حوار التاريخ والحاضر: مع روعة بنت القائد الشهيد محمود حسب محمد

حاورها الأستاذ: عبدالرازق كرار عثمان - كاتب وناشط سياسي ارترى

تتحدث عن مضامين سبتمبر في الذكرى السابعة والأربعين لإنطلاقة الكفاح المسلح

والذكرى الثامنة عشر لإستشهاد والدها.

تقديم: إذا كان الفاتح من سبتمبر يعني لدى كافة قطاعات الشعب الإرتري بداية الكفاح المسلح بكل المضامين التي تحمله هذه الخطوة، فإنه لدى روعة محمود حسب يعني أكثر من ذلك، لأن في الثالث من ذات الشهر إغتالت الأيدي الأثمة والدها الشهيد حسب، ورغم أن الصغيرة روعة لم تتجاوز العامين حينها لكنها تتلبس بعض من روح والدها إعتزازاً وشموخاً وكبرياء.

الفاتح من سبتمبر لديها يحمل مضامين مختلطة بين الإعتزاز بالذكرى، ومرارة إغتيال الوالد، ومأساة وأد مضامين سبتمبر الذي أقدمت عليه الجبهة الشعبية فأذاقت شعبنا الهوان والذل، وكأنه لم يخض ثورة كانت مضرب المثل في العالم تضحية وإقدام وفداء.

كل هذه الأحاسيس يصعب أن تحتمله روعة الصغيرة العمر، المنفية عن وطنها، والمتشبثة ببعض منه، ومن هنا جاءت محاولاتها للتعبير عن كل ذلك في هذا الحوار الذي يعتبر قيمة في حد ذاته:ـ

ماذا يمثل لك يوم الفاتح من سبتمبر ؟

يوم عظيم تختلط فيه المشاعر، فهو يوم إنطلاقة الكفاح المسلح بقيادة البطل الشهيد حامد إدريس عواتي لثورة هي من أعظم الثورات التي وقفت ضد إرادة دولة عظمي في أفريقيا (إثيوبيا) تدعمها إرادة دولية تراعي مصالحها وتعتقد إن حرية إرتريا تتعارض مع تلك المصالح. غير أن هذا اليوم وفي ذكراه الثامن والعشرين إغتالت الإيادي الغادرة الوالد الشهيد محمود حسب ومن هنا فإن ذكرى سبتمبر عندي تختلف عن سبتمبر الأخرين من حيث المضامين والذكريات.

كونك إبنة شهيد ورغم ذلك انت تعيشين منفية عن وطنك ما هو الإحساس الذي يساورك ؟

إحساس عميق بالظلم الفادح، فالأيادي التي إغتالت والدي هى ذات الأيادي التي حرمتنى وحرمت الكثيرين من الشرفاء من العودة الى الوطن، والوطن عندي ليس الأرض والحجر والبحر، ولكن الوطن هو إحساس الإنسان به، وحريته في ارضه وبالتالي فإن حرية إرتريا لم تكتمل بعد فالشعب الإرتري بعد كل هذه التضحيات لايزال يعيش حياة لا علاقة لها بمفاهيم الحرية.

لكن في ذات الوقت أنا شاكرة لهذا الوطن الذي اعيش فيه (أستراليا) فهو بلد يعلمك كيف تحترم نفسك وتحترم الآخرين، كيف تعبر عن رأيك وتحترم حرية الآخرين، وجودي هنا علمني أني لا أستطيع أن ابادل حريتي أو أساوم بها ولن اقبل لنفسي أو للشعب الإرتري بحرية مجزوءة أو منتقصة ومن هنا فإن النضال من اجل تلك الحرية والقيم التي ناضل من اجلها الوالد الشهيد تزداد أهميتها في نظري يوماً بعد آخر.

