حوار مع الروائي والشاعر والإعلاميْ الأستاذ/ أحمد عمر شيخ

حاوره الصحفي:نورالدين خليفة  المصدر: مجلة الشباب - يصدرها مكتب الإعلام والثقافة بالإتحاد الوطني لطلبة وشباب إرتربا

لايوجد ماهو أبلغ من وصف مدى إلمام الشاعر والروائي/ أحمد عمر شيخ بالأدب الإرتري

مما قاله عنه الأستاذ/ الأمين شوكاي: الشاعر أحمد عمر شيخ هو أول مَنْ كتب الرواية باللغة العربية في إرتريا بعد إستقلالها، وذلك بعد المناضل الإرتري الكبير الراحل/ محمد سعيد ناود / صالح - "رحلة الشتاء" وتمَّ ذلك في العام 1997 عبر روايته الأولى "نورايْ" والتي أعادتْ طبعها عاصمة العواصم العربية "القاهرة" من خلال "الهيئة المصرية العامة للكتابْ 2003م" ورواية "الأشرعة" التي كتب عنها كبار الكتَّاب العرب وعلى رأسهم الروائي المصري الكبير/ يوسف القعيد ومهرها الراحل الأستاذ/ محمد سعيد ناود أيضاً بمقال تشجيعي حينها، ورواية "أحزان المطر" التي قال عنها الكاتب الإرتري/ محمود أبو بكر بأنَّ الشاعر العربي الكبير/ محمود درويش أعجب بها واكتشف شاعرية صاحبها، حيث كان حاضراً دائماً في صدارة المشهد الأدبي ومنذ سنوات طويلة بلا منازع في مجالي الشعر والرواية، كما أنه الوحيد حتى الآن ممن تناولتْ كتاباته الشعرية والروائية أقلام عربية مهمة مثل "فاروق شوشه" و"طالب الرفاعي" و "رمضان سليم" وغيرهم.

ولم يقتصر إبداع احمد عمر شيخ على الرواية فقط بل هو شاعر متفرّد نشر العديد من القصائد الشعريَّة على اليوتيوب بصوته الشجي المميز وهي "معلقة الأحباشّْ و البيرقو إيتاليا وغيرها من القصائد الأخرى"، وألَّف مجموعة من القصائد الغنائية تغنّى بها نخبة من الفنانيين الإرتريين والسُّودانيين وعلى رأسهم الفنان السوداني الكبير/ محمد وردي.

كما أن له فيلم بلغة "التغرينّية" تحت عنوان "حبٌ لايموتْ".

وكان لـ" مجلة الشبابْ" شرف لقاء شاعر وروائي اللغة العربية الأول والأهم في إرتريا الأستاذ/ أحمد عمر شيخ لإجراء حوار معه لتناول تجربته في الرواية والقصيدة والشعر الغنائي، فإلى مفاصل الحوار.

الروائي والشاعر الأستاذ/ أحمد عمر شيخ ؟! بداية حدثنا عن تورطك الأول في الكتابة: متى وكيف كان عناقك للأدب قراءةً وإبداعاً ؟

في البدء، أشكر مجلة "الشبابْ" على هذه الإستضافة، التورط في الكتابة ؟!! وفي الحقيقة وفقتم في العبارة بقولكم "تورط"، لأنه لا فكاك بعد كلّ هذه العقود من الممارسة الإبداعيَّة، فالبداية كانت مع الخط العربي والرسم التشكيلي في مدرسة "جدة" الثانوية، أذكر أنني كنت دائماً ضمن إطار الأنشطة الطلابية، حيث أنني كنت أشارك في "معارض الموهوبين التشكيليَّة"، وقطعت وقتها شوطاً كبيراً في هذا المجال وبالذات في "فنّ رسم الوجوه / البورتريهات"، فكانت هذه هي البداية، بعد ذلك بدأت الرسمَ بالكلماتِ عبر أول بيت شعري لم أزل أذكره إلى الآن. وكان هذا البيت قد علق في ذهني، فكانت تلك أول مرَّة أجرِّبُ فيها التعامل مع اللغة وهي:-

نظرتُ فلم أرَ، غير إنسان مادرى !! فتأملتُ الكونُ وقلتُ: سبحانَ خالق الورى.

