الشيخ حامد دلشاي: حزب العمل قتل جبهة التحرير الارترية، وبعض السلفيين قتل وحدة المسلمين في حركة الجهاد - الحلقة الخامسة والأخيرة

حاوره الإعلامي الأستاذ: باسم القروي المصدر: وكالة زاجل الارترية - زينا

هذه أهم إنجازات الحركة الإسلامية الأرترية بعد تجاوز عقبة المنشقين.

حكمة قيادة الحركة حمت المجاهدين من الاقتتال الذي كان يسوق إليه تصرفات المنشقين.

الإسلاميون يطرحون خيار التعايش السلمي بين المواطنين فهل الآخرون كذلك؟

ما أسباب الخلافات بين قيادات الثورة الأرترية؟

تعود الخلافات بين قيادات الثورة الأرترية للأسباب الآتية:-

النظرة القاصرة وغياب الفهم السياسي الناضج في وسط القيادات.

عدم مراعاة المصلحة الوطنية العليا.

التهافت والتداعي نحو الايدلوجيا والأفكار الخارجية مثل حزب العمل بقيادة إبراهيم توتيل وإبراهيم محمد علي و الزين يس وصالح إياي وزرئ ماريام ...إلخ.

ارتباط البعض منهم بقوى خارجية مثل القيادات التي كانت تتواصل مع الروس وكوبا والمعسكر الشرقي وهم حزب العمل نفسه وقد ساءت مآلاته بما كسبت يداه فهو بين سجين وطريد ومطاوع ذليل للنظام القائم مآلات لا نتمناها لأنفسنا ولا لهم.

ما أسباب خلافات الإسلاميين الأرتريين في رأيك؟

ومثل ذلك أسباب خلافات الإسلاميين ينطبق فيهم ما جرى على الثورة الأرترية بالإضافة إلى قلة تجربة بعضهم في العمل التنظيمي الجماعي حتى كان بينهم من يقول بأن العمل الجماعي بدعة لم يفعلها سلف الأمة هذا وفي تقديري لم َتْخْلُ الساحة الأرترية من التأثيرات القبلية والإقليمية فقد رأينا من ينادي بالكبساوية والمرتفعات والقومية وأخيرا المنخفضات وكل ذلك يساعد على تنامي الخلافات بين المواطنين وتبعد الشقة بينهم إسلاميين كانوا أم علمانيين إلى جانب العوامل الخارجية القاهرة التي تعصف بهم جميعاً .

ما أهم شخصيات وطنية لها دور ريادي نبيل في الساحة؟

أهم شخصيات وطنية تاريخية كان لها صدى ودور كبير في الساحة من بعد المناضل الشهيد حامد إدريس عواتي خلال فترة النضال هو الزعيم عثمان صالح سبي كشخصية بارزة معروفة عند المحيط العربي والإسلامي.

أما أهم شخصيات إسلامية كان لها الدور المهم والبارز والصدى الايجابي في حسم خلافات الاسلامين من أي تصاعد سلبي يؤدي الى حرب أهلية هو الشيخ عرفة رحمه الله ومسؤول المكتب السياسي الاستاذ حامد صالح تركي رحمه الله وبقية اعضاء المكتب التنفيذي بالرغم من الاستفزازات المنكرة والتهديدات المباشرة وغير المباشرة من المنشقين الا أن موقف القيادة تجاه الأزمة المشؤمة كان حكيمًا موفقاً وكان موقفاً تاريخياً حاز ونال تقدير كل من كان يهتم بأمر المسلمين في ارتريا.

في رأيك هل حققت الحركة نقاط نجاح بعد أن انشق عنها بعض السلفيين؟

لا شك أن العمل الإسلامي عامة يمر بظروف صعبة من شأنها أن تجعله ضعيفاً ولا شك أن الانشقاق أصاب المسلمين الأرتريين خاصة والأنصار في العالم بصدمة أليمة ومع ذلك نستطيع أن نسجل عددًا من الإنجازات تحققت للحركة بعد الانشقاق الذي بليت به:-

