في ذكري (56) لاندلاع ثورة سبتمبر... أرتـريا إلي أين؟

بقلم المهندس الأستاذ: سليمان دار شح

في صبيحة الفاتح من سبتمبر عام 1961م دوّي صوت الرصاص في سماء أرتريا، مخترقا الوهن

والضعف والسكون، إيذاناً بفتح أبواب جهنم علي الاستعمار الأثيوبي الغاشم الذي عاش فسـاداً وإفسـاداً، وجثم علي نفوس الإرتريين ردحاً من الزمن عانوا فيه فنون من التعذيب والتشريد والظلم.

وفي الذكري (56) لاندلاع هذه الثورة المجيدة تعود الكثير من الأشجان والذكريات التي تعبر بصدق عن عظمة هذه الثورة، التي اعتبرت أطول ثورة مسلحة في القرن العشرين، حيث امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، لم تنجح خلالها كل الخطط الاستعمارية في وقف مدها المتصاعد.

كانت بحق تاريخاً جديداً من تواريخ مقاومة الشعوب ضد جلاديها، جسد فيها شعب أرتريا الأصيل نموذجاً حياً للفداء والتضحية آثار إعجاب العالم كله.

فجر هذه الثورة الظافرة رجال شجعان أوفياء مخلصين علي رأسهم القائد الشهيد/ حامد إدريس عواتي، رجال مؤمنين بالحرية ومتشبعين بالروح الوطنية، كانوا وقوداً للثورة ويدها الضاربة القوية، استطاعوا من أول يوم وبأسلحة قديمة الصنع لا تتعدي عدة بنادق، أن يذيقوا جيش الاحتلال المدجج بأحدث الأسلحة، مرارة الهزيمة ويردوا له الصاع صاعين حتي أن الإمبراطور الأثيوبي (هيلي سلاسي) في بداية الأمر نعتهم بالخارجين عن القانون (الشفتا) وتوهم أن ما يجري من فرقعات هنا وهناك، هي مجرد احداث معزولة ستخمد نارها بعد أيام معدودة، ولكن بعد توالي الأيام خاب ظنّه، فمنذ تلك اللحظة التاريخية التي أطلق فيها ثوار أرتريا الرصاص في جبال أدال، زادت رقعة المعارك وأشتد لهيبها، ولأيام صارت شهوراً ثم سنوات حافلة بالملاحم والمعارك الكبيرة التي صنعها أبطال أرتريا من الرجال والنساء، حتي نالوا حريتهم واستقلالهم الوطني واستعادوا موقعهم الطبيعي في التاريخ وبين الشعوب في العالم.

ومن المؤسف هذا الشعب العظيم الذي فجر هذه الثورة العملاقة والتي بقيت حاضرة في ذاكرة أحرار العالم تعيش بلاده منذ فجر الاستقلال إلي يومنا هذا أزمة وطنية مزمنة!!.

وتتجلي هذه الأزمة المزمنة في عدم التصدي فجر يوم الاستقلال للمهام والوظائف التأسيسية للدولة الإرترية المستقلة حديثاً، ونتيجة لتعنت النظام الحاكم للبلاد ظلت هذه الأزمة مؤجلة ومتراكمة، ثم تفاقمت وتعقدت، لذلك نستطيع أن نقول: كانت منذ البداية انطلاقة الدولة الإرترية انطلاقة عرجاء أو عوجاء، فلا يستقيم الظل والعود أعوج، وهذا جعل أرتريا تبدو وكأنها تعيش فترة انتقالية منذ الاستقلال (1993م) وحتي يومنا هذا (2017م).

وبتعبير أدق نستطيع وصف دولة أرتريا اليوم بدولة اللا دولة، دولة تعاني من انعدام القانون والنظام والحريات ومن استدامة انتهاكات حقوق الإنسان، ومن الحضور القوي لاحتمال فشل مشروع الدولة الإرترية، لا قدر الله!!.

وفي رأينا هذه الحرائق المستحكمة الاشتعال التي تحيط بأرتريا اليوم والتي تمس كينونتها بالدرجة الأولي، تحتاج إلي إرادة أرترية حرة جديدة صادقة تدرك،

أولاً: أن ميكانيزمات المرحلة السابقة، قد تأكلت تماماً وتبحر نبض الحياة فيها، وليس أمام الشعب الأرتري في الداخل والخارج سوي التصدي الجاد والفعلي بالانتفاضة الشعبية أو الجسم العسكري لتحقيق حلم كسر الحلقة أو الدائرة الشريرة التي لم تركز إلا علي مسألة بقاءها في سدة الحكم والتمسك به منذ الاستقلال حتي يومنا هذا.

وثانيا: بعد الانتهاء من كسر الحلقة أو الدائرة الشريرة، إقامة دولة المواطنة والقانون والحريات والمؤسسات الحقيقية.

أملنا كبير بمناسبة الذكري (56) للثورة الأرترية المجيدة بأن يشمر الأرتريين أصحاب المروءة والحادبين علي مصلحة الوطن عن سواعد الجدّ من أي وقت مضي لتحقيق تطلعات شعبهم في الوصول إلي بناء الحياة الحرة الكريمة.

Top
X

Right Click

No Right Click