ولذا أذكر هذا البيت في بداياتيْ وإطلالاتِ الشباب الأولى، ومن هنا إنطلقت التجربة وبدأت بكتابة "القصة القصيرة" في مجالِ السَّردِ الأدبيْ، ثم إنطلقت إلى كتابة القصيدة وكنت أركِّزُ كثيراً على "القصيدة العمودية"، لأن البداية يجب أن تكون من أساسياتِ البنية الشّعرية التقليديَّة وأظنُّ أنني كنت متأثراً جداً بالتيار الرومانسيْ حينها.

تراثْ:

جميل. أنت من ضمن الروائيين اللذين تفاعلوا مع التراث بإيجابية عالية، وحاوروه بأشكال إبداعية لاقت إعجاب القراء، فهل لا بد من العودة للتراث، من أجل خلق عوالم روائية مدهشة ؟

هذه المقولة صحيحة إلى حدٍّ كبير. أعتقد حتى أنه عندما قال "عبدالقاهر الجرجانيْ" قبل ألف عام: بأن "المعنى ملقى على قارعة الطريق.. ولكن الشكل هو المهم كانَ مُحقاً ويقصد "شكل الكتابة"، أن تتميز وتكون مختلفاً !! فيجب أن يكون شكل الكتابة ينبع من ذاتك، وإذا نبعت من ذاتك، بالضرورة هي ستكون نابعة أيضاً من هويتك، فأعتقد أن هذه المعضلة تواجه كثير من الذين كتبوا باللغة العربية في إرتريا، أما باللغات الأخرى فليس هناك أي مشكل، وعندما جئتُ في سنٍّ مبكرة، أي في مرحلة شبابي الأولى إلى إرتريا، كانت ذلك تحدي ورهان أساسي بالنسبة لي كمشروع إبداعي ليس في "الرواية" فقط وإنما أيضاً في "القصيدة" وفي كل مناحي العمل الإبداعي. فهو بالتالي محاولة تلمُّس "الخصوصية الإرترية" بكل مجموعاتها العرقية التسع، وأعتقد أن موضوع "الهوية" والذي كان طرحته للنقاشْ في الندوة التي عقدتها في قاعة إتحاد الشباب (جونيور كلوبْ) بـ"أسمرا" في العاشر من مايو المنصرم (2018) بعنوان "الشعر مرآة الهوية"، حيث كان "موضوع الهوية" هو محور النقاش الذي دار في تلك الندوة التيْ كانتْ بـ"لغة التجرينية".

لغالبية الحضور، لذا فإنني أعتقد بأن التعامل مع مفردات التراث مهمٌُ جداً، وهو ما هو سقط فيه كثير من الذين يحاولون الكتابة الآن في الخارج، ولذلك لم يستطيعوا أن يستمروا أو يقدموا مشروعا إبداعيا متكاملا، رغم أنه في بعض الأحيان (ولابد من الإشارة لذلكْ)، هناك بعض "الجوائز الإقليمية" التي تحاول أن تمرر أجنداتٍ محددة، وتحاول تلميع بعض الأسماء، وهيَ لا علاقة لها بالوجدان الشعبي الإرتري بسببِ عدم معايشتها للواقع من الداخل، وهذه الأسماء في غالبها بدأت تتبخر الآنْ (وأحدها يتهمْ بالسرقة الأدبيَّة)، لأنني أعتقد أن ركيزة الكتابة الأساسية هي التعامل مع التراث والخصوصيَّة والمعايشة الحقيقيَّة.

شهاداتْ:

دراسات أكاديمية عديدة تناولت مدوناتك الإبداعية في أكثر من قطر عربي، هلا ذكرتنا ببعضها، وخاصة آخرها رواية "الهشّْ" ؟

