بعد تل أبيب أفورقي في أحضان أبوظبي.. ثمن لعبة الإمارات في البحر الأحمر

بقلم الأستاذ: عزمي عبدالرازق - كاتب وصحفي سوداني المصدر: الترا صوت

يحتل الرئيس الإرتري أسياس أفورقي، صورة الطاغية الذي يستثمر في كل الأزمات، فهو وبلا مبدأ ثابت ظل لقرابة ثلاثة عقود

محمد بن زايد و أسياس أفورقي و أبي أحمد علي

حكم فيها بلاده بالقبضة الفولاذية، يتقلب بين أحضان الأيديولوجيا والتحالفات السياسية، مرة تجده وفيًا للسودان الذي دعم الثورة الإرترية بالمال والسلاح، وأحيانًا يمشي على السجادة الفارسية، ومن ثم ينتقل منها إلى إسرائيل، فاتحًا لها مجاله الجغرافي لقواعدها العسكرية، وبعد كل شيء، أصبح حليفًا للإمارات العربية المتحدة، في سعيها للحصول على كافة موانئ البحر الأحمر.

اعتبر مراقبون أن الدور الإماراتي الجديد، يهدف لتمكين أفورقي من تعزيز فرص أكبر لشركة موانئ دبي العالمية، التي فقدت العديد من الموانئ على ساحل البحر الأحمر

في العام 1991 قادت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا الكفاح ضد إثيوبيا وحصلت على الاستقلال بدعم الحكومة السودانية، وتولى أسياس أفورقي السلطة رسميًا في العام 1993، ومنذ ذلك الوقت، دخل في مناوشات عسكرية مع جيرانه، وتخلص من رفاقه في جبهة التحرير شيئًا فشيئًا، وعزل بلاده عن ركب التطور الثقافي والتقني، واستخدم القوة المفرطة في قمع خصومه، دون أن يوفر لشعبه الحد الأدنى من الحرية والديمقراطية.

وفي مطلع العام الجاري أعلن السودان إغلاق المعابر الحدودية مع إريتريا. وأظهر أفورقي قلقه من منح السودان جزيرة سواكن على البحر الأحمر لتركيا بهدف إعادة تشييدها على الطراز العثماني القديم، حيث اتهم أفورقي ما أسماهم بـ"أصحاب مصالح" في السودان وإثيوبيا بمحاولة خلق صدام بين الخرطوم وأسمرا. وبشأن الوجود التركي في المنطقة أفاد الرئيس الإريتري أن "الوجود العسكري في سواكن إن صح غير مقبول"، وقال في تصريحات صحفية أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة: "لست متأكدًا من الوجود العسكري التركي في سواكن أما الوجود التركي في الصومال فهو غير مقبول ولا يساهم في استقرار المنطقة". وزعم أفورقي أن "تركيا تنفذ أجندة الإخوان المسلمين في البحر الأحمر بدعم قوى الهيمنة العالمية وتسعى لفرض نفوذها في المنطقة".

من هنا بدأ التقارب بين إرتريا والإمارات، ورعاية أبوظبي للمصالحة بين أديس أبابا وأسمرا، حيث توجت تلك الجهود بزيارة قام بها كل من أفورقي والرئيس الإثيوبي آبي أحمد، إلى الإمارات في شهر تموز/ يوليو الماضي، واعتبر مراقبون أن الدور الإماراتي الجديد، كان بهدف تمكين أفورقي من تعزيز فرص أكبر لشركة موانئ دبي العالمية، التي فقدت العديد من الموانئ على ساحل البحر الأحمر، ومن المعلوم أن الإمارات حصلت على عقد إيجار لميناء عصب الإريتري بغرض الاستخدام العسكري لمدة 30 عامًا.

