قراءات خاطئة على بساط الامنيات

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي المصدر: الجبهة نت

يجري الحديث هذه الايام في اوساط الفاعلين والمهتمين وكأن مشكلة الإرتيريين (مقصيين / هاربين / لاجئين / مغيبين قتلا ومعتقلين)

هي نتاج موقف وممارسات اثيوبيا حيال وطننا. يا سادة ليست معاناتنا الاساسية وليدة الحرب ولا حالة اللاسلم و لاحرب.

الهقدف العدو اللدود

ان المأساة التي نعيش في إرتريا انتاج محلي صرف (منهج الاقصاء ونكران الحقوق) الذي نشأت عليه وتتمسك به العصابة المتحكمة في اسمرا. ولذلك فان كل من يسوق لتغبيش الامر بالقول ان الخلل الكبير الذي نعيشه من جرائم مستمرة افرغت البلاد من ابنائها مرتبط برفض اثيوبيا تنفيذ اتفاقية الجزائر انما يأخذ بيد هذه العصابة التي تتخبط في بحر ظلمات الظلم الفادح والبشع الذي ترتكبه بحق إرتريا وشعبها ويبحث لها عن مبررات لهذه الجرائم المنكرة. ومن هؤلاء من تسوقهم مقاصد سيئة بهدف تضييع معالم الجريمة من خلال صناعة مسرح وهمي وعوامل دافعة وهمية تشكل في جزء منها تبرئة من تلك الممارسات الجرمية وقد تساهم في فتح افق اما لتبسيط الجرائم او تسهيل نوافذ لإفلات المجرمين. هؤلاء منهم من يتصرفون وكأنهم مبعوثي الدكتاتورية في المنفى ويرتكبون بتصرفهم هذا جريمة تضاف الى جريمة صيرورتهم ادوات تنفيذ سياسات اضرت بالحقوق الاساسية للإرتيريين في مراحل والسكوت على تلك الجرائم في مراحل اخرى !!.

ان الجريمة الكبرى المتمثلة بنكران ورفض حق المناضلين في العودة الى وطنهم الذي ضحوا من اجله، ورفض عودة اللاجئين، واعتماد منهج الاقصاء، وتشويه علاقة الدولة الوليدة بالمواطن من خلال اعتبار العلاقة مع الشعبية (التنظيم / الحزب) بوابة الدخول والعيش والتمتع بالهوية الإرترية، وتعميق السلوك الانفرادي والقضاء على اسس العمل الجماعي، وسيادة وتعميق روح الحقد والكراهية وسلوك الانتقام واستخدام وسائل خسيسة في التصفية والتغييب، كل ذلك قد سبق الحرب مع اثيوبيا.

في هذه اللحظات الحساسة التي يتجه فيها النظام نحو مرحلة جديدة ل في محاولة لتمديد صلاحيته من خلال الاذعان لشروط المصالح الدولية والاقليمية في البلاد والمنطقة، لابد من التأكيد على جذر المصائب التي اوصلت البلاد واهلها الى هذا الدرك السحيق من الهلاك والاضرار فان العلاج الجذري لا يتأتى إلا بالتحديد الدقيق للمرض. على المخلصين من ابناء هذا الشعب ان يركزوا على اصل البلوى وجذر المشكل والا يصرفوا انظار المواطن الإرتري عن جوهر المشكل والطريق الاساسي المؤدي الى الحل الجذري للازمة.. فأزمة إرتريا اساسا غير ناتجة من موقف الدول المجاورة تجاه إرتريا وانما الازمة هي وليدة تصرفات الزمرة المتسلطة على سبيل الاختيار ومن غير اسباب ملجئة فلا يجوز ان نبحث لها عن أعذار ومشاجب نعلق عليها فشلها في التأسيس لدولة تحتضن شعبها..