ربما أبدأ من آخرها وهي رواية "الهشّْ"، والحمدلله هذه الرواية صدرت في عام 2015م ولاقت صدى كبيرا، كما أنها أيضاً صادفت مشاكل في التوزيع والنشر، وقد كنت أقوم بطبع أعمالي قبل ذلك في مؤسسات كبيرة مثل "الهيئة المصريَّة العامة للكتابْ" و"دار الفكر" وغيرها، وخضتُ تجربة طباعة" الهشّْ" من منطلقِ سعيي لدعم تجارب النشر الإرترية، وأخطأتُ في الوجهة ولكن الهدف كانَ دعم هذه "الدار" الوليدة حينها، وأعتقد من تقييمي لها بأنَّ هذه التجربة كانت سيئة على مستوى "المصداقيَّة" و "التوزيع"، رغم ذلك أنا أعتقد أن الناس خلال السنوات الثلاث الماضية احتفتْ ومنذ صدور الرواية بها في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، و تمَّ تناولها في الكثير من المواقع الإرترية و غير الإرترية، وقد كُتبَ عنها الكثيرمن داخل أرض الوطن وخارجه، وأنويْ طبعها من جديد لتوفيرها بشكل أفضل، وبحكم أنها لاقتْ صدى كبيراً في الشارع الإرتري داخل الوطن وخارجه .

أما تناولْ أقلامْ كبيرة ومنابر كبيرة لأعماليْ الشعريَّة والرُّوائيَّة فهيَ كانتْ الأولى، وربما حتى الآ، حيث تناولتْ أقلام مهمة ولها وزن في المحيط العربيْ لأعماليْ وهو لمْ يسبقْ أنْ حدثَ ذلك لأيِّ كاتب إرتري باللغة العربيَّة حتى الآن بما فتح بعدها آفاقاً كبيرة لمَنْ يحاولون الكتابة الإبداعية في الشعر والرواية والقصة القصيرة من الإرتريين والإرتريَّاتْ .

أصحاب الشأن الأدبي والثقافي لديهم عدة آراء منهم من يعتبر الكتابة عبئاً ثقيلاً عليهم. ومنهم من يراها رسالة إنسانية. والبعض الآخر يراها ويعتبرها هواية. والقصد هنا الكتابة القصصية والروائية ناهيك عن بقية الكتابات. ولأنك كاتب روائي وشاعر، فأي رأي تتبنى؟

الكتابة أخلاقْ:

أعتقد أن الكتابة بحد ذاتها تعتبرُ عبئاً ومسؤوليَّة !! ولذلك أنا بالنسبة لي عندما أكتب رواية أو قصيدة أو "مقالاتٍ سياسية" فهو بالتالي عملٍ يستدعيْ ضميراً حيَّاً. وكما قال الشافعي:

وما من كاتبٍ إلا سيفنى.. ويُبقي الدهرُ ماكتبت يداهُ
فلا تكتب بخطك غير شيءٍ.. يسرُّكَ في القيامة أن تراهُ

وفي النهاية أعلم أن أي حرف يكتب يجب أن ينبع من قناعة وليس لأهداف أو لمصالح شخصية او الإرتزاق. لذلك أنا أتعامل مع الحرف بكل مسؤولية مع الكتابة. فلذلك هي عبئ. وهي عبئ في كونكْ تمثل ضميرك. وعندما تكتب، فأنت بإمكانك أن تؤثر على بعض الشرائح. فإذا كنت تكذب على هذه الشرائح، أو تقدم صورة مغلوطة، فأنت تؤذي هذه الشرائح، وتؤذي وطناً بأكمله. وهذا ما يحصل في بعض الكتابات، فأحياناً، بعض الذين يجتهدون في الإمساك بالقلم، هم يؤذون كثيراً وطنهم. وهذا الوطن قد ذهبت في سبيله أرواح على مدى عقود من الزمن، وفي سبيل أن يتم تثبيت دعائمه، وأن يمضوا إلى الأمام. وأنت عندما تحاول بشكل أو بآخر، وبشكل مباشر أو غير مباشر، أن تشوِّه هذا الوطن، أو تشوِّه ما فيه، أو تختلق وقائع لإثارة الفتنة بين مكوناته العرقية والدينية، فأعتقد أنك تدفع بهذا الوطن إلى الجحيم. لذا، فإن الكتابة تستدعيْ ضميراً، وأعتقد أن من ليس له ضميرلا يجبْ أن يكتب !! وذلك لسببين، السبب الأول هو أنه لا يستطيع أن يضلِّل الجماهير. فالإنسان لديه حسٌّ فطريٌ بقيِّم الخير والجمال. وهذه القيم هي التي تحاول الكتابة أن تكرسها، أما الكذب، فأعتقد أنه لا يمكنكَ أن تبني حتى ذاتك كفرد. وبالتالي لا تستطيع أن تؤثر على الآخرين. وأنا أعتقد أيضاً أن الكتابة مسؤولية أخلاقية كبيرة جداً .ويجب أن تصب كلها في مصلحة الوطنْ وإنسانه، لأنه "وعاءٌ جمعيْ" يتمثلُ معانيْ الوئام والحبّْ، وهذا دور الكتابة، لأنها ضدَّ القبح والكذبْ والتخلفْ.