الإخوان المسلمين الأرتريين

1. على مستوى التنظيم يمارس الحزب الإسلامي الأرتري للعدالة والتنمية - وهو الوريث الشرعي لمجاهدات الإخوان المسلمين الأرتريين حسب ما علمت من سيرته وصحبت من مؤسسيه أمثال الشيخ أبي نوال رحمه الله بداية من الحراك الوحدوي المجاهد بشقيه الإخواني والسلفي وما تبع ذلك من سنوات الجهاد وما بعدها - يمارس الشورى (الديمقراطية) في تداول السلطة بين الأجيال فقد انتظمت مؤتمراته حسب نصوص نظامه الداخلي ولهذا تعاقب على قيادة الحزب والحركة منذ وقت مبكر:-

الأستاذ/ علي محمد محمود (أبو محمد)،
الشيخ/ محمد علي عافه،
الشيخ/ محمد عثمان صالح (الملقب بأمير المؤمنين)،
الأستاذ/ ضياء الدين عبدالرحمن،
الشيخ/ محمد إسماعيل عبده (أبو نوال) رحمه الله،
الشيخ/ عرفة أحمد محمد (أبو أحمد) رحمه الله،
الشيخ/ خليل محمد عامر (أبو مصعب) حفظه الله - رئيس مجلس الشورى الحالي،
الشيخ/ صالح محمد عثمان (أبو سمية) حفظه الله - الأمين العام الحالي للحزب الإسلامي الأرتري للعدالة والتنمية.

كما يمارس الحزب الشورى عبر المؤتمرات الفئوية في اتحاداته من المرأة والشباب والطلاب والعمال فكم من القيادات الطلابية الشبابية تعاقبت على مسؤولية الاتحادات الفئوية تاتي وتذهب عبر الشورى والمؤتمرات الدورية فالحركة ليست معصومة لكنها بمثل هذه الشورى الممارسة عبر المؤتمرات والآليات الإدارية المتبعة المشروعة والنظم والمواثيق والعهود المرعية الموفى بها والتربية الدائمة تعالج خلافاتها وتوحد رؤاها وتحمي نفسها من التصدع وتستوعب الآراء والاجتهادات المتباينة وتحافظ على مسيرتها مبادئ وعضوية وتنظيما إلى درجة تجد في جسمها مكاناً حتى للأشخاص الذين لهم طموح خاص فلا يضيق التنظيم ذرعا بهم فهم يسدون ثغرة مهمة حيثما يضعهم طموحهم واجتهادهم وإمكانياتهم بعيدًا عن قيد ماعون الجماعة ويبقى الولاء للفكرة والتاريخ والمكاسب الجماعية رابطاً غير قابل للكسر.

2. من باب الشفافية المطلقة في أدائه يسمح الحزب الإسلامي لكل قوى المعارضة الأرترية والضيوف الأصدقاء حضور فعاليات مؤتمراته افتتاحاً وختاماً وهو أدب ترسيه الحركة الإسلامية الأرترية ليشهد عملها كل الناس وهي بذلك تختلف مع التنظيمات المغلقة على نفسها التي تطل على الناس ببيان يحسم كل الأطر التنظيمية ليصبح الشاهد والمشهود.

3. تجاوزت الحركة أزمة الانشقاق الأليم دون أن تسمح لها بالارتكاب مأساة الحروب الأهلية كما كان يحدث لخلافات الثورات الأرترية التي كان يقودها الشيوعيون والعلمانيون والبعثيون وهذا يعتبر أكبر إنجاز للحركة حيث تعافت من احتمالات كارثية كانت تنتظرها بسبب سلوك المنشقين المستفز حيث كانت لهم يد آثمة ممتدة إلى المخالفين بسوء تراوح بين تعذيب وقتل وسجن ومما يدل على ذلك حالة علي موسى وعبد الله سليمان الذين تعرضا لعذاب شديد وسجن أليم على الرغم من أنهما شريكان في الانشقاق وكانت نجاتهما بقدر الله وجريمة قتل القائد المجاهد عمر تيدروس ليست بعيدة عن هذا الملف السيء الذي تحوم حوله الشبه فهو مدعاة للتحري حسب ما يرى كثيرون وأولياء دم القتيل بالإضافة إلى حالات قتل في الميدان استهدفت شخصيات وطنية تم قتلها دون تحري قضائي عادل والقتل من أكثر الجرائم شناعة ولهذا حرمه الإسلام إلا في حالات قليلة وعبر القضاء العادل وإجراءات عادلة لم تتوفر في تلك الظروف التي صاحبت تلك التصرفات.

