سيرة الأستاذ عيس سيد محمد رجل وطن وعلم وتربية - الحلقة الثالثة

بقلم الأستاذ: حسين رمضان - كاتب ارتري

الجوانب السياسية في حياته: أولاً - جبهة التحرير: نظراً لتواجد جبهة التحرير الارترية

عيس سيد محمد 1فبعثهم الله للأمم لهدايتهم بالعلم إلى الحق المبين قولاً وعملاً وهنالك الكثير من الشواهد على فضائل العلم والتعلم.. لا يسع المجال لذكرها.

في منطقة الأستاذ سيد عيسى بشكل كبير، ثم تقديم السكان الدعم المادي والمعنوي والبشري لهم فهذا التواصل خلق انتماء جِبِلي وفطري للجبهة، لذا ليس من المستغرب أن يكون ولاء الأستاذ جبهجياً فطرياً بالميلاد، ومع بداية نشوة الانتصارات أيام التحرير الأولى دعت جبهة التحرير أعضاءها من المنتمين إليها إلى لقاء جماهيري في مدينة حقات والتي كانت تحت سيطرتها وهي تبعد قليلاً من الكيلومترات من مدينة كرن، وكان الحضور كبير جداً من مدينة كرن وضواحيها وبلغ عددهم تقريباً عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات وامتلأت بهم الساحات وما حولها وأثناء الاجتماع كانت تهتف الجماهير بعبارات تأييد لجبهة التحرير، وهذا الحضور كان يمثل تحدي كبير للجبهة الشعبية وهي كانت المسيطرة في كرن والوصول إلى حقات في ذلك الوقت كان لابد من المرور أولاً بمعسكرات الجبهة الشعبية حتى الوصول إلى مواقع جبهة التحرير ولكنهم لم يتصدوا لجماهير الجبهة المنتقلة عبر مواقعهم حيث كانت هنالك اشاعات منتشرة أن الجبهتين سوف يتحدا والمساعي كانت مبذولة للتقارب بينهما وبالتالي الوصول إلى حقات لم يكن صعباً.

وبدأت مراسيم الاجتماع ولغة التحدث كانت اللغة التغرينية ولكن الشعب ثار وطالب أن يكون الحديث باللغة العربية وهم يهتفون بالعربية (واصل واصل يا احمد ناصر) ويتبع ذلك تصفيق قوي وبعد الانتهاء من الاجتماع التنويري طلبت قيادة الجبهة من مواطني كرن اختيار أربعة اشخاص يمثلونهم وتم اختيار لجنة برئاسة الأستاذ سيد عيسى.

وعقد هؤلاء الأربعة اجتماع خاص مع قيادات الجبهة بصفتهم ممثلين لشعب كرن وضواحيها ودار في الاجتماع مناقشة أمور كثيرة ومنها التنسيق مع تنفيذية الجبهة لمعرفة احتياجاتهم من الشعب ووضع آلية للتواصل معهم، واستمر الاجتماع ساعتين تقريباً وبعد انفضاضه استدعى أحد المسؤولين الأستاذ سيد عيسى وقال له أن رئيس اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية القائد أحمد ناصر يريدك في لقاء خاص وانفرادي، وحضر ذلك اللقاء في البداية المسؤول (ملّكيّ تخلي) ولم يكمله فأصبح اللقاء مباشر بين القائد أحمد ناصر والأستاذ سيد عيسى فقال أحمد ناصر إن كل الذين التحقوا مؤخراً بالجبهة من المسيحيين هم الفئة المتعلمة وغالبيتهم جامعيين وأقلهم يحمل شهادة ثانوية أو متوسطة، وأن غالبية مناضلي الجبهة القدامى إن لم يكن كلهم هم أميين ومن فئة المزارعين أو الرعاة، ولذا نريد أن نوازن كفة الميزان باستيعاب أمثالكم من المتعلمين في الأماكن الهامة والحساسة والمناسبة وبدورنا سوف نقوم بكل احتياجاتكم ونحمل عنكم عبء الحياة من الالتزامات الأسرية وكل شيء حتى تؤدوا واجباتكم بصورة متكاملة ثم حضر في نهاية اللقاء المناضل صالح إياي وأكد نفس كلام أحمد ناصر والمناصل صالح إياي له معرفة سابقة بالأستاذ سيد عيسى حيث كانوا معاً في الحركة ٨٦.