المشهد الإبداعيْ في إرتريا:

جميل جداً. ماهو تقييمك للمشهد القصصي والروائي الإرتري الحالي من حيث الإبداعية والحركة ؟

عندما أتحدث في هذا الإطار، هناك دائماً خلل يجري عبر الإجتهادات في إجراء حوارات مع بعض الناس !! أعتقد أنه بشكل تلقائي عندما تتم الإجابة عن" المكتوب باللغة العربية" فقط !! فهذا خطأ. فالأدب الروائي أو القصصي أو الشعري في إرتريا هو بكل اللغات.

وهناك لغات أخرى أيضاً يمكن الكتابة بها .وقد تعتبر اللغة العربية هي الأقرب إلى وجداننا، إلا أن هناك أيضاً من الإرتريين من يكتبون بالإنجليزية والفرنسية والإيطالية. فأعتقد أن المشهد العام هو مشهد جيد. وهناك إجتهادات بكل اللغات وهناك محاولات باللغة التجرينية لها حضور جيد. ولغة التقري أيضاً لها حضور. كما أن هنالك إجتهادات من بعض القوميات الأخرى، مثل النارا، وهناك جهود للأستاذ/ داوود أبو شوش، وغيرهم. وفي التقري هناك جهود للأساتذة/ محمد سعيد عثمان، وموسى مندر، ومحمد إدريس، ومحمد دافلة وغيرهم من الأطياف الإبداعية التي تستطيع أن تنتج وتواكب مستوى ماوصل إليه العمل الكتابيْ.

وفي نظري، العمل الإبداعي هو تراكمي. وكما قلت في النقطة الأولى، هي مسألة تتعلق بالإرتباط بالجذور. وهذه الناس تجتهد من واقعها، وتستطيع أن تكتب. وأهم شرط هنا أن تتمثل ذاتك، وتكتب من واقعك ولا تكتب بالمراسلة، أو من منطقة بعيدة، بحيث لا تعرف عن هذا الوطن (سوى سماعاً). فليس كافٍ مجرد أن تكون ولدتُ فيه أو أنتسبت إليه !! ومن المهم بأنّْ تتشربَ معاناة أهله وشعبه وتناضل فيه، وتعيشه بحلوه ومرّه، لذا يجب أن تكون جزءاً أصيلاً من هذه المنظومة الوطنيَّة .

هواجسْ:

هل يعاني الشاعر والروائي/ أحمد عمر شيخ، من قلق معين ويصبح بمواجهة أزمة حقيقية وهاجس متقلب عند الشروع في الكتابة ؟

لا أدري صراحة !! ويمكن أن تستغرب ذلك. إلا أنني أعتقد أنه ليس هناك أي قلق بالنسبة لي !! (ضحك).

هل هذا السؤال جريء بالنسبة لك؟

ليس ذاك ما أعنيه. فأنا كشخص لدي قلق على مدى سنوات طويلة، أي ما يقارب سبعة وعشرين عاماً. فأنت عندما تحب شيئاً فإنك تتمنى له الخير وأن يكون بأفضل حال. وقد تعلمت الكثير من المشروع الإرتري خلال السنوات السبع والعشرين الماضية. تعلمت وكنت جزءاً أصيلاً من وجدان هذا الشعب بشكل عملي .حيث كنت منخرطاً في الجبهات، عند بداية الحرب الحدودية الأخيرة (1998م(، ورأيت الكثير من المناطق النائية الإرترية، حيث أن عملي في "الإعلام "ساعدني كثيراً لأن أتواصل مع شرائح مختلفة من الشعب الإرتري، وأفاد كذلك تجربتي الإبداعية وإنعكس عليها بشكل مباشر.

