ارتريا واثيوبيا: هل السلام والحرب مزاجي ام يبطن هذا السلام والحرب خفايا واسرار؟

بقلم الأستاذ: محمود شامي - كاتب وناشط سياسي إرتري

قبل عام واحد من الحرب الارترية الاثيوبية لم يكن هناك أي مؤشر للحرب ولا حتى بوادر أزمة سياسية بين البلدين، وعلى العكس

إثيوبيا وارتريا

كان هناك تطبيع كلي اقتصاديا سياسيا وأمنيا بين البلدين، وفجأة تسارعت موجة الخلاف كما نشاهد ذلك في الأفلام، وتسارعت وتيرة الأحداث بصورة متفاقمة، ولم يفهم المواطن العادي وحتى فوق العادي في كلا البلدين ما يحدث، ولم يفكر أحد من كلا البلدين مطلقا بحدوث انقلاب للعلاقة بهذه الصورة الدراماتيكية، فالعلاقة كانت مثالية ومميزة لأبعد الحدود وهي الأفضل بين دولتين جارتين في المنطقة فالعملة كانت واحدة منذ سنة 1991 استقلال إريتريا الي العام 1997 قبل الحرب بين البلدين بعام واحد ، والموانئ الارترية كانت مفتوحة أمام البضائع الاثيوبية وبدون جمارك وبدون نقاط تفتيش،، لا تأشيرة بين البلدين والخطوط الجوية الاثيوبية لديها فروع في العاصمة اسمرا وفي مدينة عصب وكانت بمثابة الخطوط الجوية الارترية،،، والجيش الاثيوبي كان يحوي عناصر من الجيش الارتري والامر ذاته للجيش الارتري والأمن الاستخبارتي بين البلدين لا تستطيع تمييزهم من إريتري او اثيوبي،، ودبلوماسيا كانت تقوم سفارة اثيوبيا في الدول التي تنعدم فيها سفارة دولة اريتريا برعاية مصالح إريتريا ومواطنيها.

كل هذه الامور تساقطت في لحظات وذهبت إدراج الرياح وحصل ما لم يتوقعه أحد في الدنيا، وبين عشية وضحاها انهارت وتساقطت كل تلك الأمور كقطع الدمينو،، والدولتان الشقيقتان يصبحان دولتين عدوتين، والشعبين الاثيوبي والارتري يصحوان على وقع أصوات المدافع والقنابل والطائرات الحربية والدخان الأسود يلف الشريط الحدودي للبلدين، والممتد من جبال موسى علي في دنكاليا الي مدينة أم حجر قرب الحدود السودانية.

رباااااه كيف صار الوضع هكذا هلاميا خطرا والصورة مشوشة كاحلة، والرؤية ضبابية بل قاتمة والالوان تبدلت من البياض الي السواد بين عشية وضحاها.

هل هناك أسباب يمكن تقبلها وحدوثها في فترة وجيزة كهذه ودون مقدمات وتؤدي لما صار عليه الوضع او تفدي لحدث كهذا ولجنون كهذا، انه السيناريو العجيب والغريب الذي لا يقوم به عاقل ولا يتقبله عاقل وحتى من أفلام الهوليوود ناهيك عن حدوثها واقعا، كيف يمكن للأمور أن تتسارع بهذه الوتيرة دون فتور في العلاقة بين البلدين يأخذ وقتا، ويعقبها أزمة سياسية تأخذ وقت من الزمن، وبعدها مناوشات على الحدود تأخذ وقتا آخر، لكن كل هذا اختزل بحرب استخدم فيها البلدين كل ما لديهم من أسلحة دمار وهلاك واستمرت عامان وضحيتها ثمانون الف رأسا بشرية، جنون ما بعده جنون وحقد ما بعده حقد، مستحيل أن تكون تلك الكراهية وليدة لحظات إذا كانت كراهية، واذا كانت طبخة مصالح ستكون هي الاخرى طبخة مجنونة.

اذا ما الذي اضحكهم وأفرحهم في المساء وما الذي اشعل حربا ودمارا في صباح ذلك الليل، هكذا قامت الحرب وبدون مقدمات والسبب بادمي المسخرة، أعلنها الطرفان سببا للحرب وواجهة لاسباب اخرى، يعرفونها سوية اثيوبيا وياني واريتريا الشعبية.

