الثقافة العربية في إرتريا

بقلم الأستاذة: فاطمة موسى - شاعره وكاتبه ارترية

الثقافة العربية في إرتريا تعود لعوامل الروابط التاريخية و الجغرافية و العرقية و الدينية بالمنطقة العربية

والكتب التاريخية الباحثة منذ القدم دونت ذلك ككتاب الطواف عبر البحر الارتري حيث ورد اسم الميناء عدلويس الإرتري في المصادر الإغريقية العتيقة.

الحبشة

كذلك مدونات المسعودي و مقدمة ابن خلدون. هذه الروابط عتيقة فنجد قصيدة في المعلقات من العصر الجاهلي لطرفة بن عبد و هو يتغني بميناء عدولي عدلويس الذى كان احد اهم الموانئ في العالم القديم:

عدوليةٌ أو من سفين بن يامين يجورُ بها الملاحُ طوراً ويهتدي

كذلك خط الهجرة التجاري للتبادل الذهب و بخور الناسكين جعل ارتريا منذ عصر الفراعنة مرسى لسفن حتشبسوت و تم تبادل السلع بورق البردي و القمح و النسيج. لذلك ليس من الغريب ان يرد ذكر ميناء عدوليس الاثري العريق الذي كان نقطة وصل مهمة للتجارة في العالم القديم. كذلك الموقع الجغرافي لغرب ارتريا المجاور للسودان يربط شعوب النوبة و مصر كما تربطنا الأنهار التي تصب في النيل عبر وادي عطبرة و كأنهار القاش و ستيت التي تنبع من ارتريا. و متحف اسمرا بالعاصمة الارترية تظهر فيه ملامح التمازج الحضاري مع الحضارة الفرعونية و النوبية.

الموقع الجغرافي لإرتريا على باب المندب و جزرها على البحر الأحمر بشواطئ عريضة مقاربة لتهامة و الحجاز بالجزيرة العربية جعل من ارتريا عبر الأزمنة و العصور واجهة التواصل في القرن الإفريقي فكانت بوابة الهجرات العربية القديمة الى افريقيا. فمع إنهيار سد مأرب نزح السبئيون من جنوب الجزيرة العربية لإرتريا لتتكون حضارة مشتركة المعالم و القسمات. مازالت المواقع الاثرية تدل على حضارة عربية عريقة تبدء بممالك البلو و المدرجات الزراعية الجبيلة و اسماء يمنية لمواقع فى ارتريا كعين سبأ و مارب تذكر بتلك المرحلة و الصلات الواضحة الملامح في كل ربوع إرتريا.

تتمازج الحضارات لتزيد تأصل الثقافة العربية بدخول حرف المسند العربي القديم ليكن حرف الكتابة للغتين التجرنية و التجري و تقارب المفردات بلغة التجري مع مفردات العربية الحديثة كما نعرفها اليوم مذهل و مطابق لتقارب اصول اللغة و منبعها من جنوب الجزيرة العربية.

الديانة و التعدد العرقي:

سبقت العربية كلغة دخول الديانتين المسيحية و الإسلام و اصبحت جزء لا يتجزء من وجدان نسبة كبيرة من الشعب الإرتري الذي تعدد فيه الأثنيات و القوميات. اللغات الأم في ارتريا لغات متعددة لتسع قوميات تشمل الساهو و التجري، البلين، العفر، التجرنية، النارا، الحدارب، كوناما و الرشايدة. الامتداد القومي و العرقي للقوميات بتخطي الحدود الدولية المتعارف عليها لدول الجوار في السودان و جيبوتي و اثيوبيا.

جاءت المسيحية في القرن الثالث بعد الميلاد مع قس سوري و دخلت الديانة الاسلامية ايضا مبكرا مع هجرة الصحابة و المسلمين الأولى للحبشة هربا من بطش قريش. تم تأسيس اول مسجد بالإسلام على شواطئ مصوع برأس مدر.

توالت الهجرات العربية للتجارة و للتبادل و كذلك في عهد بني امية للهروب من العباسيين و كان ارخبيل دهلك. منفى للشاعر عمر ابن ابي ربيعة. الذى وافته المنية هناك و بالجزيرة مخطوطات عربية و آثار عمرانية من تلك الحقبة.

