سيرة الأستاذ عيس سيد محمد رجل وطن وعلم وتربية - الحلقة الخامسة

بقلم الأستاذ: حسين رمضان - كاتب ارتري

ثالثاً - الجبهة الشعبية: وبعد دخول الجبهة الشعبية إلى كرن عام 1977م كان تعاملهم مع الأستاذ سيد عيسى

عيس سيد محمد 1فبعثهم الله للأمم لهدايتهم بالعلم إلى الحق المبين قولاً وعملاً وهنالك الكثير من الشواهد على فضائل العلم والتعلم.. لا يسع المجال لذكرها.

جيدا ولم يصدر منهم أي مضايقة أو أي شيء من هذا القبيل، بل بعض قياداتهم كانوا يأتون إليه في منزله وعرضوا عليه أكثر من مرة أن يعمل أو يتعاون معهم لكنه آثر البُعد عنهم.. لشيء ما في نفس يعقوب.

وبعد الأحداث المؤسفة لجبهة التحرير ودخولهم للسودان فأصبحوا أثراً بعد عين ثم ما تلى ذلك من انشقاقات الحركة الإسلامية ونزاعهم وتفرقهم يمنة ويسرة ونتيجة لذلك جمد الأستاذ نشاطه السياسي ووقف على مسافة واحدة من الجميع، وهنا قيادات الجبهة الشعبية اعادوا فتح قنوات الاتصال به لعله يقبل العمل معهم، وابدوا له رغبتهم في الإستفادة من إمكاناته وخبراته التراكمية سيما في مجال التعليم فارسلوا إليه مبعوث خاص من أعلى قياداتهم لمقابلته، ونقل إليه ذلك المبعوث بأن قيادة الجبهة الشعبية تشيد بجهودك وتثمن اخلاصك وتفانيك في خدمة الوطن، فالمطلوب عودتك للوطن والإنخراط في سلك التعليم، كما عرضوا عليه الاستفادة من ممتلكاته الخاصة في أرض الوطن (منزله وسيارته) وأيضاً استلام معاشه التقاعدي من إدارة التعليم بأثر رجعي، ولكن الأستاذ لم تروق له تلك الوعود والإشاهدات الكبيرة فاعتذر عن العودة بالرغم من إنها مغرية، ولكنهم لم ييأسوا من إعادة التواصل معه واخبروه بتكوين لجنة من أسرة السفارة الارترية في الخرطوم للاجتماع به وترتيب سفر عودته جواً إلى اسمرا في حالة موافقته، ولكن الأستاذ تمسك بموقفه في عدم العودة في ظل الوضع الحالي كما أنه ليس لديه أي أطماع شخصية سواء إن كانت مناصب أو مالية.

وقد تعرض الأستاذ عيسى لوعكة صحية في كسلا (مرض اليرقان) ويسمى بالمصطلح الشعبي (الصفير) فعرضوا عليه بعض قيادات الجبهة الشعبية الدخول للميدان لتلقي العلاج ولكنه لم يستجب، فارسلوا إليه طبيب اخصائي باطنية مع مساعده إلى منزله لإجراء الكشف والفحوصات اللازمة فأخبره الطبيب أن مرضه من الدرجة الرابعة والخطيرة، عليه لابد من العلاج السريع وإن لم يتحسن حاله لابد من إرساله للخارج، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى شفي الأستاذ تماماً من المرض بعد خمسة أيام تقريباً من العلاج المتواصل.

ومن المواقف المؤسفة والتي يذكرها الأستاذ عيسى أثناء مرضه لم يزوره أحد (زيارة مريض) من أصحابه وزملائه من قياديي وكوادر جبهة التحرير بل كانوا يرجعون من جاره المرحوم الأخ محمد عمر جبيب وبالمقابل زملاءه في قوات التحرير الشعبية واللجنة الثورية والتنظيم الموحد كانوا يأتون إليه ويطمئنون على صحته بين الفينة والأخرى ولذلك أخذ الشيء الكثير في خاطره من زملائه في التنظيمات المذكورة خاصة التنظيم الذي احبه من داخل قلبه وقدم الكثير من أجله حيث سجلوا غياباً متعمداً وغير مقبول شرعاً و لا عرفاً، وفي إحدى زياراته للقاهرة ذكر ذلك للرئيس عبدالله ادريس في عام 1992م عندما زاره في الفندق فقال عبد الله ادريس متهكماً هذا الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه يا أستاذ وأردف قائلاً وسوف ترى أكثر من ذلك من جماعتك ويقصد أعضاء الحركة بل سوف تندم على كل وقت امضيته معهم.

ولكن الأستاذ قال له أنا فخور يا عبدالله بانتمائي للجبهة مهما كانت معاملة القيادات وكوادرها، ولا أشك أن ممعظم بل الغالبية من أعضاء الجبهة كانت وطنيتهم نابعة من الوجدان وحتى البعض منهم ما كان يملك مصروفه اليومي فضلاً عن بيتاً يأويه ومنهم من لم يستطيع الزواج والكثير من الجرحى والمعاقين جالسين اليوم في البيوت وليس لهم شيء البتة لأن نضالهم لم يكن من أجل مصالح شخصية بل كان من أجل تحرير تراب الوطن.. وكما أني استطيع أن استثني من الحركة بعض المخلصين خاصة الرجل الذي نذر نفسه لخدمة الدين والوطن الشيخ عرفة - رحمه الله - وهو رجل نظيف وعفيف بل كان يدعم الحركة من حسابه الخاص وأيضاً الشيخ حامد تركي والشيخ محمد إسماعيل عبده - يرحمهم الله - توفوا وهم لا يملكون بيوتاً بل كانوا في سكن أيجار، وبالمقابل كان هنالك من يعمل من أجل الدنيا الفانية والمصالح الآنية فانعكس هذا على تجربة الحركة سلباً، وأي عمل لا يبنى على الإخلاص والتجرد الذاتي والاندفاع والحماس الشبابي الزائد بدون معرفة المخاطر فمآله الفشل.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة...

Top
X

Right Click

No Right Click