سيرة الأستاذ عيس سيد محمد رجل وطن وعلم وتربية - الحلقة الأولى

بقلم الأستاذ: حسين رمضان - كاتب ارتري

الرجال مواقف من خلال ما يبذلون من الدعم المادي والمعنوي والإنساني ثم تنعكس المخرجات

عيس سيد محمد 1فبعثهم الله للأمم لهدايتهم بالعلم إلى الحق المبين قولاً وعملاً وهنالك الكثير من الشواهد على فضائل العلم والتعلم.. لا يسع المجال لذكرها.

على الأفراد أو المجتمع أو الأمة سعادة وأمن وأمان فمن الناس من يتعب نفسه لراحة الآخرين ومنهم من هو كالشمعة يحرق نفسه ليضيء الطريق للسالكين فيصدق فيهم قول الله تعالى (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) فاليوم نحلق من خلال هذه الأسطر في سماء مدينة كرن الأبية لنحط رحالنا في حي من ضواحي المدينة وتحديداً في (عد حشل) وذلك لحدث عظيم شهده هذا الحي من ميلاد طفل استهل فيها صارخاً بقدومه المبارك وسط بهجة وسرور من الأهل والأحباب والجيران والأصدقاء فتعالت الزغاريد وعمت الفرحة واستبشر به والداه وذويه، فمن الناس من يكون قدومه عاجل بشرى للناس لما يتحقق علي يديه من خير كثير من تطلعات وأماني وطموحات المجتمع وأيضا قضاء حاجات الفقراء وينزاح به من الصدور الضيق ويرفع به من الجهل والظلم الشيء الكثير فيكون نوراً يهتدى به وبلسماً يتداوى به، ومعلماً يستضاء بعلمه في دروب المعرفة وقد يكون لمن حوله مستشاراً وأمينا وصادقاً وناصحاً يستأنس برأيه عند الحاجة.. فلا غرو أن ينهل الناس من فيض خيره والتحلي بجمال خلقه وحسن أدبه..

فضيف هذه السطور هو ذلك الرجل القامة الذي أحبه الجميع لتواضعه الجم وتواصله واهتمامه الدائم بأرحامه وأصدقائه بل عامة بني جلدته، الزاهد الورع صاحب المهنة الشريفة عالية القدر المعلم والمربي الأستاذ سيد عيسى سيد محمد، رجل يشع منه نور الإيمان والعلم والإخلاص فتعلم وتخرج على يديه المئات بل الآلاف من الطلاب الذين عاصروا مسيرته التعليمية والإدارية في شتى مدن وقرى البلاد وخارجها.

طفولته:
ولد في عام 1940م وكان والده - رحمه الله - رجل دين، ميسور الحال، يملك كثير من الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية عاش الطفل سيد عيسى سيد طفولته كأي طفل في كنف والديه.. محاطاً برعايتهما وعنايتهما ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يتوفى والده والأستاذ سيد عيسى طفل صغير طري العود فنشأ يتيماً في طفولته المبكرة وتولى رعايته أخيه الأكبر حسن سيد محمد حتى بلغ السن الدراسية.

تعليمه الأكاديمي:
في السادسة من عمره أخذه أخوه حسن إلى المدرسة الابتدائية في كرن لمقابلة لجنة التسجيل وحسب النظام يسجل الطالب بعد سن السابعة من عمره ولذلك لم توافق اللجنة على تسجيله ابتداءً للسبب المذكور أعلاه عليه طلبوا منه أن يأتي به بعد سنة أو سنتين ولكن أخيه حسن لم يقتنع بقرار اللجنة وبعد عدة محاولات معهم أضطر أخيراً أن يذهب للمدرسة مباشرة وقابل مديرها وكان وقتها الأستاذ الفاضل بشير خليفة محمود حمد هداد ركا، وبعد حوار وأخذ وعطاء مع مدير المدرسة واصرار حسن سيد محمد بقوة لقبول أخيه عيسى وهذا لما كان يعلمه من نبوغه فكان يجيد الكتابة والقراءة وله بديهية سريعة في الاستيعاب وجملة هذه الميزات شفعت له أن يقبل ويسجل في المدرسة الابتدائية.