رغم إنك كنت صغيرة في السن لكن نريد أن نتعرف على محمود حسب الوالد والإنسان في منزله واسرته ؟

صحيح أن كنت صغيرة في السن ولكن تظل بعض الصور عالقة في ذهني ومن خلال حديث الوالدة، عرفت أنه كان محباً وشفوقاً، على عكس شخصيته القوية في الخارج كان غاية في اللطف مع أسرته دون ان يتناقض ذلك مع حبه للنظام والانضباط، فقد عرف بصرامته ضد كل ما هو فوضوي، ومن هنا فإنه رغم أنه نذر حياته للنضال، ولكن الأيام التي تواجد فيها في البيت على قلتها، تجعلك تفخر بصدق بانه والدك وأنك تنتمي الى هذا الرجل، حدثتني الوالدة عن ذكريات كثيرة، ومواقف عديدة كلها تعبر عن الشخصية المثال التي يتمناه كل إبن عن والده، ومن هنا فإنني فخورة بأنني إبنته، وأتمني أن أحمل هذا الأسم بما يستحق فليس من السهل ان تكون إبنة محمود حسب فالآخرون ينتظرون منك الكثير.

المعارضة الآن تحمل لواء المبادئ التي ناضل من اجلها الشهيد حسب في تقديرك ما هي القيم التي تحتاجها لتحقق تلك المبادئ ؟

صحيح المعارضة على إختلاف أطيافها تناضل من أجل واقع أفضل في إرتريا، ولكن ما تحتاجه في تقديري هو الإيمان بالقيم الديمقراطية وتحقيقها داخل المعارضة لأن فاقد الشئ لا يعطيه، ايضاً الإلتصاق اكثر بالجماهير، فلا تزال علاقة المعارضة بالجماهير أدني بكثير من المستوى المطلوب، ويجب أن تعلم كيف تدير الجماهير وكيف تخاطبها وهذا واحد من المفاتيح المهمة جداً في حسم المعركة مع النظام، لأن الجماهير هي الكرت الرابح، وعلى المعارضة أن تتلمس مطالب الجماهير وتلبي إحتياجاتها، ليس المادية فحسب ولكن المعنوية في المقام الأول، إذ يعتبر العمل الموحد باى صيغة كانت، واحد من مطالب الجماهير الملحة ولاتزال المعارضة دون هذا المطلب، أيضاً العمل الجاد والمستمر وفتح آفاق جديدة ووسائل غير تقليدية في النضال مثل المظاهرات والمذكرات والتقارير التي تتسم بالمصداقية والإستفادة القصوى من تكنلوجيا الإتصالات وثورة المعلومات، والإستفادة من قدرات الشباب ومن خلالهم تستطيع ان تبتدع الكثير من الوسائل النضالية الغير تقليدية، هذه بعض الملاحظات التي تمكن المعارضة من تحقيق غايات الشعب الإرتري وطموحاته في الحرية والسلام والديمقراطية والرفاهية وهى ذات المضامين التي ناضل وإستشهد من اجلها الوالد وقبله وبعده الاف الشهداء الأبطال من الشعب الإرتري، ولأنهم أستشهدوا يلزمنا ذلك ان نكون وفيين لمبادئهم وغاياتهم التي إستشهدوا من اجلها.

كيف تنظرين الى جيلكم من الشباب وعلاقته بالوطن والقضية الإرترية ؟

الشباب الذين هم في سني وخاصة الموجودين في المهجر، ضعف إرتباطهم كثيراً بالوطن وهم مشغولون بقضاياهم المحدودة، خاصة وأنهم إتيحت لهم فرص كبيرة للحصول على حياة خاصة سهلة وميسورة، وبالتالي تجدهم منغلقين على أنفسهم ولا يعرفون الكثير عن قضيتهم، ولا تاريخهم وتاريخ أبائهم، ولماذا ناضلوا وإستشهد بعضهم وهاجر الآخر، هم محتاجون الى جرس إنذار ينبههم عن غفلتهم.