وعلى غرار الحرب يأتي سلام اليوم، والذي يشبه صورة طبق الأصل من تلك الحرب في قلة الذوق والاحترام للشعبين، ودون مقدمات قالوا للشعبين تصالحوا، كما قالوا لهم ذات مساء حاربوا ودون مقدمات ايضا.

بالأمس كانت لغة الحرب وحالة الحرب والاتهام المتبادل وتراشق للبلدين واتهامات علنية في مناسبة أعقبت بيوم صبيحة السلام وصبيحة التهاني والتبريكات وتبدلت لغة الكلام لغة الحوار بعد يوم واحد فقط وبنفس الغموض الذي رافق امسية الحرب في 1998 جاء السلام في 2018 ودون تمهيد ودون المرور على الزوايا الاخرى ينتقل الحرب الي السلام مباشرة من الصفر الي 180 درجة، كيف يعقل أن تقوم الحرب بدون مقدمات وكيف يتم صلحها بدون تمهيد له، لا سيما أنها كانت اشرس حرب في المنطقة، راح ضحيتها 80 الف شخص من الطرفين، ولماذا دخل البلدان في حرب يكون صلحها اسهل من صلح شخصين تخاصما حول قضية تحارية مثلا، هذا السلام لم يتجاوز عمر سماعه من قبل الشعبين الاثيوبي والارتري والعالم اسبوعين فقط.

اعتقد ان هذه الامور تحتاج الي وقفة اولا، وتفسير ومبررات من الطرفين ثانيا، والا سنعود ثانية وكل مرة لمربع الحرب المزاجية متى ما يشاؤون.

والحرب أقرب الي طبخة مصالح من كونها همجية غير استراتيجية، فحالة الحرب واللاسلم خدمت تجراي في اثيوبيا عشرون عاما، وباسم هذه الحرب والتجييش لا يمكن أن يتم تسريح عناصر الجيش بعد تغيير الحكم في اثيوبيا كما كان مفترضا، بل بدأ الوياني يضخ عناصر اخرى فيه، وكانت زمام أموره بيد الوياني، والتجراي لا يستطيعون حكم اثيوبيا وتمرير مصالحهم بوجود قومية الإمهرا الأكثر كادر مؤهل لقيادة اثيوبيا وبوجود قومية الاورومو الاكبر تعدادا للسكان في اثيوبيا.

بالمقابل الشعبية كانت طرفا آخر لمعادلة المصالح تلك فمن خلال الحرب تستطيع فعل ما تشاء وتحول التنمية من كل الأقاليم الي أقاليم تجرنيا واذا سئلت عن التنمية فأجابتها ستكون الحرب والأزمة التي تعيشها البلاد انتهت اللعبة القديمة وبدأت اللعبة الجديدة بغطاء السلام هذه المرة.

وأعتقد أن السيناريو القادم هو العودة الي التفاهمات المشتركة، بين الجبهة الشعبية وجبهة تحرير تجراي وحليفها العفر وجبهة تحرير العفر الشريك المهم والاستراتيجي التي يشاركها الحدود اثيوارترية وطموح الوحدة بين ضفتي الحدود.

واعتقد بانه ربما جاءت اليوم مرحلة تجسيد تفاهمات الامس في ما يخص مشروع وحدة الاقليمان، واعتقد ان الاشكالية هي كيف سيكون شكل هذان الاتحادان ؟ وهل سيأخذان شكل كيانات مستقلة ام سيكونان تحت سيادة اثيوبية ام ارترية ؟

اعتقد وارجح ان الاقليمان الاثيوبيان سنضمان الي الاقليمان الارتريان وتحت سيادة ارترية مع إعطاء حقوق موسعة لهما على شكل حكم فيدرالي موسع ولسببين:-

1. الاتحاد في اثيوبيا طوعي مما يسهل فك الارتباط،
2. الموقع الاستراتيجي الهام لارتريا.

وانتهت المرحلة الاولى بعد 20 عام مع انقضاء مصالح جبهة تجراي مع شركاؤها من بقية الأقاليم والقوميات الاثيوبية التي يرتبطون معها في اتحاد طوعي يستطيعون الانفصال عنه متى ما أرادوا.

وربما تتوفر للعفر تلك الأرضية نتيجة الشراكة والتفاهم مع جبهة تجراي، وربما يتم جرهم في لعبة المصالح تلك نتيجة لتطابق الحالتين وربما سيكون تحسبا لحدوث ذلك في المستقبل ومطالبة العفر مستقبلا بأمر مماثل لتجراي متى ما توفر لهم الوعي والارادة كما فعلت شعوب اورومو التي همشت في اوقات مضت وانتزعت اليوم حقوقها. اي استباق الأحداث قبل وقوعها.