4. من إنجازات الحركة أنها لا تزال تتكتم على وثائق ملف الانشقاق الذي يحتفظ بكل التفاصيل المؤلمة ويفضح أشخاصا بوثائق خطية وتوقيعات فهي تعتبر قدوة في هذا الصنيع فعلت ذلك من باب تفويت الفرص على الأعداء الذين يرغبون في تشتيت جهد المسلمين وتوسيع رقعة الخلاف فالحركة استطاعت تحديد أولوياتها بعد الانشقاق وأخذت تعمل فيها بهدوء وانسجام دون أن تدخل في مهاترات تضيع

الوقت ولولا الأمانة والسرد التاريخي الشاهد والسياق المقتضي لما بحت بهذه الأحداث الأليمة التي تجاوزناها فهي ظلت طي الكتمان في صدري الذي لم يضق بها ذرعاً.

5. بسبب إدراك الأوضاع الدولية والإقليمية وقراءتها قراءة واعية عاقلة توقت الحركة عدوانًا خارجيًا كان وشيكا لو استمرت على مواجهة النظام الأرتري جهادًا مسلحًا دون توفير الخلفية الداعمة من أهل المدينة أو الخلفية العادلة الحامية من نجاشي الحبشة وما كان يقوم به المنشقون من إثارات عسكرية لم تفتح مدينة ولا وفرت طاقة من شباب ومن مال ولهذا تخلي عنها أصحابها لكن بعد سنوات من الضياع ودفع الثمن الباهظ.

6. تطور الفكر الحركي حتى عند المنشقين فنجاح الحزب الإسلامي في سلوكه وفكره ومجهوداته مع الآخرين كانت القدوة الطيبة ولهذا أخذ يقلده كثيرون حتى المنشقون فقد أدركوا أن ما كان حراما عندهم بالأمس كالصور ثابتة ومتحركة أصبح حلالا اليوم والتعاون مع تنظيمات المعارضة ولتنسيق معها كان كفرا واليوم مباحاً والدخول في أحلاف من أجل تحقيق مصالح استراتيجية أصباح مشروعاً حتى السعي المتهور نحو العمل العسكري أدرك المنشقون - بعد فوات الأوان - أنه ذو ثمن باهظ لا يقوون عليه وحدهم ودون اكتمال الشروط اللازمة.

7. خرجت الحركة بعد الانشقاق من كبت الفهم السيء الضيق للنصوص الشرعية وملاحقة الناس بها وتعطيل فكرهم عن فهمها وفق مقتضيات الواقع إلى مساحة الاجتهاد الواسع لظلال نصوص الشريعة وقواعدها الكثيرة التي تراعي المصالح والمقاصد وتوازن بين المكاسب والمضار والتعاون مع كل المواطنين لتحقيق الأهداف المشتركة دون النظر إلى عقائدهم المتباينة أو تباين آرائهم السياسية والفكرية أو كسبهم من الالتزام بشرع الله فالوطن للجميع ويلزم أن يساهم في حمايته وتنميته الجميع وإدارته وكسب خيراته الجميع وفق ميثاق يشارك في اعتماده الجميع يحمي الحقوق ويحدد الواجبات ويرعى أمر أديان وأعراف المجتمع ومصالحه فهل يدرك الآخرون مثل هذه الغايات النبيلة الجامعة التي يسعى إليها الإسلاميون وهل هم على استعداد للتعاون مع الإسلاميين.

8. وعلى مستوى العمل الاجتماعي حققت الحركة الإنجازات الكبيرة في كفالة الطلاب وإيوائهم، وإنشاء المدارس في مرحلتي الأساس والثانوي وكفالات الأيتام والأرامل والفقراء وفي هذا تجد الحركة ثمارًا طيبة في صفحتها مكتوبة بماء الذهب.

9. أنتجت الحركة بحوثا ورؤى عميقة لشكل الدولة المدينة التي تحكم أرتريا المستقبل يتعايش فها كل المواطنين ويتعاونون في حمايتها وتنميتها واستقرارها من بين ذلك ورقة منشورة توضح رؤية الحزب الإسلامي في الدولة المدنية وأنها الخيار المشروع الذي يحسم الخلافات بين المواطنين ويسوقهم إلى التعايش والتعاون السلمي وقد حظيت بإعجاب الكثيرين حتى من غير الإسلاميين.

