الامني بعد دخول اثيوبيا في علاقاتها الجديدة مع اريتريا، فثوابت الجغرافية الآمنية التي تجمع البلدين هي التي تفرض التعايش السلمي والبلدان يعلمان اهمية ذلك.
أما بالنسبة لاريتريا فقد ثبت موقعها في المنطقة سياسيا وجغرافيا وقد نجحت في رسم حدودها مع اثيوبيا بعد عودة الاراضي المتنازع عليها دون حرب جديدة، ويعتبر هذا إنجاز تاريخي هام للرئيس الاريتري اسياس افورقي الذي إستطاع الجمع مابين استقلال بلاده و النجاح في تخطي تبعات ما بعد ذلك الاستقلال من حفاظ على مصالحها.

فاريتريا مهما يقال عن ماضيها الذي شابه نوع من المواجهات العنيفة مع اثيوبيا، وضد اليمن تجاه ملكية جذر حنيش وكذلك مع السودان.. (وهي حالة طبيعية للدول وليدة الاستقلال) ادركت وعبر التجربة مع اثيوبيا اهمية السلام وروح الاخاء الذي اعاد لها رسم حدودها وفق رؤية قيادتها، كما انه ليست هناك رهانات جديدة تنحرف بها، أو تتخذها كمطية كما كان الحال في السابق فقد انفصل جنوب السودان ونال استقلاله، ويصبح سلام الصومال ارادة اقليمية ودولية، واكتمل مشروع سد النهضة بنسبة (70%).. وضمن هذه المتغيرات يظل الهاجس الاقتصادي هو المرجح لتصرفاتها حيث تُعيد لها علاقاتها مع اثيوبيا مصادر مالية ثابته عبر ما تدره عليها موانيها في مصوع وعصب من دخل الخدمات التي تقدمها لاثيوبيا من خلال هذه المواني التي يتجدد نشاطها حاليا، هذا ينعكس قطعا على الحالة الاقتصادية مما يساعد في احداث تحول ايجابي في الحياة الاريترية التي ظلت تعاني عدم استقرار وهجرة قطاعات كبيرة من الشباب للخارج.

كما يتوقع للتنافس الاقليمي الذي تشهده من حولها سواء على مستوى الدول، او ما يحاددها من اقاليم اثيوبية (اقليم التقراي) ان يخلق نوعا من التنافس التنموي، فضلا ان ينعكس السلام في عودة الحياة الطبيعية بين البلدين وتنشيط اسواق الاستثمار في كلتا الدولتين من خلال حركة المستثمرين العائدين.

ما يقال عن تبعات الظروف التي تشهدها منطقة البحر الاحمر والقرن الافريقي في حركة الاستقطاب التي تقوم بها بعض الدول ضمن المحورين المتشكلين في الخليج والقرن الافريقي (محوري قطر والامارات)، فما يحدث هناك فهو لعبة يديرها الكبار، وتغيب عنها حتى ارادة الدول العربية المتمحورة، وضمن هذه الحيثية فلن يكون هناك خطرا او تأثيرا مباشرا يعيد توترا للمنطقة، أو يعطل مسيرة مصالحها الاقتصادية التي تشكل الآن التحدي الاكبر لانظمتها خاصة السودان واثيوبيا.

فأريتريا تدرك كيفية ادارة مصالحها في الاستفادة من شواطئها وموقعها الاستراتيجي على البحر الاحمر وقد فعلت في علاقاتها الاستثنائية مع دولة الامارات التي (أجرت عبر مجموعة مواني دبي ميناء مصوع منذ عام 2015 لثلاثين عاما مقابل 30% من نسبة الدخل تنالها اريتريا).

علاقات كل من السودان واثيوبيا واريتريا هي علاقات في الواقع الجغرافي والبعد الثقافي والمصالح المشتركة، تعتبر امتداداً فعلياً لعوامل تاريخية وجغرافية، محاطة بعوامل موروثات وثقافات متشابهة لشعوب هذه البلدان. فهي وشائج تقارب في الجغرافية والتاريخ، وما ينبغي ان يسود العلاقة من توجه لتحقيق مصالح متبادلة، أو ما يٌفترض من تعاون لدرء مخاطر في سبيل غايات مشتركة لمصلحة شعوب المنطقة.

علاقات كهذه هي علاقات مستقبل لا تنفصل عن البعد القدري الذي اشرنا له، إضافة الى كونها تدور من حولها مصالح دول اخرى في حيثيات التطورات الجديدة في منطقة القرن الافريقي والبحر الاحمر، ما يدفع هذه الدول في الحفاظ على هذه المكاسب وما ينبغي ان تحرص عليه من ادارة مصالحها لأمن وخير شعوبها.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click