فأكمل تعليمه الابتدائي والمتوسط حتى الفصل السابع ثم ذهب إلى اسمرا للتعليم الثانوي، ومن الأمور العجيبة الطالب سيد عيسى سيد طلاب كرن الذين رافقوه إلى اسمرا لم يدرسوا الفصول من (الثامن وحتى الثاني عشر) الا الفصل الحادى عشر فتجاوزوها وجلسوا لاختبار الكلية مباشرة وكانت النتيجة نجاح مع تفوق ولله الحمد فالتحق بكلية تدريب المعلمين، وأيضاً جلس لاختبار الكلية الصناعية فكانت نتيجته باهرة وموفقة، ولكن خيار الطالب سيد عيسى سيد كان الالتحاق بكلية تدريب المعلمين نظراً لظروفه المادية الصعبة والدراسة في هذه الكلية كانت مدتها سنتين فيستطيع أن يختزل فارق الزمن ليتخرج في أقصر وقت ليتوظف بخلاف الخيار الأخر وهو أربعة سنوات..

وكان هنالك بروفيسور أمريكي اسمه (أُولدرج) يدرس مادة الإحصاء في الكلية وبالإضافة إلى ذلك كان يشغل منصب مستشار اقتصادي للحكومة الارترية وهو الذي انشاء الكلية الصناعية في ذلك الوقت وكان شديد الإعجاب بالطالب سيد عيسى سيد محمد وكان يستشف من خلال متابعته للطالب سيكون له شأن عظيم ومستقبل زاهر في مقبل أيامه لما كان يتمتع به من سرعة البديهة والاستيعاب.. وفي نهاية اول حصة استدعى ذلك البروفيسور الطالب عيسى سيد محمد إلى مكتبه ونصحه أن يلتحق بالكلية الصناعية بدلاً من كلية تدريب المعلمين..

لأن الدراسة في المدارس الصناعية مستقبلها أكثر ضماناً واستمرارية والتوظيف متوفر في كل مكان أما كلية المعلمين ففرص العمل فيها محدود ومحصور فقط في التدريس وإذا تم الاستغناء عن المدرس فيظل عاطلاً، وبالرغم من محاولات البروفيسور المتعددة إلا أن الطالب سيد عيسى اعتذر له من الأخذ بخيار الكلية الصناعية.. ولكن البروفيسور لم ييأس من المحاولات تارة بالترغيب وأخرى بالتحفيز حتى عرض عليه الدعم المادي المباشر ليأخذ بخيار الكلية الصناعية وفى اختبار القبول للكلية الصناعية كان ترتيب الطالب عيسى الثاني وبفارق درجتين عن الأول وهذه النتيجة تعتبر دافع قوي تؤهله للاستمرار وإحراز تفوقاً في دراسته..

ثم اعقب البروفيسور العرض الأول بعرض ثاني أكثر تحفيزاً قد يسيل له لعاب طالب العلم وهو أن الإدارة قررت أن تمنح السبع الأوائل من الطلاب المتفوقين منح دراسية للالتحاق بجامعات عالمية منها أربعة لأمريكا ومنحتان لكلية الطيران ومنحة لجامعة اديس أبابا لدراسة الهندسة المعمارية وأكد له أن يمنحه إحدى منح أمريكا إذا وافق على الالتحاق بالكلية الصناعية ولا شك أن هذا العرض مغري جدا وقد لا يجد الطالب عيسى مناص من قبوله، ولكنه كان يرى ظروفه الأسرية فوق كل اعتبار دراسي مغري مهما كان فلابد من أن ينهي دراسته في أقصر وقت ممكن ليتمكن من العمل ثم يعول أسرته خاصة وأن له أخوين أصغر منه سناً وسوف يلتحقون بالدارسة بعد سنوات قليلة، فواصل دراسته في كلية التربية حتى تخرج منها عام 1956م وعمره في ذلك الوقت كان تقريباً 17 سنة ثم عاد إلى كرن حاملا معه شهادة تخرجه ليبدأ مرحلة جديدة من حياته في سلك التدريس، وما أشرفها من مهنة.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة...

Top
X

Right Click

No Right Click