10. تجاوز الحزب الحصار الجغرافي الذي فرض على العمل الإسلامي في المحيط القريب إلى امتداد أوسع في العالم يسمح له بالتعامل مع البلاء بروح غالبة وتفاؤل واثق.

11. فتح الحزب وسائط إعلامية كثيرة ومتنوعة تعرض القضية و وجعلها منابر مشاعة لكل قوى المعارضة دون احتكارها للحزب دعاية وتلميعاً ونشر أنشطة فهي تخدم الجميع دون أن يتحمل الجميع تكاليفها الباهظة التي يقوم بها الحزب الإسلامي أو الأفراد المنتمون إليه بمبادرات إيجابية من طرفهم وبالتشجيع والتنسيق من قيادة الحزب الإسلامي.

12. يعد الحزب الإسلامي مدرسة رائدة في ممارسة النقد الذاتي البناء يمارسه بين عضويته في الآليات الإدارية كما يتقبله من أعدائه وأصدقائه على حد سواء ولهذا تجد كتابات من عضوية الحزب تنتقد الحزب بصورة لاذعة كما تنتقد الآخرين حسب وجهات نظر الأفراد الكاتبين فلا يتضايق الحزب مما يكتب ضده بل يستفيد من كل الآراء المادحة والقادحة دون ضيق ولا تهديد وهذا أسلوب حضاري يؤسس به لسلطة المستقبل في ارتريا الحرة المستقلة. وهو تقليد شرعي لدى المسلمين حتى داخل المدرسة الفقهية الواحدة فكم هي الآراء المتباينة التي تذخر بها المسائل والأحكام الاجتهادية بين العلماء. والحركة تحقق هذه الإنجازات مع أنها حركة مهاجرة تعيش خارج الوطن وتكابد محدودية الموارد المالية.

13. ولنا من الإنجازات الإدارية والتنظيمية والسياسية والجماهيرية التي تعكسها التقارير الدورية والمتابعة الإدارية عبر الآليات التنظيمية ما يحفزنا على سلامة المسيرة.

ما تقييمك للنظام الأرتري الآن وهل تتوقع سقوطه؟

لمن ينظر للوضع السياسي الحالي داخل الوطن الارتري يرى وجود حكومة فاشلة آيلة للسقوط تحت أي ظرف لأنها فقدت مقومات البقاء والاستمرار على كرسي السلطة من خلال واقعها الذاتي وليس من المتوقع ان يكون في المستقبل القريب للمعارضة دور في سقوط النظام . والجماهير الارترية للأسف فقدت الثقة في المعارضة ونتمنى من الله سبحانه وتعالى ان يجعل للشعب الأرتري فتحاً قريباً إنه ولى ذلك والقادر عليه.

ما الأسباب التي تجعل المعارضة هزيلة؟

إن الأسباب التي أدت الى ضعف وهوان دور المعارضة احصرها في الاتي:-

لبعضها ولاءات إقليمية مشبوهة بشكل علني وواضح.

بعضها توجهه مخابرات إقليمية كيف وحيث تشاء لأنه من صنيعتها.

بعضها ولاؤه للقومية أكبر وأهم من ولائه للوطن الأم.

بعضها جاء داخل صفوف المعارضة الارترية وهو موال للنظام ويقوم بدور التخريب في صفها وتمزيق كلمتها وتباعد تنظيماتها.

واخيًرا المعارضة الإرتيرية ثم اقصاء دورها، وعدم تفعيلها من قبل اثيوبيا وفق سياسات وتوجيهات عالمية حتى تموت موت سريري وهي الان تلفظ أنفاسها الأخيرة ما لم تجد من يسعفها من أبنائها الحادبين وصيغة المجلس الوطني الأرتري أفضل صيغة لو تضافرت الجهود لنجاحها وإنقاذها.