الاثيوبيون كطرف في الصراع الدامي سواء كان دخولهم اختيارا كنوع من التراجع والتكفير عن خطيئة الاقرار بالأمر الواقع باستقلال إرتريا او اضطرارا للتنفيس عن الغبن الذي شعروا به بسبب خذلان الحليف في العديد من قضايا الاتفاق المصيري بينهم الا انهم بأي حال ليسوا سببا في سوء التصرف الذي تفرد به نظام أسياس في المنطقة. وربما لو تصرفت العصابة في اسمرا بمسئولية حيال قضايا الوطن الاخرى لكان مشوار الحل لقضايا العلاقات والخلافات مع الدول الاخرى اقصر مما انقضى من زمن بحسبان ان اسباب القوة الحقيقية للدولة والسلطة تكمن في التماسك الداخلي وحسن الادارة اكثر من القيود الامنية واتفاقيات المخابرات التبادلية الذي انتهجته العصابة الدكتاتورية..

قراءات خاطئة:

البعض يتطوع ليقدم لنا قراءات مقلوبة، الواقع الإرتري الماثل نفسه لا يقبلها مثلا:-

• ان النظام اقدم على الحرب في العام 1998م لتخليص (بادمي) من الاحتلال الاثيوبي ويجهلون او يتجاهلون ان جبهة التحرير الإرترية حررتها ولكن الشعبية هي التي سلمت المنطقة لوياني تقراي في اطار الاتفاق المصيري والطموح (المقدس) الذي تحدث عنه أسياس أفورقي في آخر خطاب له.

• يقدمون لنا تصورا مغايرا للحقيقة يقول ان النظام في اسمرا ربح الحرب ومن ثم الصراع ونحن نعيش على مدى عشرين عاما حقائق مختلفة على الارض فالقوات الاثيوبية هي التي دخلت (بارنتو) عاصمة اكبر اقاليم البلاد مساحة واخلى النظام اغردات وحزم امتعته من كرن ولولا اختيار اثيوبيا التراجع وسحب قواتها الى المناطق التي مازالت تحتلها حرصا على عدم الاصطدام بالقانون الدولي فان عورات العنجهية الفارغة كادت ان تبدو لمن لا يريد ان يرى.

• يقدمون لنا خلاصة بان النظام انتصر في الحرب و بادمي عنوان المعركة واراض ارترية اخرى مازالت تحت الاحتلال الاثيوبي بعد ان (طلعت الشمس من مغربها) واتفاقية الجزائر رغم - محاولات قلب الحقائق - تؤكد انها كانت اذعانا لشروط المنتصر ففي اهم بنودها كانت المنطقة العازلة (25 كيلومتر) كلها داخل الاراضي الإرترية وهو شرط المنتصر وتقليص حجم الجيش الإرتري كان شرطا اثيوبيا ايضا..

• العزلة والعقوبات التي فرضت اقليميا ودوليا على النظام في اسمرا تمثل بلا جدال نجاحا للسياسة الاثيوبية. وطبعا رغم الفقر والحرمان والضيق الطارد الناتج عنها يعتبرها البعض نجاحا دبلوماسيا وانجازا من خزانة الصمود.

• خلال كل السنوات التي مرت منذ قرار لجنة التحكيم يطالب الاثيوبيون بالجلوس في طاولة الحوار قبل البدء في التنفيذ بمبرر معلن هو (ترتيب التنفيذ) بما في ذلك الانسحاب. والنظام في اسمرا كان دائما متمترساً خلف مطلب واحد (الانسحاب اولا). ثم بعد عشرين سنة نجده يخضع لشروط اثيوبيا (الجلوس للحوار اولا) وبدون شروط - لا انسحاب ولا يحزنون - ففيم ضاعت العشرون عاما من الدولة والشعب ؟ وطبعا كالعادة المطبلون للنظام سيقولون لنا كلاما من قبيل الاساطير - ان الوفد ذاهب الى اديس ابابا لكي يستلم بادمي وباقي الاراضي المحتلة في الشنطة بدون نقاش. الاثيوبيون كانوا يطالبون بقبول النظام من حيث المبدأ ولكن الضيق واليأس الذي ضيق مساحة المناورة والمماطلة دفع بالزمرة المتسلطة في اسمرا للدخول العملي وليس مجرد القبول المبدئي.