وبعد عودة الوفد إلى كرن اتخذ الأستاذ سيد عيسى قرار الالتحاق بالجبهة ثم شرع في تسليم العهدة المالية لمدريتي كرن والساحل التي كانت في البنك باسمه فحولها من حسابه إلى حساب إدارة التعليم، وأثناء انشغال الأستاذ سيد عيسى باجراءات إخلاء طرفه من مسؤولية التعليم وصل الي اسمرا الأخ عمر موسى حاج قادما من دريداوة وهو مدرس في كلية وسبق أن درس الأستاذ سيد عيسى عندما كان طالباً، ثم تدرج الاستاذ عمر موسى حاج في المناصب حتى اصبح مسؤول التعليم في ارتريا كلها ثم رئيس بلدية كرن ومقلي ودراداوا، وأثناء وجوده في اسمرا ذهب إليه الأستاذ سيد عيسى في الفندق وقال له غداً سوف أذهب للالتحاق بالجبهة والأستاذ عمر موسى حاج غضب غضباً شديداً لهذا القرار وقال له ما هذا الكلام الذي تقوله يا أستاذ عيسى، يبدو أن عقلك غير طبيعي.. هل تذكر عندما تقدمت للكلية ماذا قال عنك الأستاذ (مستر موريس القبطي) أتدري أنه اعترض علي قبولك في الكلية لصغر سنك ولكن تزكيتي لك مع نتيجة اختبارك بالتفوق شفعاء لك وكنت من أفضل الطلاب ثم ما لبث أن أثنى عليك الأستاذ مورس وقال هذا الطفل سوف يكون له شأن عظيم في المستقبل ويعني التدريس.

وفعلاً صدق حدس الأستاذ (مورس) حيث أثبت الأستاذ سيد عيسى جدارته في التعليم واصبح في زمن وجيز مدرساً ثم ناظراً ثم موجه فني ثم مسؤول الساحل وكرن، ثم رشحه المدير العام الأخ عمر موسى حاج ليكون نائبه في الشؤون الادارية، فقال له أنت بقرارك هذا تحسد نفسك وسوف تندم أن لم تتراجع ثم عرض عليه منصب مغري لعل وعسى يتراجع، وذكّره بأخيه سليمان موسى حاج فقال له ماذا كسبنا من وراءه وأنت الأن على نفس الطريق تريد أن تسير وبذلك أنت تظلم نفسك وتظلمنا معك، وتعلم يقيناً أن الجبهة شيوعية المذهب وماذا تريد أن تستفيد منهم أنت رجل مسلم ومن أسرة مسلمة، ولكن رغم النصائح لم يثني ذلك الأستاذ سيد عيسى للعدول عن قراره بل ضرب عرض الحائط بكل النصائح ونفذ قراره وما ذلك إلا أنه يريد ليخدم وطنه.

كما أنه قبل مغادرته أخبر الأستاذ محمد علي باناي وله عليه فضل كبير حيث خدمه في أمور كثيرة وهو كان عضو بالبرلمان وله أملاك كثيرة ويعتبر من رجال الأعمال وقد اندهش هو أيضاً من هذا القرار وقدم له النصيحة تلو الأخرى وقال له مثلك لا يذهب للجبهة والذي يتخذ مثل هذا القرار هو من يُتابع أو يخاف من الحكومة الاثيوبية، وأنت ليس عليك أي ملاحظات فلماذا تغامر، وأن الحكومة كل يوم تطورك ومهتمة بك وأنت رجل مستقيم وأمامك فرص لتصل إلى أعلى المناصب.

وكان مدير التعليم في ذلك الوقت من الأمهرا واسمه (زوديي) وهو رجل فاضل وكثيراً ما كان يستدعي الأستاذ سيد عيسى للتفاهم معه ودائماً يحاوره ويناقشه في مواضيع كثيرة ومنها الثورة والتحرر والوضع الملتهب في كرن ومندفرا واغردات ودقي محرى، وكان يؤمل أن يتقدم الأستاذ سيد عيسى في مناصب قيادية في التعليم وما كان يدري أنه اتخذ قراره في غرارة نفسه بالمغادرة ولم يكن ليصرح بوجهته و (زوديي) كان يريده أن يشغل منصب نائب مدير التعليم العام في ارتريا، وفي الحقيقة كان هذا المنصب مغري جداً وله امتيازات كثيرة خدمية وراتب عالي وحوافز مالية، ولكن كل هذه المغريات لم تثني رجل الوطن الأول هذه الإغراءات، فطلب إجازة لمدة أسبوعين من رصيد إجازاته السنوية فذهب إلى كرن وترك أولاده في السكن الحكومي، وقبل مغادرته اللقاءات في كرن كانت مستمرة مرة في السينما ومرات في مواقع أخرى وخطة خروجه كان مخطط لها عبر مدينة حقات، والأستاذ عثمان شانينو - رحمه الله - حجز له باسمه مقعد في مقدمة الباص ثم جاءه في جنح الليل الأخ محمد علي إسماعيل - الله يرحمه - واخبره بأن مسؤول كبير في الشعبية وهو أحد طلابه طلب منه ان يبادر الاستاذ سيد عيسي بالخروج فورا والا سوف يرسل إلى (بليقات) فخرج من ليلته في جنح الظلام ووصل حقات ثم اغردات وفي اليوم التالي.قابل مسؤول الجبهة في اغردات فقال له بما أن لديك دبلوم علوم سياسية سوف نوجهك إلى المكتب السياسي والأستاذ عيسى لم يروق له ذلك لحبه مهنة التعليم والتدريس فأمنيته أن يكون عمله في مكتب التعليم، وكان في ذلك الوقت رئيس مكتب الشؤون الاجتماعية وجهاز التعليم المناضل أبراهيم محمد علي وهو رجل بشوش وهاديء وحكيم بالرغم من شيوعيته الحمراء.