الحرف في زمن الحرب:

المشهد الثقافي الإرتري متنوع و قد تشكل منذ قدم التاريخ عبر تعابير القصائد و الملاحم الشعرية الشفوية بمختلف اللغات الأم للقوميات فيتغني بها الشعب و هى تصاحب ألحان الربابة و الطبل و تحكي قصص الكفاح و البطولة و الحنين و الجوي.

تعاقبت مراحل الإستعمار على ارتريا و قد احتل الايطاليين ارتريا و حولوا العاصمة الى اسمرا الجبلية من مصوع و جعلوها مدينة تشابه روما الصغري بأيادي الشعب الإرتري الذي قاوم الإستعمار و الفصل العنصري للإيطاليين. في ذلك الوقت كانت الوثائق التاريخية و المعاملات تدون بالعربية و التجرنية و ذلك عائد الى تواجد المصريين بعد تسليم إدارتها لهم من العثمانيين.

أما دواوين الشعر المدون و الحراك الأدبي الثقافي للشعب الإرتري فى المشهد العربي فقد بدء أيام النضال الطويل ضد الإحتلال الإثيوبي فخلال فترة الثورة الإرترية في ستينيات القرن الماضي ظهر شعراء وأدباء كالشاعر المرحوم محمد عثمان كجراي الذي لقب بشاعر القطرين حيث يعد ايضا من مؤسسي الشعر الحديث بالسودان و القرن الإفريقي و صوت مدافع عن حق الشعب الإرتري فى الإستقلال و الحرية.

و كذلك الشاعر أحمد سعد الذى ظهر له أول ديوان مطبوع فى السبعينيات و كان له اشعار تناصر ثوار القضية الارترية و الفلسطينية.

أما أول رواية عربية خطت فكانت بيد المناضل محمد سعيد ناود رحمه الله بعنوان قصة صالح (رحلة الشتاء) وكانت تسلط الضوء على فترة الأربعينيات فى إرتريا و الاستاذ محمد سعيد ناود هو باحث تاريخي له مقالات يؤكد فيها عمق الأواصر و العلاقات الأزلية لإرتريا و المحيط العربي.

الهجرة الإجبارية بسبب الحرب أنتجت جيل ينظم الشعر عن هذه المعاناة و الغربة و عن الأشواق للوطن كالشاعرة الإرترية الجيبوتية المرحومة شريفة العلوي. أيضا رواية تيتانيكات إِفريقية تنضم لأدب المنفي و التغريبة الكبرى و هى للروائي المخضرم أبو بكر حامد كهال و التى صدرت من دار الساقي و ترجمت حديثا للغتين الإنجليزية و التركية. الرواية فتحت أفاق جديدة مع ظهور جيل روائي جديد منهم الأستاذ حجّي جابر و الأستاذ حامد الناظر الذين كتبوا عن الحنين و الوطن و حالة الا حرب و لا سلم مع إثيوبيا وقد فازوا بجوائز عربية أدبية تقديرية ساعدت فى إيصال الحرف العربي الإرتري للقارئ العربي. القيم الجمالية في الأدب الإرتري العربي رغم قصة الكفاح الطويل حاضرة فالنصوص في الرواية بهية اللغة و لا تخلوا من الشاعريةالرومانسية و الواقعية السردية. اما فرسان القصيدة في الشعر فأجادوا و ابدعوا و من شعرائنا الملهمين الاستاذ عبدالرحمن سكاب الذي ابدع في القصيدة العمودية و عمل لسنوات طويلة باليمن الشقيق و كان عضوا بإتحاد الأدباء و الكتاب اليمنيين و قد وافته المنية رحمه الله في ربوعها و شهد له ادباء اليمن و كتابها و من نصوصه البهية قصيدة الوتر:-

أيُّها السَّائل عنَّا إنَّنا عربُ المهدِ ومهدُ العربِ
نحن أطلقنا تباشير الضحى وأعدنا الدهر إيقاعاً صبي
غٍن يا أيلول لليوم الذي قلد الغبراء تاج الكوكبِ
لاح نجماً والدراري جنده دونه كل دراري الشهبِ
أترع الجوزاء من صهبائه فانتشى ركب الهوى والطربِ
ما أحيلاه كريماً غالياً ماحقاً ماضي الأسى والكُرَبِ

Top
X

Right Click

No Right Click