والقلق هو دوماً رغبتيْ في أن أرى هذا الوطن في أحسن حال. وطناً نتباهى به بين الأمم، ونتباهى به ليس تباهياً مفترضاً، وإنما أن يصل إلى المستوى المطلوب. ونحن الآن ننعم بالعامل الأساسي الأولي وهو السلام. ونحن في منطقة نراها الآن مضطربة من حولنا، مثل "ليبيا" و"اليمن" وغيرها من البلدان الأخرى. إلا أن" إرتريا" مستقرة. فالسلام هو العامل الأساسي الأول للتطور. والآن جاء السلام، وهذه أيضاً بشائر جديدة للتطور. فالآن يتطلب مِنَّا العمل وبذل جهد أكبر أيضاً في كل المجالات. فليست الحالة هي إبداعاً فقط في المناحي الأدبية والفنية. فالإبداع يمكن أن يكونَ أيضاً في الطب، والزراعة، وغيرها من مجالات الحياة. وأعتقد أن الشعب الإرتري قادر على ذلك. حيث كان قادراً على أن يتغلب على مراحل أصعب. فقلقي الآن إنتهى !! أو بدأ ينتهي الآن بعد أن وضعت الحرب أوزارها بشكل رسمي. واستطاعَ البلدان أنّْ يصلا إلى نقطة البداية و الإنطلاق نحو التنمية ومدارج الرقيْ .

خيار:

لو خيروك بين الفن القصصي والروائي وكتابة المقالات !! أو الأعمدة الصحفية، فماذا تختار؟ والسبب في ذلك ؟


أنا لا أعتقد أن هناك خيارات. لكنني شرعت في كتابة القصة، وقد كتبت مجموعة من القصص وبعد ذلك إنتقلت إلى الرواية وقطعت شوطاً طويلاً في هذا المضمار. إلى أن حتمت على الظروف في الفترة الأخيرة/ أي في السنتين الأخيرتينْ: من العام الماضي أنّْ ألجَ الكتابة السياسية وكانت تلك ضرورة. وكما قلت آنفاً، أن العامل المشترك في كل ذلك هي "إرتريا" ومحاولة الإسهام ولو بنقطة حبر و جهد. فالقلم هو إحد الآليات. فبالتاليْ لا يوجد إختيار. ولكل مرحلة لبوسها. كما أن لكل مرحلة متطلباتها. لذا فإنني كتبت "المقال السياسيْ" عندما رأيتُ بعض المرتزقة يحاول أن يشوه بعض الوقائع في إرتريا، ويحاول أن يؤجج نار الفتنة، فالـ "فتنة نائمة، لعن الله من أيقظها"، وقد كتبت هذه العبارة في مقدمة رواياتي الأخيرة "الهشّْ"، ربما كنبوءة سابقة في سنة 2015م. فالفتنة ديناً وخلقاً وسياسة ووطنية غير مقبولة. ومحاولة الإثارة وزرع الضغائن بين مكونات الشعب مرفوضة . كما أن صمود هذا الشعب وقوته، يستدعي أن نساهم معه في كشف "أراجيف" هؤلاء المرتزقة، وقد هُزمَ هؤلاء هزيمة نكراء الآن، بأنّْ وضعت الحرب أوزارها، وكانوا من قبل لا يريدوننا أن نصل لمثل هذه الخلاصة. إلا أن الخلاصة وصلت بحكم قوة الشعب الإرتري وقدرته على تجاوز هذه المسائل الصغيرة وغيرها، مثل السعيْ لمحاولة التأجيج بين مكونات الشعب. وربما ذكرتُ ذلك بالتفصيل في مقابلة مصورة على "اليوتيوبْ" في الـ "Embassy Media" في الـ 19 مِنْ مايو 2018م. وفي "الندوة" التي عقدتها في إتحاد الشبابْ في الـ 10 من مايو 2018، حيث قمت بذكر هذه النقطة تحديداً.

تصنيفْ:

نسمع أن هناك معارضين من الأدباء يقفون إلى جانب عدم تصنيف القصة القصيرة أو الرواية ضمن فنون الأدب، ما تعليقك على ذلك ؟

لا تعليق !! فالقصة هي أدب ومن يعترضْ فعليه أن يثبت مقولته .