ونظراً لرغبته العمل في جهاز التعليم تم إلحاقه بجهاز التعليم للجبهة في الأراضي المحررة في منطقة كرن والساحل وضواحيها وبفضل الله ثم بجهود هذا الرجل المبارك تم فتح اكثر من ثلاثين مدرسة في تلك المناطق وأين ما حلّ يأتون إليه الشعب ويطلبون منه تأمين احتياجات التعليم من السبورات والطباشير والكتب وغيرها وهم يكملون بقية الاحتياجات مثل رواتب المعلمين وغيرها، وأيضاً وضع حلول لكثير من مشاكل التعليم أثناء اشرافه وتجواله في منطقة كرن والساحل، وهذا كان قبل أن تأتي الجبهة الشعبية للساحل وبعد دخولها استولت على كل ممتلكات جهاز التعليم وغيره.

ثم انتقل الأستاذ عيسى بعد فترة عمل موفقة في الميدان إلى السودان حيث تم تعيينه مسؤول لمدارس الجبهة في السودان بما فيها إدارة مدرسة اليونسكو وبعض المدارس في معسكرات اللاجئين إلى تاريخ الحدث الكبير انشقاق الجبهة ودخولها إلى الأراضي السودانية.
ونظراً للتطورات الخطيرة التي صاحبت دخول الجبهة للسودان تم استدعاء الكوادر والمسؤولين والقيادات إلى منطقة (حوار الدومة بالقرب من حشنيت) وعقد اجتماعاً كبيراً تم فيه اتخاذ قرارات مصيرية حيث تم اعتقال اللجنة التنفيذية بقيادة أحمد ناصر وإبراهيم توتيل وسعيد صالح وإبراهيم محمد علي، وفي نفس اليوم تم قتل (ملاكي) ثم شكلت الجبهة لجنة مكونة من سبعة أشخاص، ومن أعضائها الأستاذ جابر سعد وعمر جابر وسيد عيسى وفاطمة سعد الدين وحسن إيمان، وإبراهيم قدم وفيما بعد ذهب كل من (حسن إيمان، وفاطمة سعد الدين، وإبراهيم قدم) إلى حركة تيار، وتم اختيار جابر سعد مندوباً للجبهة في كسلا وعمر جابر في العلاقات الخارجية، والأستاذ عيسى مسؤول مدارس الجبهة في السودان ثم اختاروه سكرتير لرئيس اللجنة التنفيذية عبدالله ادريس وكعادته رفض الأستاذ سيد عيسى منصب السكرتارية لأنه لا يريد شيء يشغله عن مهنته التي احبها وهي العمل في جهاز التعليم، ولكن الأخوة جابر سعد ومحمود هنقلا أصروا عليه قبول هذا المنصب، وقالوا له ترشيحك لهذا المنصب ما تم إلا لكفاءتك وامكانياتك العلمية والادارية خاصة في هذا الظرف الحساس من تاريخ الجبهة وبالتالي رفضك غير مقبول وعلى مضض قبل المنصب.

والأستاذ سيد عيسى لم يعجبه العمل في ظل الفتن والانشقاقات فنأ بنفسه ورفع يده من العمل في صفوف الجبهة ومن افرازات الانشقاقات ذهب المناضل صالح أيأي ومجموعته إلى قوات التحرير (سبي)، وعبدالله ادريس ومجموعته إلى اللجنة الثورية، وقد حاول عبدالله ادريس مراراً وتكراراً مع الأستاذ سيد عيسى للتراجع عن اعتزاله العمل السياسي والعودة للجبهة وجلس معه مدة طويلة ولكن الأستاذ موقفه كان قاطعاً ولا رجعة فيه بالرغم من الإغراءات والوعود التي قُدمت له، وقال أنا تركت الوظائف المرموقة وذات المردود المالي العالي في اسمرا واديس أبابا وأتيت للميدان لخدمة وطني وشعبي ولكن في ظل الظروف الحالية من الصعوبة العمل في هذا المناخ والسير في النفق المظلم.

ثم عاد الأستاذ سيد عيسى في انتفاضة 13 ابريل لجناح عبدالله ادريس وعمل مديراً لمكتب التنفيذية وكان مديره السابق وهو المناضل (محمد عثمان داير) وقد ذهب إلى أوروبا ولم يعد فأصبح الأستاذ سكرتيراً للرئيس عبدالله ادريس وأضاف إليه مهمة أخرى مدير مكتبه، ولم ينتهى الأمر إلى هذا الحال بل اصبح فيما بعد سكرتير للتنظيمات الثلاث التي توحدت وهي جبهة التحرير الارترية جناح عبدالله ادريس، واللجنة الثورية جناح جيلاني ونائبه آدم صالح (شيدلي) وقوات التحرير الشعبية جناح صالح عثمان سبي.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة...

Top
X

Right Click

No Right Click