أدركوا التراث الأرتري قبل الاندثار

بقلم المهندس: سليمان فايد دارشح - كاتب وبـاحث ارترى

يعتبر التراث، جزءاً أساسياً، من مكونات وتاريخ وحضارة الشعوب الحية التي تعتز بتراثها،

فهو الوعاء الذي تستمد منه تقاليدها وقيمها الأصيلة، ولغتها وأفكارها، وممارستها وأسلوب حياتها، الذي يعبر عن ثقافتها وهويتها الوطنية، وهو أحد الركائز الأساسية في عملية التنمية والتطوير والبناء، وهو أيضاً المكون الأساسي في صياغة الشخصية وبلورة الهوية الوطنية، هو كذلك ما خلفه الأجداد لكي يكون عبرةً من الماضي ونهجاً يستسقي منه الأبناء الدروس ليعبروا بها من الحاضر إلي المستقبل.

لذلك فإن أي نهضة لا تصل ماضي المجتمع بحاضره، وصولاً إلي مستقبله، تكون محدودة المدي، موقوته التأثير، لأن جذورها لم تضرب في قلوب أفراد المجتمع ووجدانهم.

وفي إرتريا تراث وتاريخ متنوع، متجدد عميقاً في ذاكرة الزمن والحضارة، ويتكون هذا التراث العظيم من مظاهر متعددة، ترتبط بتاريخ الشعب الإرتري، منذ نشأته إلي عصرنا الحالي، وهذه المظاهر بعضها حضاري، ويتمثل في الآثار والنقوش، والمسلاة والشواهد، وشكل وتصميم المباني والمساجد والكنائس القديمة، والبعض الآخر يتمثل في المهارات والصناعات التقليدية، والأعمال والحرف اليدوية، والطب الشعبي، والمهن النقلية التي تتوارثها الأجيال، جيلاً عن جيل، بالأخذ المباشر بالخبرة العينية والسمعية والعملية إلي وقتنا الحاضر.

والمظهر الثالث، هو الذي يتمثل في العقائد، والحكايات المأثورة، والحكم والشعر، والأمثال، والقيم والأخلاق السمحة، والعادات والتقاليد الكريمة، والأعياد وكيفية الاحتفال بها، وشكل طقوس الاحتفال، وطرق الزينة، والملابس وشكلها، وأشكال البيوت التراثية المتنقلة وزينتها، والأدوات، وطريقة تقديم الفنون مثل الموسيقي والرقص والغناء، والألعاب، وأشكال العلاقات الاجتماعية، والأعراف والعهود (القلد)، وطرق التعبير عن الفرح أو الحزن ...الخ.

والمظهر الأخير يتمثل في الأحداث والوقائع والمواقف التاريخية التي شهدتها البلاد علي مر العصور والأزمان، والأبطال الوطنيين الذين خلدوا اسماءهم في صفاحات التاريخ القديم والحديث.

كما أن للتراث الإرتري امتدادات كبيرة، فهو ليس منغلقاً علي شعب إرتريا، بل أنه يمتد ويتفاعل مع تراث كل البشر بمختلف أوطانهم وقبائلهم وشعوبهم وقاراتهم وبعدهم الثقافي، لأن الإنسانية مشتركة كلها في تراثها القديم.

هذه هي بعض المظاهر من التراث الإرتري الذي أخذه الخلف من السلف، وكان الأمل معقود علي أن تقوم حكومة الهقدف التي إستلمت عشية الإستقلال مقاليد الحكم في البلاد، بتدوينه وتوثيقه وحفظه، ولكن للأسف والحسرة، لا يوجد حتى هذا اليوم أي تدوين وتوثيق يذكر، وهذه جريمة من جرائم هذه الطغمة الحاكمة للبلاد، حيث عملت بقصد وبلا هوادة لطمس وتزوير هذا التراث، والوقوف بالضد من تطلعات الشعب الإرتري، بل ذهبت هذه الطغمة المتخلفة إلي أبعد من ذلك بكثير، عندما حاولت تكراراً صياغة وجدان وهوية هذا الشعب العظيم، بما يوافق نهجها المجرد من كل القيم والأخلاق، بصورة يستحيل فيها التعايش السلمي مع مكونات الشعب أو الحفاظ علي تراثه الوطني ومكتسباته الوطنية الأخرى.

وهنا لكي لا يحسب حدثنا ضرباً من العموميات، لأبد أن نوجه حديثنا مباشراً لأبناء هذا البلد الذين تتقطع قلوبهم لحالها المزري، نقول لهم: إلتفوا إلي هذا الخطر، والتنبه منه، وأولوا تراثكم الوطني جل اهتمامكم وكبير عنايتكم، للم اشتاته وحفظه، حتى لا يندثر، بإندثاره يكون - لا سمح الله - لشعبكم قد فقد كل معتقداته ومقومات الحياة الراهنة، وكل الأسس الثابتة التي ستبني عليها الحياة المستقبلية.

نقول هذا القول، لأن هذا التراث الذي تسعي حكومة الهقدف - الحزب الحاكم - إلي طمسه وتدميره هو أكثر من التراث، لأنه فيه تزدهر الشخصية الإرترية، وتنمو ملكاتها، بحيث تحقق ذاتها في كل مجالات الخلق والإبداع.

إذنً نحن محتاجون للبحث عن سبل لمواجهة هذا النظام الذي يرمي إلي هدم الشخصية والهوية الوطنية، وتحطيم التراث الوطني، ولعل أجدي المواجهة، هي النزول إلي ساحة العمل للشروع فوراً في تدوين وتسجيل وتوثيق كل التراث، من كل حفظته، من معمرين وغيرهم، المتواجدين داخل البلاد وخارجها، قبل أن يذهب هؤلاء، وبنهايتهم تضيع الفرصة، ويركب الجميع ندم يأكل الأفئدة!!.

نقول: بصوت عالي لأبناء هذا البلد الشرفاء الحادبين علي تراثهم وتاريخهم العريق أبدوا الخطوة الجادة بتكوين اللجان المتطوعة - تحت إشراف التنظيمات الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، والكتاب والباحثين من ذوي الاختصاص - لتقوم بأعباء التدوين والتسجيل، وحددوا مراكز ليتم فيها الحصر والفحص، وإرسال المحصول الذي يتم فحصه، فحصاً دقيقاً، إلي أماكن الحفظ المركزية التي تحددها الجهة المشرفة، ومن بعدها القيام بطباعة النتائج ونشرها، وتوزيعها ليطلع عليها المواطنين بالدرجة الأولي، وذلك لربطهم عقلياً ونفسياً ووجدانياً ببلدهم، ليحبوها ولينتموا إليها أكثر، ويتفانوا في العمل لإصلاح شأنها أكبر، ويتشرب تراثهم الوطني ليلتحم بهم التحام الجلد باللحم، حتى تمتلئ نفوسهم بأمجاد الماضي وروحه البطولية وقيمه الحية، وليس هذا فحسب، بل بالإضافة إلي ذلك، أحياء ونجاح هذا المشروع الحضاري، يدرك به الشعب الإرتري تراثه قبل الاندثار.. فهل من مستجيب ؟.

Top
X

Right Click

No Right Click