رغبات مشروعة لكنها مطالب خاطئة:

• من حقنا ان نحلم مجرد الحلم لكن علينا الا نذهب بعيدا في الاحلام لكي لا تتحول الى اوهام. ماهي المردودات الايجابية المباشرة المأمولة من تطبيع العلاقات الإرترية الاثيوبية؟ طبعا الحديث يسوقنا الى اعتبار الفوائد التي منعها عنا توتر الوضع وسوء العلاقة مع اثيوبيا اول الفوائد التي نجنيها ونتحدث اول ما نتحدث عن فقدان دولة المؤسسات وتكريس سلطة الفرد. من يعتقد ان اثيوبيا التي كانت تتمتع بهامش مقبول من المؤسسية والتعددية بالمقارنة مع دول المنطقة وأرتيريا على وجه الخصوص على مدى سنوات الصراع والاختلاف معها، كانت سببا في حرماننا من وطن يقبلنا كمواطنين ويتيح لنا فرصة الحياة الطبيعية ويقر لنا بحق المشاركة ولو على منوال ذر الرماد في العيون فليبشر نفسه بانتهاء عهد الحرمان.

• كثيرون يمنون انفسهم ان رئيس بلادنا الذي وضع سلطته على مدى سبعة وعشرين سنة في خصومة متصاعدة مع الشعب وتعامل مع المواطنين بقسوة مفرطة اهدرت كرامتهم واجبرتهم على قبول خيارات المخاطرة بأرواحهم بحثا عن الامن والكرامة وسبل العيش التي فقدوها في بلادهم، اقول يمنون انفسهم ان يؤدي التطبيع مع اثيوبيا الى تغيير جذري في النظرة الى المواطن وتتولد عنه منهجية تعيد الكرامة المهدرة في رجل قد بلغ من الكبر عتيا وهذه كما يقولون امنية اقرب الى (عشم ابليس في الجنة). ذلك ان الرجل ظل يقاتل ويخاصم دول الجوار بحجة انعدام الديمقراطية فيها ويجادل ان الشعب الإرتري لم يبلغ مستوى من الوعي والنضوج السياسي يمكنه من ولوج مرحلة الديمقراطية (مما جعله مادة ثابتة في التندر عليه بالقول ان فاقد الشيء لا يعطيه) - هذا الشعب الذي ارتفع بوعيه الى مستوى انجع الوسائل واقدرها بحثا عن الحرية ودق اسوار جامعة اديس ابابا على الطالب أسياس أفورقي وارتفع به الى مستوى حرب التحرير الشعبية. فالقراءة الخاطئة هنا هي تلك التي تؤسس على ان استتباب الامن وتقليص نفقات الاستعداد على الحدود وتخفيف قيود العقوبات على النظام ستضعفه امام الشعب وتقيد تصرفاته غير المسئولة بحق الإرتيريين.

• الدستور (نسخة 1997م الذي هو تكريس لمنهج الاقصاء والحرمان المؤسس على انه منحة من الشعبية وليس استحقاقا للشعب) الذي يرجون تفعيله ليس فيه من الديمقراطية والتعددية اي محتوى بل هو خال حتى من المفردتين تماما علاوة على العديد من الاعوجاجات والعيوب السياسية والقانونية فيه. وبما ان القواعد الضرورية التي لا غنى عنها للحياة الطبيعية للإنسان هي مبادئ وقيم ينبغي ان تسود وتستقر في القناعات قبل ان تكون قواعد سلوكية يحاسب على مخالفتها القانون فان من اثبت لنفسه الحق في حرمان الآخرين من حقوقهم بدون الدستور لا يتوقع منه ان يحرم نفسه الاعتداء على تلك الحقوق بدستور هو يصنعه في تغييب كامل للآخرين. القراءة الخاطئة هي تمني انتقال منهج المصالحة والتصحيح وبناء الثقة من (ابي احمد) الى أسياس أفورقي من غير منطق ولا معطى معقول يسند مثل هذه الامنيات من تجربة الرجل فتكون امنيات نتيجتها (سراب يحسبه الظمآن ماء). قولوا خيرا او اصمتوا.

Top
X

Right Click

No Right Click