ثلاث دول: إثيوبيا، والسودان، واليمن، كونت حلفا ولد بتاريخ اكتوبر عام 2002 لعزل النظام الأرتري سياسياً. هل ما زال الحلف على قيد الحياة؟ وهل من المتوقع دعم المعارضة الأرترية؟

في تقديري قيام تحالف صنعاء لم يحقق شيئاً لصالح المعارضة الارترية وأعتبره القشة التي قصمت ظهر البعير لأنه أي التحالف ولد ميتا وتجاوزه الزمن والأحداث على الرغم من أنه لم يعلن إنهاء وحل نفسه لا أتوقع أن يكون لهذا التحالف دور ايجابي في المستقبل وفي المقابل لا أتوقع من السودانيين ان يقطعوا الصلة مع المعارضة الإرتيرية لمصلحتهم قبل أن يكون لمصلحة المعارضة لأن مبدأ التعامل بالمثل في السياسة حق مشروع وقد ثبت لدينا مما لا يدع مجالاً للشك بان السودان الرسمي عبر تاريخه الطويل لا يمتلك أي استراتيجية تجاه ارتريا وهو يمارس نفس السياسة التي تمارسها مصر تجاه السودان وهي التعالى والأبوية، يدعم مرة للمساومة مع النظام الأرتري ويخذل مرات موفيا بعهود ومواثيق يبرمها مع العدو غير الوفي وفي حين أن السودان تنزع وتصادر أسلحة وممتلكات الثورة والجهاد، والنظام في أرتريا يدعم المعارضة السودانية بكل وضوح، ويرعي شغباً عسكرياً وعصابات تخريبيه تنشر الذعر بين الشعب السوداني في الحدود ويصبح خلفية آمنة داعمة لتجار البشر والسلاح والتهريب.

أتمنى في الايام القادمة ان تتغير تلك المواقف وتتبدل تلك السياسات المجحفة في حق الجميع من المجتمع الارتري والسوداني أتمنى أن أرى السودان الرسمي يقف مع القضية الأرترية من الناحية الاستراتيجية لا من الناحية الآنية والمصلحة القاصرة.

الوطن يباع والمعارضة غائبة فهل أنت متشائم بالمستقبل؟

نعم نرى مصادرة الوطن وتقسيمه بين دول إقليمية بالاتفاق مع نظام أسياس الحاكم وأن الأمور ضاقت واستحكمت حلقاتها، وأن طوق النجاة آت من الله سبحانه وتعالى من داخل ظلام اليأس القاتم ونؤمن أن دولة الظلم زائلة ونصر الله بالفرج قادم إن شاء الله. أنا لست متشائما ولن أقنط من رحمة الله سبحانه وتعالى في كل الأحوال والظروف وستأتي الوحدة ولم الصفوف وتنتهي حالة التمزق والشتات وتنتهي و تقفل صفحة التيه والضياع والحرمان والجميع سيتجه نحو بناء الوطن وتأمين مستقبله من كيد الأعداء والطامعين هذه الحقيقة لا خيار غيرها.

تفاؤلك غير مدعوم بحقائق واقعية فالمنظور السياسي الآن غالب وهو لغير مصلحة أرتريا التي تبدو صغيرة ضئيلة أمام إثيوبيا الطامعة ودول الإقليم الطامعة.. لماذا انت واثق إلى أبعد حد؟

الإصرار بالتمسك بالإسلام محفز من الناحية الإيمانية، ووعد الله بنصر المؤمنين والتمكين لهم ودحر الظالمين وإن كانوا على مستوى الفراعنة الشداد فهذه سنة ماضية إلى جانب أن الشعب الأرتري الآن في وعي متقدم أدرك المخاطر التي تحيط به وأن التجارب صقلته وأن العدو متمايز واضح انفض عنه حتى انصاره وسواد من أهل ملته، وهو نفسه يفتقد الحكمة التي يكسب بها الجماهير إذ لا يعتمد إلا على العصى والسجن والتجويع والعنت المستمر للمواطنين فهذه وسائل وأساليب منفرة لا يأتلف بها المواطن مع السلطة كما أن الانفتاح الحاصل بين شعوب القرن الأفريقي يأتي لصالح الجماهير المسلمة هنا وهناك ولهذا تتقوى لدي تباشير الأمل بالمستقبل الواعد على الرغم من أن صانعي السلام في المنطقة لهم مآرب كائدة غير خافية تطارد سفينة نوح وتمكر بالتوجه الإسلامي عامة وتسخر كل شيء لمصالحها ويملكون من أدوات البطش والمكر والكيد الشيء الهائل ومع ذلك تظل مادتهم على ضخامتها هشة أمام عقيدة الأمة وثباتها، ومكرهم على شدته بائر أمام هذه الشعوب المسلمة التي تتشوق إلى الحرية والأمن والسلام والحكم الرشيد والحق منصور لا محالة، والباطل مهزوم وإن كثرت جنوده.