الكتابة:

ما هي المشاهد الأكثر سحرية التي تلتقطها وتحرك مشاعرك للكتابة، هل هو الهروب من الواقع، أو الزمانية أم المكانية لتشيد عليها مخيلتك وأيهما يكون أقرب إلى الجمال الخيالي ؟

هو المشهد المكاني بالنسبة لي. فالمكان وتجلياته يسحرني، وأيضاً إقتحام الواقع وليس الهروب من الواقع. فإقتحام الواقع هو المشاركة فيه لأنني أعتقد حتى من تجربتي الحياتية الخاصة، تؤهلني على الأقل لأن أقتحم هذا الواقع بحكم أنني عشت تجارب مريرة في فترات ما. وأستطيع أن أقول بأنني خرجت منها منتصراً. منتصراً لنفسي، وأكثر قوة. فأعتقد أن إقتحام الواقع هو الأساس. أما الهروب من الواقع، فإنني لا أعتقد بأنه يجدي الكاتب !! لأنه بذلك سيجعله يكتب أضغاث أحلام، وأما إقتحام الواقع، فيمكنك من خلاله أن تجسد الواقع، كما أن الناس يحتاجون إلى تجارب يستطيعون من خلالها إستلهام الواقع الحقيقي والأمل الصادق، ويستطيعون عبرها تطوير ذاتهم ومجتمعهم ووطنهم. لذا فإن إقتحام الواقع هو العامل الأهم في كل ما أمارسه من كتابة، كما أنني أعتقد بأن أي أدب حقيقي يتحتم عليه أن يقتحم واقعه ويعيش تفاصيله وتجربته ويكتب عنها أيضاً، لأنني كما قلت في البداية، سأعود إلى "الصدق الفنيْ" وأقول بأن الأشكال الأدبية مهمة جداً، ويجب أن يتم تقديم كل ذلك في قالب فني متطور ومتمكن. إلا أن الصدق الفني مهم بدرجة كبيرة. فالصدق الفني يستدعي المعايشة.

عنوانْ:

ما هي أهم العوامل التي تؤثر بك في كيفية إختيار عناوين رواياتك لتلفت نظر المتلقي ؟

أعتقد بأن هذه المسألة هي قبل أن أكتب العمل الروائي، أو أدخل في عوالم تشكل لي هاجساً. لأنني أرى أن العنوان هو نصف العمل، ولأنه يشكل مدخلاً للرواية، لكن حقيقةً، لا أفكر في ذلك عندما أكتب !! وعندما أكتب الرواية يتأتى لي العنوان بشكل تلقائي. حتى لا أدرك إن سألتني في القصيدة، أو حتى في روايتي "الهشّْ"، لماذا إستعملت مسمى "الهشّْ"، إلا أنه بعد فترة ما، مثلي أو مثل أي قارئ، أحاول الإجتهاد في البحث عن تفسيري لتسمية عنوان عملي الروائي أو الشعريْ .

معوقاتْ:

لخص لنا أهم التحديات والمعوقات التي تواجه كتاب القصة الشباب في إرتريا ؟

أنا أرى بأن الوقت الراهن أفضل من ذي قبل، مقارنة بالفترات الأولى التي عشتها. حيث أننا نرى الآن الكثير من الإجتهادات في كتابة القصة، سواء بلغة "التغرينية" أو "التغريْ". وفي الجانب العربي، هناك في الحقيقة قلة دائماً، وتلك هيَ المعضلة الحقيقية. وقلة هم الذين يمارسون الكتابة بالعربية بشكل جيد. فمن هؤلاء الكتاب من يعيش في الداخل ولكنه لا يستطيع أن يكتب بشكل جيد، وإما أن يكون بعضهم في الخارج ولديه بدايات جيدة، إلا أنه لا يعايش الواقع. وهذه التناقضات تبعد الكاتب عن العمل الكتابي المهم والمؤثر والمعبر صدقاً عن واقعه . ففي فترة التسعينيات، كان هناك ظهور لكتاب قصة جيدين، إلا أنهم لم يستمروا لعامين أو ثلاثة أو أربعة أعوام، وخرجوا بعد ذلك من إرتريا بسبب اندلاع حرب السيادة في 1998م، وبالتالي بعدوا عن المشهد الثقافي الإرتري الداخلي، وعن الوجدان الإرتريْ تماماً .

