فى صمت رحل المناضل سليمان آدم سليمان

بقلم الأستاذ: خالد ابراهيم

ماتزال تداعيات رحيل المناضل سليمان آدم سليمان "المفاجئ" تلقي بظلالها على المشهدين السياسي والاجتماعي

في أوساط التجمعات الإرترية في بلاد المهجر.

حالة الحزن العميق التي انتابت كل من عرف الفقيد، بما فيهم أولئك الذين أختلفوا معه في الرأي، وكذلك مجالس التأبين على رُوحه، تعكس بصدق مآثر و صفات طيبة، تميز بها الراحل عن سائر أقرانه في العمل العام.

تسنى لي، يوم أمس الأول، أن أستمع لبعض رفاقه في اُمسية مؤثرة اختلطت فيها الدموع بالذكريات، بل كاد بعضهم أن يجهش بالبكاء، كيف لا ؟ وقد عرفوا الفقيد في معترك نضالي صعّب، كان "رحمه الله" يتسم بالحكمة و الشجاعة في إبدأ الرأي، مدافعاً عن قناعاته مع إيمانه بأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

إن كان المناضل سليمان قد بدأ حياته مقاوماً للمستعمر داخل إرتريا قبل إلتحاقه بالثورة ليتبوأ فِيهَا مناصب سياسية، أبلا فيها بلاءً حسناً، إلا أنه لا يساورني أدنى شك، قد أنتهى به الحال ليكون "مصلح إجتماعي" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني. مستصحباً معه كل تجاربه و علاقاته الواسعة، التي إكتسبها، إبان فترة الكفاح المسلح ليكرسها في خدمة بني جلدته أينما كانوا و دون تمييز. خاصة خلال السنوات الأخيرة التي أقام فيها بمصر. حيث التفت حوله أجيال مختلفة، من أبناء الوطن، من المقيمين في القاهرة و القادمين إليها. يأنس له الجميع، يسألونه النصح و المشورة، فقد كان حليماً، كريماً، سديد الرأي طيب المعشر.

كثيرة هي مواقف العم سليمان النبيلة معي و مع أبناء جيلي من طلبة العلم في مصر و غيرها من البلاد العربية التي خدم فيها الرجل كممثل لجبهة التحرير الإرترية. قد لا يتسع المجال هنا لذكرها، إلا انه قد أسدى لي معروفاً قبل وفاته بأيام قليلة، ليضاعف من الم رحيله في نَفْسِي.

زُرت مصر في يناير الماضي في إجازة قصيرة لحضور مناسبة عائلية. حيث يقيم الأهل و الأحباب. مرت الأيام متسارعة ولم أتمكن من لقاء "طيب الذكر" و الاطمئنان عليه كما تعودت ان أفعل كلما حطت بي الرحال في قاهرة المعز.

جاء موعد سفري، في فجر اليوم التّالي. فإذا بثلة من الأصدقاء تُلِّح علي ان أسهر معهم في رحاب الحُسَيْن. قضيت وقتاً طيباً بين أناس طيبين ثم ما لبثت ان ودعتهم مستقلاً سيارة أجرة، فموعد إقلاع الطائرة على بعد سويعات. ظل هاجس عدم روية ابو محمد يلاحقني طوال اليوم. وصلت الي الدار قبل منتصف الليل، وجدت نَفَر كريم من الجيران و الأصدقاء في انتظاري و ما ان لمحت عمي سليمان بينهم حتى شعرت بحرج شديد وأنا الذي كنت قد عزمت السفر دون ان القاه. اندفعت نحوه مقبلاً راْسه و مبدياً اعتذاري عن سوء تصرفي هذا، فإذا به يهدئ من روعي ﻗائلاً: علمت بأنك مشغول بالتزامات أسرية وكان لابد لي من رؤيتك و توديعك.

الموت حق وتأنيب الضمير كان سيلاحقني إن كنت قد عدت أدراجي دون ان اراك.

العين تدمع و القلب يحزن و لا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنَّا على فراقك يا أبا محمد لمحزونون.

كيف لمحبيك ان يشدوا الرحال لأرض الكنانة بعد اليوم؟ فمصرٌ لم تعٌد مصراَ بعد هذا الرحيل المؤلم.

Top
X

Right Click

No Right Click