هل تثق بالعلمانيين من خلال ما تعرف من تجارب فاشلة معهم؟

إن الإسلام يدعونا للعمل مع كل جهد مخلص في الساحة يعمل لصالح القضية المشتركة ولهذا فلا حرج لدينا شرعًا ولا واقعاً أن نتعاون مع العلمانيين أو غيرهم إلا أنه من خلال الواقع وتجاربنا المتكررة يبدو لنا أن طبيعة بعض العلمانيين هي طبيعة تتسم بالمخادعة والنفاق أصلا وهذه الفئة دائماً تصف إرادة الشعوب الإسلامية في كل مكان وزمان بالفشل و ولهذا فإن صراع الإسلاميين مع العلمانيين سيظل مستمرا، يهدأ مرة وينشط مرات كثيرة وهم يكيدون دوما إذا وجد منا الغفلة وعدم الحذر من أساليبهم ومكايداتهم التآمرية ضد مصلحة الشعوب الإسلامية وغالبًا ما يتمترسون خلف العسكر وأدوات القمع القاسية والاستبداد الجائر، من طرفنا نفي لهم ما وفوا لنا، ونخلص لهم ما أخلصوا لنا، ونحسب أن لهم الحق في العمل والوطن مثل بقية المواطنين، وندعوهم إلى التخلي من عقيدة إقصاء الخصوم فتاريخهم حافل بها وحاضرهم مشاهد فإن أبوا فلن يجدونا جلداً ناعماً يطأونه بارتياح، ولا ظهرًا ذليلاً يمتطونه باشتهاء.

هل تتوقع أن يتعايش المواطنون الأرتريون في وطن يبنونه معا ويحمونه وينمونه؟

إن نشر الوعي وتعزيز روح وثقافة الحوار بين أبناء الوطن والتمسك بقيم الدين سيجعل إمكانية التعايش قائمة بين مكوني المجتمع الأرتري الإسلامي والنصراني . وأن بسط الرعاية الاجتماعية والاهتمام بالفقراء وتحسين أوضاعهم المعيشية وتقديم الخدمات لهم عبر الواجهات الإنسانية الخدمية كل ذلك سيعطي مؤشرًا إيجابياً لتجاوز العقبة في إزالة التعصب الديني من قبل النصارى الأرتريين الذين يتأثرون بشكل سريع بما هو حولهم فإذا أحسنا إليهم كسبناهم وأمنا شرهم نعم وبهذا ممكن أن يكون المواطنون جسمًا واحدًا معافاً متعايشاً بسلام وأمن واستقرار والإسلام يطرح هذا الخيار مقدم إياه على سائر الخيارات الأخرى.

كيف يتقى المواطنون الأرتريون أخطار التهديدات الخارجية من إقليمية ودولية؟

من الممكن أن نقيم تحالفاً إقليمياً واسعاً قائماً على مبدأ العدل والمساوة وبهذا نستطيع أن نواجه الأطماع الدولية مع مد جسور التواصل مع مختلف القوى العالمية والابتعاد تماماً من التصنيف لأي معسكر من المعسكرات العالمية والدنيا مصالح فإن أتحنا لغيرنا من الشركاء الدوليين والإقليميين فرصة تحقيق مصالحهم مع حرصنا على تحقيق مصالحنا فلا يوجد ما يمنع من صناعة شراكات إيجابية مع الأصدقاء وإنما نعيب على النظام الأرتري الآن أنه غير شرعي وأنه يبيع الوطن دون مقابل سوى حماية نفسه ونظامه المستبد ولهذا تصبح كل الاتفاقيات التي يبرمها النظام مع شركائه غير شرعية ومهددة بنقمة الشعب الأرتري ومجاهداته الطويلة الأمد الصبورة ولا يضيع حق وراءه مطالب.