من يتحمل مسئولية إنذارهم ؟

ليس هنالك جهة محددة، ولكن مثلاً الأسرة في البداية معنية بتثقيف الأبن عن تاريخه وشعبه ومجتمعه، ومن ثم بعد ذلك على الشاب أن يكمل المشوار من خلال متابعة الأحداث الجارية في بلده، وعليه أن يسأل نفسه سؤالاً محورياً ما الذي دفع به الى المهجر وهو لا ينتمي اصلاً الى هذا البلد، سيجد الإجابة أن هنالك مشكلة في بلده كانت عبارة عن إستعمار أجنبي في البداية، ثم تحولت الى نظام من اسوأ الديكتاتوريات على مستوى العالم، وليس صعباً أن يكتشف ذلك الخيط، وإذا إستطاع الإجابة على ذلك السؤال سيجد نفسه مرتبطاً بوطنه وشعبه وقضيته، الطرف الآخر هو المعارضة عليها أن تستخدم اللغة التي يفهمها هذا الجيل وتخاطبهم بلسانهم ولغتهم، وتستخدم من الوسائل ما يتناسب ومداركهم المعرفية، وإذا إستطاعت أن تدرك إحتياجاتهم النفسية ورغباتهم فإن ذلك يعتبر المدخل المناسب لرجوع هذا الجيل الى قضيته وشعبه، ولكن الحقيقة حتى الآن أن واقع الشباب محزن جداً.

ماذا عن دور الشباب في استراليا من خلال الجالية ومنظمات المجتمع المدني المتواجده هناك ؟

الكثيرون يشاركون في المناشط السنوية، ولكن تظل غياب المبادرة من جانبهم هي العائق الأكبر، ورغم ان مشاركاتهم مطلوبة وإيجابية لكن الآهم هو أن يبادروا هم بأنفسهم ولا ينتظروا الآخرين، بل أكثر من ذلك هم يحضرون المناسبات لكن دون ان يعرفوا مضامين هذه الإحتفالات والمهرجانات ودوافعها، ولا توجد رغبة كبيرة من جانبهم ايضاً للبحث والمعرفة عن تاريخهم وقضيتهم، هؤلاء الشباب إتيحت لهم فرص كبيرة في التعليم والتأهيل حيث يعتبر التعليم إجباري في استراليا، لكن دورهم محدود جداً للأسباب التي ذكرتها، وقد لا حظت في استراليا أن الشعب الأسترالي يعرف عن إثيوبيا والصومال اكثر من ارتريا على كثرة الإرتريين المتواجدين وهي قضية تسبب الإمتعاض عندما يسألك أحدهم من اين أنت فتجيب إنك من إرتريا فيقول لك وأين تقع إرتريا، والسبب في تقديرى أن الإرتريين الموجودين في استراليا غير منفتحين على المجتمع الأسترالي عكس الصوماليين والإثيوبين، وهذه كلها قضايا تحتاج الى وقفة جادة من الإرتريين عموماً والشباب على وجه الخصوص.

ما هي رسالتك الى أبناء جيلك خاصة في استراليا ؟

رسالتي هى ان المسئولية الملقاة على عاتقكم كبيرة جداً ومن هنا فإن الإرتباط بالوطن والقضية يعتبر أمر في غاية الأهمية فليس هنالك أمة بغير تاريخ، أيضاً المساهمة في تخفيف الأعباء عن شعبنا خاصة في معسكرات اللاجئين من خلال المساهمات المادية والمعنوية، والأهم من ذلك هو الترابط فيما بيننا من خلال إقامات شبكات (network) والتكنلوجيا سهلت الكثير في هذا المجال.

ما هي رسالتك الى الشعب الإرتري في ذكرى سبتمبر ؟

رسالتي هي ان القيم والمبادئ التي ناضل من اجلها البطل الشهيد حامد عواتي والرعيل الأول ومن بعده الشهداء والجرحي لا تزال غير متحققة، ولا يزال شعبنا يرزح تحت الدكتاتورية فالمطلوب الوفاء لهؤلاء الشهداء ومواصلة النضال دون هوادة حتى زوال نظام الطاغية اسياس افورقي، وإنتهز هذه السانحة لأعاهد والدي البطل الشهيد محمود حسب إننا على ذات المبادئ التي ناضل من أجلها واستشهد في سبيلها مهما كلفنا ذلك من مشاق.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click