غناءْ:

حدثنا عن تجربتك في النص الغنائي المكتوب بالعربية وتجربتك في إرتريا ؟


أبدأ بالفنان الكبير الراحل/ محمد ورديْ، حيث كتبت له أغنية "ملامح إرترية" عام 1997م، وقام بأدائها في "أستاد أسمرا" حينها، وهي أول تجربة لي في النصِّ الغنائي، مما شجعتني أن أمضي قدماً، فأنّْ يغني لك كبار القامة مثل المغني الكبير الراحل/ محمد ورديْ هو امرٌ كبير، وهو ليس على مستوى "إرتريا" و "السودان" فقط، بل أيضاً على مستوى "قارة إفريقيا "كلها، فكانتْ تلك التجربة دفعة كبيرة لي، بحكم أنني كنت في تلك الفترة في بداياتِ مشواري الأدبي. وقد ذكر المغني الإرتري المخضرم الراحل/ الأمين عبداللطيفْ تلك الأغنية في مناسبات مختلفة (وقد دونها الصديق / محمود عبدالله أبوكفاح) في كتاب عن سيرة الرَّاحل الكبير صدر هذه الأيام عن) دار النسيم) في (القاهرة)، وقد قمت بعد ذاك بتجارب مختلفة، حيث كتبت أغنية "نغنيهو" التي قام بأدائها الفنانين: محمد عثمان وفاطمة إبراهيم في عيد إستقلال إرتريا عام 2014م، وأيضاً كتبت أغنية "إرتري - سوداني" في عام 2015م أداء كل من الفنانين: الهادي ود الجبل مع محمد عثمان، حيث كانت تجربة غنائية موفقة لتوثيق عرى العلاقات بين الشعبين الإرتري والسوداني، وأغنية "أنا أحلمْ" للفنان الشاب "صمئيلْ عندو"،. والعديد من المحاولات والتجارب، وأقوم الآن بإعداد أغنية عن "نقفة" حيث سيقوم بتلحينها الفنان الكبير/ محمد عثمان الذيْ هو سكرتير إتحاد الموسيقيين الإرتريين، وهناك أعمال فنية أقوم بها لفنانين سودانيين وإرتريين ربما ترى النور مستقبلاً. وبالتالي فالنصُّ الغنائي المكتوب بالعربية في إرتريا هو في طور التجريب والتحديث وهناك محاولات لتحسينه وتجويده.

أمنياتْ:

ما هي الأمنيات التي لم تحققها بعد في مجال السَّرد والقصيدة ؟

لا أدري تحديداً !! ولكن لكل مشروع شكله المنفصل. وربما أنا أمارسُ هذه الفنون بشكل متوازي، إلا أنه لدي فهم بأنَّ كل فنّ على حدا. حتى القصيدة في الفترات الأخيرة وفي السنوات الخمسة عشر أو العشرين الأخيرة، القصيدة أصبحت "مركبة ومتعددة الأصواتْ" لديّْ، فأقل قصيدة تتكون من عشر وحتى خمس وعشرين (ورقة). وحتى "معلقة الأحباش" قمت بتدوينها في خمس وعشرين) ورقة). وهنا أستخدم أصوات عديدة. كـ الدراما، والشعر العامودي، بالإضافة إلى محاولة مزاوجة الموروث الإرتري مع الموروث العربي، وهيَ إجتهادات لخلق بنية قصيدة مختلفة. والقصيدة الغنائية كما ذكرت، لها خطة محددة. ولا زلنا في بداية المشوار في هذا المجال. وهنا، أنا أحاول أن أجسِّد القصيدة الإرترية بما تحمله من موروث. وأنا قرأت قصائد إرترية لشعراء كانوا قبليْ . وكل ما كان يكتب، لا يمكنك أن تجد فيه أي شيء عن إرتريا. ولا يمنحك طعمَ الخصوصية الإرتريَّة ، وتظن أن مدونه من جنسية أخرى غير إرتريا. وهذا على مستوى المحتوى، وليس على مستوى التقنية.