والسؤال الكبير ما هي دواعي وجود أبيي احمد الوزير الأول الاثيوبي الذي ينحدر من قومية اورومو في المشهد والذي يسرع الخطى لتجسيد هذا السلام ؟

اعتقد ربما تكون هناك أمور أخرى تخدم أبيي في مراحل السلام القادمة والتي ستمتد مراحله القادمة الي جمهورية الصومال والاقليمين الصومالي والأورومي ويمتد لكيفية تشكيل خارطة للسلام في المربع الصومالي الاورومي.

وعلى كل لا يضر ما يفعله اليوم الدكتور أبيي مصالح اورومي ولا يضر بقية القوميات الاثيوبية وعلى العكس ربما يؤدي الوضع الطبيعي القادم لخريطة المنطقة الي استقرار تام وقبول ورضى شعبي هنا أو هناك، وتحسبا لانفجار الوضع مستقبلا الذي سيعيق تأمين موانئ المنطقة بما فيها ميناء عصب مع رسم حالة خاصة له وتأمين استقرار دائم لطريق هذا الميناء الطويل والممتد من عصب الي هواش والذي يمر بأرض عفرية خالصة.

هناك امور عدة استندت عليها في تحليلي بوجود طبخة مصالح من وراء الحرب والسلام الغامضين وساذكر بعضا منها قد تفيد القارئ على فهم ما يدور او على الاقل بوجود تفاهمات بين اثيوبيا واريتريا تخضع للمد وللجزر بين الطرفين ايضا، وغامضة للشعبين الارتري والاثيوبي منها ماورد في جريدة السلام الاثيوبية،، وما ورد في حوار اجرته اذاعة SBS وترجمت من الانجليزية الي العربية لوزير الدفاع الارتري السابق مسفن حقوص والذي يعيش في الخارج معارضا للنظام.

جريدة السلام - اديس ابابا، قال إساياس ”الفرص التي جلبها أبي احمد للشعبين الارتري ولاثيوبي ليس بالامر الهين، وإذا سرت الامور على هذا النحو أري ان السيد ابي احمد يسطيع ان يقودنا وانا اوكله، هو وكيلنا، وانا اعني ما اقول“، يوليو 2018 زيارة أسياس الأخيرة لاديس.

في حوار إذاعي أجراه مع إذاعة الــ"SBS، قسم اللغة التجرينية، قدم مسفن حقوص، وزير الدفاع الإريتري الأسبق والمعارض للنظام منذ عام 2000، إفادات مهمة حول حقيقة ارتباطات أسياس أفورقي مع إثيوبيا. فيما يلي ترجمة لتلك الإفادات من اللغة الإنجليزية، وتتوفر النسخة الأصلية للحوار على صفحة دانيل رزان، المرفقة للبوست وهي Daniel Rezene Mekonnen

مسفن حقوس: هناك شبهات تدور حول أسياس وتقول إنه كان يعمل ضمن مهمة أوكلت إليه من إثيوبيا أو أطراف أخرى، من أجل جعل إريتريا جزءا من إثيوبيا وكما قلت لك. أما بخصوص القضية الأخرى، التي طرحها أسياس مرّة ولم يعد طرحها مرة أخرى، فقد جرت في فبراير 1991، خلال اجتماع اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، الذي انعقد في مدينة أفعبت وكنّا وقتها على مشارف تحقيق استقلال إريتريا. خلال ذلك الاجتماع استدعى أفورقي أعضاء اللجنة المركزية بصورة فردية وذكر لهم الأمر التالي: إزاء الوضع الراهن سنقوم بتشكيل حكومة مشتركة (حكومة وحدة وطنية) مع جبهة تحرير شعب التيجراي و/أو الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا. مضيفا، بأن هناك اتفاقا بشأن هذه المسألة صفحة رازان.

واخيرا مرافقة السيد سيوم حاكم اقليم عفر اثيوبيا لرئيس وزراء اثيوبيا في زيارته التاريخية لأسمرا وبالمقابل مرافقة السيد حمد محمد كريكاري رئيس القوات البحرية وأهم كادر عفري في نظام اريتريا رئيس دولة اريتريا في زيارته التاريخية لاديس.

Top
X

Right Click

No Right Click