من نوادر وحكايا بعيدة، وكيده في كتاب البخلاء

بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار

يحكي أن أصحاب جحا وعدوه بجائزة بمبلغ من المال إذا هو بات ليلته كاملة أمام المنزل في صقيع برد الشتاء القارس، فأوفي

بشرطهم وقد قضي ليلته في البرد أمام المنزل يرتعش وقد اصطكت أسنانه وتجمد جسمه، ولكن أصحابه عندما تأكدوا من ذلك قام أحدهم بإشعال نار من مسافة بعيدة رأي ضوئها، فلما أصبح الصباح وجاء إليهم لينال جائزته، قالوا له إنك دفئت نفسك بالنار، فأنكر ذلك، وسألوه ألم تر النار المشتعلة ؟ قال بلي وكانت بعيدة، فقالوا إذن تلك هي التدفئة، وبعد أيام دعاهم للغداء في منزله والقوم فرحين، ولكن طال بهم الانتظار، سألوه أين الغداء ؟ فأجابهم فوق النار ولم يستو بعد، وعندما تضايقوا ذهبوا بأنفسهم لكي يشاهدوا أن قدر الغداء معلق في أعلي سقف المنزل، وقد وضع النار أسفله، فقالوا كيف تستوي اللحمة وقد علقتها في السماء، فأجابهم إذا كان ضوء النار دفئني من البرد من بعيد، كذلك ضوئها تستوي به اللحمة وهي بعيدة عنها، أليس كذلك ؟

فالحكاية يا سادة إذا لم تكن هناك في ارتريا قواعد مصرية، فكيف تدّعون أن هناك قواعد تركية في السودان، (إعلام مخابراتي موجه) إن وجود قوات الدعم السريع في الشرق أساسه كما هو واضح انفلات الوضع في الحدود، بسبب المهربين الدوليين المحترفين الذين أسسوا الشبكات الدولية لتهريب البشر ويتم بيعهم في أسواق النخاسة في ليبيا، وانتشار السلاح غير المرخص وانتشار العربات السريعة رباعية الدفع، وسياسة جمع الأسلحة التي تخوضها السلطات في السودان.

أما مسألة الحرب بين هذه الدول بعيدة لضعف الأطراف، وأن الولايات المتحدة صاحبة النفوذ في البحر الأحمر تعتبر كل اللاعبين في المنطقة بمن فيهم تركيا تحت نفوذها بخلاف الوضع في سوريا والعراق، فقط تكفي إشارة واحدة منها لعدم إشعال فتيل الحرب، بالإضافة إلي هذا وفي تقديري أن كل من أثيوبيا والسودان علي اتفاق لعدم إسقاط نظام أفورقي خارج نظام المؤسسة العسكرية تجنبا لما حدث في الصومال وسوريا والعراق وليبيا، وأن الشحن النفسي الذي أوجده نظام أفورقي بين المكونات الاجتماعية من الصعوبة السيطرة عليه إذا فلتت الأوضاع، فالفراغ عندهم غير مطلوب واستقرار الوضع كما هو قد يكون مطلب الكثير من اللاعبين الدوليين والإقليميين وهو هدفهم الإستراتيجي ويرون أن معانات الشعب الارتري الحالية قد تكون أقل تكلفة من اندلاع حرب مدمرة، وهذا ما يراهن عليه افورقي ونظامه، واحتمال قيام حرب بين السودان وارتريا ضعيف لعدم وجود الأسباب الجوهرية لمثل هذه الحرب.