فإين عامل الخصوصية هنا؟! وبالتالي لا ترى أية خصوصية تتعلق بإرتريا. وأنا لا أدعيْ ذلكْ ولكني أعتقد أنني وجدتُ الأرضية بكراً، منذ سبعة وعشرين عاماً، فلم أجد نصَّاً سابقاً أستطيع أن أستشهد به أو ارتكز عليه من النصوص المكتوبة باللغة العربية. لكنني كنت أحاول طوال هذه السنوات أن أتمثل الملامح الإرترية في القصيدة والرواية بقدر المستطاع، وأعتقد إلى حد ما أنني نجحت في ذلك. فعندما يتحدث رئيس إتحاد كتاب ليبيا الأستاذ/ رمضان سليم عن رواية "نوراي" بقوله "إنني أشتم رائحة المكان من هذه الرواية" فهو يعني بذلك إرتريا بكل تفاصيلها. كما أن الأستاذ/ يوسف القعيد أيضاً ذكر في مقاله بجريدة "الحياة " عن رواية "الأشرعة" متناولاً فيها الخصوصية الإرترية بمختلف ملامحها. وأتمنى أن يتم مواصلة إستكمال هذا البناء عبر مختلف الأجيال القادمة من أجل أن تكون إرتريا حاضرة في كل ما نفعل ونقوم به من قصيدة أو شعر أو رواية، وفي كل مجالات الفنون الأخرى. وهذا هو الأدبُ الذي يستحقُ أنّْ يمثلَ شعبنا.

أخيراً:

كان بودنا أن يستمر معك هذا الحوار ولكن لضيق الوقت ربما نكمله في وقت آخر. هل من كلمة أخيرة تود ذكرها وخاصة للكتَّاب الشباب، سواءً كانوا شعراء أم روائيين ؟

قبل كل شيء أود أن أشكر "مجلة الشباب" على هذا الحوار غير التقليدي، وهو لقاء مكنني أن أتناول فيه زوايا عديدة مهمة .وأنا أعتقد أن الأفق حالياً مفتوح ومتاح للشباب، حيث أتت أجواء السلام والحمدلله، ونحن متجهون صوب بناء دولة دعائمها قوية ومتجهون نحو التنمية بالتأكيد. وأعتقد أن هذه المجالات تستطيع أن تستفيد من الفرص المتاحة في هذه المرحلة القادمة، سواء عبر توفر وسائط التواصل الإجتماعي، وتقوية هذا الجانب في إرتريا بالإضافة إلى دعم حركة النشر وتطويرها. لذا فإن الدعم الحكومي ودوره في تشجيع الأدب مهم وضروري في المرحلة الراهنة، بعد أن تخلصت الدولة من أعباء "حالة اللا حرب واللا سلم"، وأتى السلام في النهاية. فيجب أن ندعم هؤلاء الشباب، ويجب عليهم هُمْ أن يطوروا أدواتهم. واليوم أصبح العالم قرية واحدة. وهذا يستدعي العمل الجاد والمنافسة القوية، بحيث يجب أن تكون حاضراً. والشيء المهم في كل ذلك، أن تتمثل واقعك بشكل عميق. فالكتابة عُمْق وليست سطحية. والنقد أيضاً مهم وضروري بحد ذاته. إلا أنه يجب أن يكون عن دراية وعلم، ويجب أن نسعى للبناء وليس للهدم. فأنت عندما تنتقد، فلا أعتقد أن الهدف من وراء ذلك هو الهدم، بل البناء .

لذا توجب علينا أن نتحلى بروح الإخلاص وحب الوطن، وأن نحاول أن نتعرف على وقائعنا بشكل كبير وحثيث. كما أن تراثنا الإرتري ثري ولم يتم الإستفادة منه أوتوظيفه كما ينبغي. فالأديب سواءً كان كاتب القصة أو الشاعر أو الروائي يجب أن يغوص في واقعه وأن يتمثل ملامحه، ويعبر عن طموحات شعبه بشكل سليم وواقعي.

الأديب الروائي والشاعر والإعلامي الأستاذ/ أحمد عمر شيخ، نشكرك جزيل الشكر على هذه السانحة، وإثرائك لمجلة "الشبابْ" بهذه المعلومات القيمة. ونتمنى لك المزيد من التقدم والنجاح في إنتاجك الأدبي والشعري والفني والعام. على أمل أن نلتقيك مرة ثانية، في مضامين أخرى.

ألتقي بكم في فرص أوسع شكراً .

Top
X

Right Click

No Right Click