وعلم "ألترا صوت" أن عددًا ضخمًا يقدر بست كتائب من الجيش الإرتري تستعد للمشاركة في حرب اليمن، فيما سيتم تجميع القوات وتدريبها في معسكر "ويعا" الذي يقع في إقليم جنوب البحر الأحمر. وأضافت المصادر بخصوص حوافز الجيش الإرتري، أن "أفورقي يتكتم على تفاصيل الاتفاق بينه وبين قيادة عاصفة الحزم، بقصد مصادرة المال الخاص بالجنود المشاركين، أو خصم سواده الأعظم لصالح الحكومة"، وهي سنة متبعة لدى النظام حتى مع العمال الأرتريين الذين تتعاقد الحكومة باسمهم مع شركات خليجية وأجنبية.

وفي حديث لـ"ألترا صوت"، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني النور أحمد النور، أن عوامل داخلية وخارجية جعلت أفورقي يلجأ للمصالحات مع جيرانه، من بينها الأوضاع الاقتصادية السيئة والتململ داخل المؤسسة العسكرية. وأضاف أنه "بعد انسحاب أفورقي من الإيقاد في العام 2007 ودخوله في مناوشات عسكرية مع جيرانه لدرجة دعم حركة الشباب الصوماليين المتشددة، فرضت عليه الأمم المتحدة عقوبات مشددة".

وحول دخوله في التحالف الإماراتي السعودي يعزو النور ذلك إلى شح الموراد والخيارات لدى أفورقي، كما أنه شعر بأن قواته لم تعد في حاجة للانتشار على الحدود مع إثيوبيا وجيبوتي، ولذلك سعى للمشاركة في حرب اليمن، وهى الخطوة التي وجدت استحسان دول التحالف، التي ترغب في خلق تنويع داخل عاصفة الحزم لتعويض غياب الجيش السوداني الذي يتعرض لضغوط داخلية من أجل الانسحاب من الحرب.

علم "ألترا صوت" أن عددًا ضخمًا يقدر بست كتائب من الجيش الإرتري تستعد للمشاركة في حرب اليمن، فيما سيتم تجميع القوات وتدريبها في معسكر "ويعا"

ومن المرجح أن تكون زيارة الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، والتي جاءت بدعوة من أفورقي مطلع هذا الأسبوع، طرحت مبادرة صومالية لحل الخلافات بين إريتريا وجيبوتي بحسب وسائل إعلام محلية إريترية، وذلك ضمن عدد من الملفات أهمها الدعم الإريتري لحركة الشباب الصومالية المتطرفة. علمًا بأن أسمرا تتكتم عن مصير عدد من الجنود الأسرى الجيبوتيين، وترفض بشدة الإقرار بوجودهم، كما تستضيف عددًا من معارضي الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي.

ومرة أخرى تعود الأزمة بين السودان وإرتريا إلى السطح، حيث ظل أفورقي على الدوام يناصب الخرطوم العداء، ويعتبرها شريك متآمر مع النظام الإثيوبي في حربه ضد إرتريا، وبعد التقارب الإثيوبي الإرتري أصبح السودان لوحده في مواجهة محور جديد يتشكل من إرتريا وإثيوبيا والإمارات كما يبدو، حيث يتهم أفورقي الخرطوم يإيواء معارضين إسلاميين من أنصار الداعية الإرتري المعارض محمد جمعة أبو رشيد.

ونقلت صحيفة "التغيير الإلكترونية" رفض إرتريا طلبًا سودانيًا بفتح المعابر الحدودية التى كان السودان قد أغلقها من طرف واحد مطلع العام الحالي.

ولا يخفي أفورقي علاقته مع تل أبيب، حيث ظل يصفها في كثير من تصريحاته بأنها "هزمت العرب"، مع الوجود الإسرائيلي الدائم في البلاد، من داخل جزر "ديسي" و"دهوم" و"شومي" التي تقيم فيها إسرائيل منذ أكثر من عقدين، بجانب احتفاظه بقاعدة عسكرية تعد ثاني أكبر قواعد إسرائيل البحرية خارج حدودها، وأحد أكبر مراكز التجسس المتقدمة في القرن الأفريقي، وربما في منطقة باب المندب كلها. ويحاول أفورقي جاهدًا فتح كل نوافذ التعاون بينه والمحور السعودي الإماراتي، ما يعكس تأثير الأزمة الخليجية على منطقة القرن الأفريقي.

Top
X

Right Click

No Right Click