أما ما يهدد نظام أفورقي سببان:

أحدهما الاحتالسرية، خلي بسبب غياب دولة المؤسسات وانتهاك الحقوق وغياب العدالة وقد تحول النظام بعد كل التجاوزات المطلقة إلي عصابات نهب لجمع الأموال من قوت الشعب وقد أثقل عليه أعباء المعيشة وأفقده الأمان، وجعل من التهريب من دول الجوار أحد موارد ميزانيته الفقيرة التي تعتمد علي الجبايات الباهظة من جيب المواطن الفقير، والتهديد الآخر يأتيه من أثيوبيا وبعيدا عن إدعاء الوطنية وحماية الدولة، فإن النظام هو من وقع مع أثيوبيا عند ما كان متحالفا مع التجراي (الوياني) وعلي عيونه الغشاوة وبإشراف الولايات المتحدة الاتفاقيات السرية التي يهرب من تطبيقها بخصوص استحقاق الاستقلال ووضع ميناء عصب الذي فرط فيه، وعندما وجد نفسه صفرا في المعادلة لعوامل منها انتهاء الحرب، وقد استغنت عن خدماته أمريكا، أصبح اليوم يوزع الشتائم علي الوياني والوياني والوياني وجع فوق وجع، وبكاء فوق بكاء، وندم فوق ندم، وحسرة فوق حسرة وقد خسر شعبه بعد أن أغلق كل طرق العودة للمسار الصحيح، يظرف اليوم دموع الاستعطاف الكاذبة والاستنجاد بموال الوطنية.

والولايات المتحدة الراعية لهما تدخلت لإيقاف حرب بادمي ومنعت سقوطه، ولكنها وقفت مع أثيوبيا في عدم تطبيق قرارات محكمة التحكيم الدولية التي حكمت لصالح ارتريا، ومغزى الرسالة الأمريكية التي يفهمها نظام أفورقي جيدا هي:-

نفذ تعهداتك السرية، فالانتصار علي حسابنا ممنوع، وهو السم الناقع إذا شربه.

أثيوبيا الحانقة تنظر بريب وشك إلي الأساطيل التي تصول وتجول شواطئ وأعماق البحر الأحمر وتستخدم الموانئ الارترية وأن النظام المصري الذي يملك أقوي القوات البحرية ومنها حاملات الطائرات والبوارج يهددها في عمقها وسدودها، فأثيوبيا حسب رؤيتها تعلن حاجتها لميناء بحري تبني فيه قوتها البحرية، وأن استخدام موانئ دويلات الصومال غير المعترف بها وكذلك ميناء جيبوتي هي لأعمالها التجارية وليست لأعمالها العسكرية، ونظام أفورقي يغريها لتغزو ارتريا فهو كمن يضع فريسة في فم وحش كاسر جائع و يعلم أنه سيكلفه ذلك كثيراً، ولكن لا يعتبر أن تغرق سفينة الدولة التي يرأسها بمواطنيها، فعندما تكون الموانئ الارترية غير محايدة وتكون مقرا لقوات أجنبية وقد تكون معادية لأثيوبيا، فإنه يجعل ارتريا فريسة مقدمة لأثيوبيا ويدعم رؤيتها بأمنها المهدد من البحر الأحمر كما تدعي لتكسب عواطف القوي الدولية الفاعلة والمؤثرة والمتعاطفة معها للنيل من ارتريا.

