سقوط الاصنام

بقلم الأستاذ: خيري ناصر حقوص

قضية المصور السوري احمد ابو سعدة وطبيعة علاقته بالثورة الاريترية هي في تقديري جزء من ظاهرة يتطلب تفسيرها ادراك ما كان يحدث في الساحة السياسية الاريترية ابان فترة الكفاح المسلح من قضايا الاختراق الداخلي والاتجاه نحو العمالة و الارتهان للقوي الخارجية الذي نحته بعض العناصر الفاسدة والمحسوبة علي الثورة الاريترية، قبل توزيع لقب صديق الثورة لكل من رفع يديه تحية للشعب الاريتري.

والشاهد ان السيد احمد ابو سعدة قدم نفسه للثورة الاريترية كمندوب مبيعات لمنتج أسمه حزب البعث العربي الاشتراكي صنعته الاستخبارات السورية مغلف بورقة مصور صحفي مفعم بالثورية متعاطف مع القضية الاريترية.

وكان ان عرض بضاعته في بادئ الامر علي المرحوم عثمان سبي في محاولة لاقناعه بها وتبنيها وهو ما رفضه الاخير مفضلا الابقاء علي صداقته والاستفادة منه اعلاميا لحاجة الثورة الي ذلك آنذاك. فحمل السيد ابو سعدة بضاعته وتوجه بها الي بعض قيادات جبهة التحريرالاريترية التي سرعان ما سال لعابها امام مغريات العرض ولم تتردد في قبوله ليتمتعوا هم وابنائهم وعشيرتهم بإمتيازات الوكالة لهذا المنتج الأيديولوجي الجديد الا وهو حزب البعث العربي الاشتراكي... والغريب هنا انه حتي حينما اختلف شركاء المصنع وانشق البعث الي اثنين انشق معهما وكلائهما الاريتريين ليصبح لدينا وكيلان احدهما للبعث السوري مثله (عثمان عجيب) في اللجنة الثورية والاخر للبعث العراقي مثله (جعفر اسد) ينافسون ابو سعدة نفسه في ولائهم للبعثية التي كلف للتبشير بها.

ومنذ ذاك التاريخ اصبحت الساحة السياسية الاريترية سوقا مفتوحا للمضاربات سواء الإيديولوجية منها او السياسية وبدأت لغة المال والمصالح الضيقة تسيطر علي عقول تلك القيادات الفاسدة... ولان الغلبة في مثل هذه الاوضاع لمن يدفع اكثر وجد الكفيل السعودي عبدالله باهبري فرصته للدخول بقوة والاستفراد بالتنظيم الموحد و قيادته بلا استثناء حيث كانوا له صاغرين. وتبعهم الاخوة المصريين الذين لم يكتفوا بمراقبة السوق من علي البعد فافتتحوا مركزا لهم في مستشفي قوات التحرير الشعبية في مدينة (كسلا) وارسلوا مخبرييهم علي هيئة اطباء... ودخلت ليبيا القذافي الساحة مترددة غير مقتنعة.

ولعبت السودان عن طريق كل من عثمان السيد (شطة) رئيس جهاز الأمن الخارجي في عهد النميري والفاتح عروة دور السمسار بامتياز والذي لم يقتصر علي استخلاص ضريبة ما كان يباع ويشتري داخل الساحة فحسب بل تعدي ذلك الي استغلال جشع بعضا من تلك القيادات الارتزاقية الفاسدة وتسخيرها في خدمة مصالحهم و اهدافهم الخاصة حتي ولو تعارضت مع المبادئ التي كانوا يتشدقون بها ظاهرا، كما هو الحال في قضية ترحيل الفلاشا، والتسهيلات التي قدمتها هذه العناصر في تامين رحلتهم الي السودان وصولا الي المعسكر الذي يقع في منطقة (ودشريفي) نظير حفنة من الدولارات في صورة هي من ابشع صور الارتهان والخيانة للمبادئ الثورية، وما يعد جريمة في حق شعب صديق يناضل مثلنا من اجل استرداد حقوقه وكرامته وهو الشعب الفلسطيني.

وفي خضم هذا البحر الهائج من الفهلوة و التهريج السياسي وتصدر الانتهازيين للعمل الثوري كان طبيعيا أن يتسع البون بين المناضلين الشرفاء المؤمنين بقضية شعبهم والدفاع عنها، والثورجيين الذين اختصروا مفهوم النضال الوطني في البحث عن مصالحهم العشائرية و العمل علي تامين حياة افضل لابنائهم واسرهم في القاهرة و بغداد ودمشق، علي حساب دماء شهدائنا الابرار وشعبنا المهجر في معسكرات اللجؤ.

وقد كان هذا البون او الفارق اكثر وضوحا في المؤتمرات التي كانت تعقد في الميدان وتعج بقيادات هم اقرب الي رجال الأعمال بكروشهم المتدلية التي تقارب الارض ولغتهم الجافة ذات النبرة المتعالية التي تحاكي كفلاء الخليج و يخال اليك انهم لم ينبتوا من طين هذه الارض الطاهرة.. بينما مناضلينا الخلص الأشاوس سيماهم في وجوههم من اثر التحدي وقوة الحق ونزاهة الضمير الوطني، كانوا لا يبالون كثيرا بالحياة الدنيا ومتاعها رغم فقرهم، فذاك ليس من شيم المؤمنين اصحاب المبادئ، فحق لهم ان يكونوا تاج علي رؤوسنا جميعا نفخر بهم علي مر الزمان في الوقت الذي تتساقط فيه اوراق الوطنية المصطنة واحدة تلو الاخري عن وجوه الثورجيين الخونة الذين افسدوا علينا الحياة واطالوا امد معاناتنا..

الحقيقة ان علاقة المصور ورجل المخابرات السوري احمد ابو سعدة وتجربته بالثورة الاريترية لم تكن تتجاوز دائرة الثورجيين من قيادات جبهة التحرير وقد كان يعلم بفسادها وعمالتها ويمكننا استشفاف ذلك من ابو سعدة نفسه في حواره مع صحيفة عدوليس و حديثه عن زيارته لمعسكر قوات التحرير الشعبية واستقباله للمناضل محمد علي عمرو ورفاقه...

(وجدت قوة منظمة حديثة منضبطة.. ونقلت انطباعي لسبي وقلت له هؤلاء مختلفون عنا وعنك... وكان ينتابني احساس ان هؤلاء الشباب سيكون لهم شأن لانني رايت كل شئ مختلف عن تجربتنا كجبهة... وبقدر ما كنت مسرورا بمشاهداتي تلك لكن وبحق كنت مشفقا علي تجربتنا في الجبهة... وخائفا لانني وانا اتابع هؤلاء كنت دوما مستصحبا للتجربة التي اعيشها في الجبهة). اي تجربة الفساد و خشيته من ان تنزلق القوة الجديدة الواعدة الي ذاك الدرك..

ختاما علي السيد احمد ابو سعدة رقم تقديرنا لاسهاماته تحري الدقة فيما يقول وان يدرك ان خطيئة الاتهام بغير دليل عمل لا يتناسب واصحاب المبادئ الثورية..

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click