إقليم جنوب البحر: حصار من الجهات الأربعة - الجزء الثاني والأخير

بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

الحصار الرابع: بعد إحكام الحصار من الجهات الثلاثة جاء دور النظام في أسمرا ليفرض حصار أخر على سكان الإقليم وذلك عبر

منع مرور المواد الغذائية بحجة محاربة التهريب حيث يتم تفتيش كل المركبات التي تتحرك من فرو ثم يتم تفتيشها عند دخول مدينة "قلعلو" والخروج منها وهي تتحرك باتجاه "طيعو" حتي تصل الى "عدى"، وعند مدخل عدي يتم تفتيش كافة المركبات تفتيشاً دقيقاً ولو وجد بها كيلو سكر واحد يتم مصادرته، ثم يسمح لها بالانطلاق نحو عصب، وكل من يخالف هذه القرارات يتعرض لعقوبة قاسية قد تصل الى مصادرة المركبة التي تحمل البضاعة وسجن مالكها إذا وجد فيها حمولة يزيد سعرها عن 5 الف نقفة وهذه المعلومة تحصلت عليها من أحد الأصدقاء المتابعين للوضع من داخل مدينة عصب.

هذا النوع من الحصار مفروض على كافة المدن الارترية بحجة محاربة التهريب والغاية هي تجويع السكان لإجبارهم على مغادرة البلد.

أما على ساحل البحر الأحمر فحدث ولا حرج حيث تفرض القوات البحرية الإرترية حصاراً على الصيادين التقليدين وجلهم من أهلنا العفر حيث تتم مصادرة زوارقهم الصغيرة الصالحة للصيد التقليدي وتمنعهم من الوصول الى المناطق التي تتواجد فيها الأسماك بكثرة ولو تجاوزوا الأوامر يتم الحجز على مراكب الصيد ومصادرته في أحيان كثرة، وربما يتذكر البعض بأن الحكومة الارترية صادرة حوالي 800 قارب صيد عام 2000م بعد الهجوم الذى تعرضت له المدمرة الامريكية "كول" بقاربي صيد بميناء عدن أثناء تزودها بالوقود في هجوم نفذه تنظيم القاعدة حينها.

لم ازور الإقليم الا عام 2009م في مهمة عمل تابعة للاتحاد وبسيارة خاصة وحقيقة استمتعت بالمناظر الخلابة التي تزخر بها الشواطئ الارترية والرمال البيضاء والأشجار التي تنمو في وسط البحر وتشكل لوحة رائعة، وخلال تلك الزيارة وخارج مهمة عملي أجريت سلسلة من اللقاءات مع كافة المسؤولين لكي أتعرف على أوجه الحياة وما يتم تنفيذه على الأرض من مشاريع تنموية، حقيقة هنالك مشاريع نفذت على الورق فقط وموجودة في التقارير ولكن لم اجد لها أثر في أرض الواقع وجدت عصب مدينة شبه خالية من السكان والميناء الذي كان عامراً بالناس والبضائع تحول الى أطلال لا حياة فيها والمخازن الكبيرة التي كانت تمتلئ بمختلف أنواع البضائع تحولت الى سكنات للجيش ومخازن السيارات أصبحت صدئة بفعل الرطوبة وجور الزمن.

حملت التقارير الستة ورجعت الي أسمرا بعد قضاء أيام في مدينة عصب حيث كنت أقيم في فندق "راس قمبو" الشهير بالقرب من الاستراحة التي كان ينزل بها الرئيس الاثيوبي منقستو هيلي ماريام، حيث أكدوا لي المرافقين لي من شباب عصب بأن منقستو كان ينزل في هذه الغرفة ويجلس على هذه الاستراحة في فندق "رأس قمبو" عندما يزور عصب وينزل في فندق "رأ س قمبو".

بدأت في تجهيز التقارير ووضعت خطة لنشرها في الصحيفة، وبعد نشر تقريرين فقط فوجئت بأن إقليم جنوب البحر الأحمر عليه حظر من قبل وزير الاعلام السابق على عبده نتيجة لخلاف بين الوزير وحاكم الإقليم حيث كانت تمنع كافة وسائل الاعلام عن نشر أي مادة عن إقليم جنوب البحر الأحمر للخلاف بين الحاكم للإقليم والوزير وتلك سابقة غير معهودة في العمل الإعلامي في الدول.

حاولت إقناع الجهات المسؤولة في الجريدة بأن هذه المواد والتقارير يجب أن تنشر وبعد جدال بدأت التقارير تأخذ حظها من النشر وربما تغاضت عنها الجهات التي تكتب التقارير للوزير لأنها ستنشر فقط في صحيفة إرتريا الحديثة "النسخة العربية" التي يتم طباعة 1000 نسخة منها ولا تجدها في نقاط البيع حتى لو حضرت الساعة 8 صباحاً في شارع كمشتاتو أو مكتب الوزير الذي ربما لا يطلع علي محتوياتها إذا لم تبلغه سندته عنها ناهيك أن تصل الى عصب لسوء التوزيع أو لشيء في نفس يعقوب.

والناس الذين تعودوا على سماع ابواق البواخر هي قادمة أو مغادرة تقطعت بهم السبل، ماذا يفعلون الطريق الوحيد السالك هو طريق أسمرا والرحلة تستغرق يومان يقضون المسافرون ليلتهم في "قلعلو" أو "عدي" حسب سرعة البص، بعد شق الانفس يصلون من عصب الى أسمرا في رحلة علاج أو زيارة أو سفر الى الخارج، حيث تجد أهلنا العفر يتجمعون في "ماركاتو" امام فندق "فرو" بملابس التقليدية رغم قساوة الطقس البارد ألا أنهم يحافظون على ارتداء الزي التقليدي للعفر وخاصة كبار السن والنساء الأمر الذى يميزهم عن غيرهم وتبدو على ملامحهم قسوة الظروف وسوء الأحوال المعيشية.

العفر كما عرفتهم وناضلت معم فهم يتميزون بالشجاعة والثبات على المبدأ وبالكرم الفياض، وبيئتهم شبه المغلقة تجعلهم دوماً يلتصقون بالأخر للتعرف عليه رغم الخجل الذي يظهر في محياهم والصرامة في تقاطيع وجوههم.

التحية لأصدقائي والذين تعرفت عليهم خلال مسيرة العمل في الاتحاد ومازال صوت المناضلة "عبادو" يرن في اذني وهي تصرخ لطرح مشاكل الإقليم والشباب وأيضا أتذكر الأستاذ والرفيق/ إبراهيم دردر الرجل الهادئ والواعي بكل ما يدور حوله من أحداث، جل الذين أعرفهم هم الان خارج ارتريا في إثيوبيا أو جيبوتي أو اليمن أو السعودية.

كتب علينا اللجوء يا رفاقي مرة أخري من حيث لا ندري.

يا أبناء السلاطين وملوك البحر يجب أن لا تسقطوا البندقية من أيديكم إذا كنتم تطمحون في تحقيق النصر واسترجاع الحقوق ولا يضيع حق وراءه مطالب.

Top
X

Right Click

No Right Click