بعد هذه الورطة الكبيرة التي زادت من أزمة النظام وعزلته، والمأزق الذي حشر فيه نفسه ولم تسعفه كل الزيارات للدول التي ظن أنها ستسعفه كمصر التي تعرف حجم النظام وقدراته، وقد أدارت ظهرها عنه، يحاول أن يكسب عواطف المواطنين باسم الوطنية والوطن المهدد من الخارج بغزو دول الجوار، وهو قد خلق ويخلق هذه العداوات ليطلق مثل هذه الفرية ليستمر في تعذيب وإذلال الشعب، وهو يعلم أن المستهدف الأول من قبل الشعب نظامه الطاغي في المرتبة الأولي، وقد بدأت أبواقهم تسرد ايجابيات النظام المحافظ علي كيان الوطن ووحدته وقد مزقوه إلي قبائل وقوميات، ويستهزئون بعقلية الشعب عندما يدعون أن الوطن ينعم بالعدالة والحرية والرخاء، والشعب يموت بالآلاف في أعماق البحار والصحاري وغياهب السجون واللجوء، ويضربون علي وتر الدين لحساسية الوضع في الشرق الأوسط، كهذا الذي وضع فوق رأسه قفطان الدبلوماسي بالوهم الكاذب، اللاجئ مبكرا عبد القادر حمدان الذي يكتسي جلباب الوطنية وينفيها عن الآخرين دون خجل وهو يسبح في نعيم الغرب منذ عقود لاجئا ومشردا بعيدا عن الوطن، فإذا ذهب إلي النظام منافقا وكاذبا ومتوسلا وساجدا فالرافضون المعارضون لم يطأطئوا رؤوسهم للإمبراطور هيلي سلاسي ولا لمنغستو هيلي ماريام أصحاب القوة الأكثر، فما بال من خطف الثورة ووجد نفسه أخيرا في قارعة الطريق يتوسل، فلا تستعجل أيها الحمدان، وهناك شركائه الذين يقومون بحملات التشويه للمعارضة والدفاع عن نظامهم القاتل الذي يهجّر شعبه، حتى من حاول من دول المهرب إعادة الهاربين من جحيمهم إلي وطنهم طلبوا منهم مقابل ذلك بالمليار، مقولتهم في خلاصة عقيدتهم هي أطرد مواطنيك وأطلب بإعادتهم الثمن المعجز، هؤلاء هم أدوات إعلامه الفتاكة عند الحاجة وهم المقتولون أو الهاربون عندما يستغني عنهم ويقولون بعد ذلك المدرخ وما أدراك ما المدرخ ويدخلون في الجيوب الأثيوبية السرية تحت أجنحة الظلام، وهناك آخرون من خارج الدائرة الارترية يشاركون في التعبئة لصالح النظام، كأصحاب الراكوبة وأزلامهم من الارتريين المبطنين الولاء للنظام وينافقون المعارضة، ومنذ متى دافع أصحاب الراكوبة المعشعشة عن الشعب الارتري ؟ وأدانوا نظام الجرائم في ارتريا القريب من نفوسهم وعقولهم ؟ وهذا صاحب آخر الليل الذي يسئ للشعب الارتري وينعته بأشنع الصفات، ويدفع بطريقة منفرة ليجعل الشعب الارتري يلتف حول نظام الظلام، هؤلاء الذين يحاولون تعبئة الشعب لصالح النظام بأسلوبهم السلبي، منهم من يعيش في ظلام آخر الليل وبعيدا عن النور ولا تسعفهم المناظير الكاشفة، ومنهم من يعيش بعقلية منازل الراكوبة المهترئة التي غادرها أصحابها إلي حلوي الولايات المتحدة المفقودة، فيجب عليهم قبل أن يسيئوا للشعب الارتري أن يعرفوا إن الشعب الارتري يدرك ماذا يريد ؟

ما تريده مصر ليس ضرب سد النهضة كما يزعم إعلامها الكاذب ولا إزعاج أثيوبيا في تنميتها، لأن مصر تعرف أن أثيوبيا تمتلك أوراق الأقباط المصريين وتمتلك أوراق مياه النيل وتمتلك أوراق دعم الدول الغربية لها، نظام مصر المهدد من جماعة الإخوان المسلمين المصرية كل ما يهدف إليه هو إسقاط نظام الإخوان الإسلامي الحاكم في السودان الذي أصبح قبلة لكثير من أحزاب الإخوان الطامحة لوصول السلطة، وهذا قد تجاوز تلك المراحل، وأرسي مؤسساته في الحكم، وأرسي تحالفا ته العربية والأفريقية والإسلامية وعجز نظام مصر أن يقطع أوصال هذه العلاقات وأوصال نظام الإنقاذ، لهذا مصر تحاول إسقاط هذا النظام عن طريق الوكلاء وليس عن طريق قواتها المسلحة، وورطت في ذلك نظام أفورقي الذي لا يعرف إلا أن يقتات من فضلات مثل هؤلاء الوكلاء، بينما تري أثيوبيا أن من يهدد سلامة أمنها هو النظام الارتري الذي يجلب أعدائها بأساطيلهم إلي موانئه وهي عاجزة عن امتلاك مثل هذه القوة في موانئها البرية.

Top
X

Right Click

No Right Click