الوطن أصبح نهبا لكل راغب.. أين السودان من الأوضاع في أرتريا؟

نعم السودان تخلف عن ركب الصفقات الجارية في أرتريا وكان هو الأولى به أن يكون حاضراً شريكاً ولكن للأسف تعامله مع جارته أرتريا تعامل قائم على المعطيات الآنية وليس من منطلق استراتيجي وسيظل هكذا فاقد البوصلة . والسودان من محاصرته لأرتريا عبر حدوده الشرقية لم يحقق فوائد تذكر وها نحن نشاهد أزمة في السلع الأساسية وأزمة في الوقود وتتزايد يوماً بعد يوم و ارتفاع جنوني في الأسعار فلم يكن للحصار أي تأثير على النظام الأرتري بل يعيش النظام في بحبوحة وانتعاش بإعادة العلاقة مع إثيوبيا حيث أغرقت إثيوبيا أسواق أرتريا بجميع أنواع السلع الاستهلاكية وأتوقع إذا استمر الحال في السودان أن تقوم دولة أرتريا بفرض حصار على جميع السلع من دخولها إلى السودان بأي شكل من الأشكال وسبق أن حظرت أرتريا دخول المواشي والمنتجات الغابية إلى الولايات الشرقية مما سبب الغلاء الفاحش للسلع وهكذا الأيام دول بين الناس.

ومع ذلك سيظل السودان خلفيتنا الاجتماعية وهي نتيجة طبيعية ولا تملك السلطة في البلدين أي دور مؤثر على هذه المعادلة لأن حالة الامتداد بين شعوب وقبائل شرق السودان وأرتريا جزء لا يتجزء من بعضه وأي محاولة للفصل تعتبر فاشلة تماما كما هو الحال في غرب السودان.

والسودان - سياسياً ورسميًا - بمواقفه الحالية لا يصلح أن يكون خلفية للعمل السياسي والأمني المعارض لأنه صار وأصبح من أنصار النظام الظالم ومن أعوانه الأساسيين ومن أعان ظالما سلطه الله عليه وسيظل أسياس دائما مسلطا على السودان والسودان سيعطي خدمة لمصلحة أسياس متى ما شاء وكيف يشاء. هذا هو واقع السودان الرسمي المشهود.ونأمل ان يتغير إلى الأفضل منطلقا من استراتيجية طويلة الأمد لا من المصلحة ضيقة الأفق لأن السودان مع الشعب الأرتري دين ولغة وتاريخ ولحم ودم وحسب ونسب.

الأرتريون في السودان تعرضوا لحالات اغتيال لقادتهم واختطاف بعضهم على يد الجبهة الشعبية ولحالات البيع علي يد تجار البشر، وهم مسالمون صامتون مع كثرة عددهم و وفرة قدراتهم عن الدفاع عن أنفسهم لماذا لا نرى حراكا أرتريا شعبيا في السودان ولو بشكل سلمي يدفع عن نفسه السوء والخطر؟

صحيح أن المهاجرين الأرتريين في السودان صوتهم خافت، وجهدهم مخفي أو معدوم مع وجود الدواعي التي تفرض عليهم المقاومة والتصدي للاعتداءات المتكررة عليهم وأحسب أن هذه الحالة التي عليها المهاجرون تعود لأسباب منها:-

إن النظام الحاكم في السودان لا يسمح بوجود أنشطة سياسية ينخرط فيها المهاجرون استغلالًا لقانون المفوضية السامية الذي يمنع المهاجر من ممارسة أنشطة سياسية وهم عادة يحترمون السلطات والقانون حتى لو كان قانون عدوهم فكيف بقانون بلد مضياف كريم ومنظمة دولية داعمة.

إن الشعب الأرتري المقيم في السودان غير متمرس في التعبير السياسي بشكل مظاهرات واحتجاجات ومذكرات والتواصل مع العالم الخارجي وفق الآليات المحددة ولهذا يبدو صامتا، لم يحدث أن قام بمظاهرة ولا وقف بأبواب المنظمات والسفارات الدولية في الخرطوم محتجا وإن الشيء الذي يحسنه الشعب الأرتري هو القتال بشراسة ضد عدوه متى تهيأت الظروف لذلك ومع ذلك توجد تجارب واعدة يقوم بها الأرتريون في دول مثل استراليا وإيطاليا والسويد وبريطانيا وسويسرا يقوم بها الأرتريون بمظاهرات دورية تتظلم من النظام الأرتري وتكشف مساوئه أمام المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان الأمر الذي يدل على أنه بإمكان هذا الشعب التعبير السلمي عن حقه إن تيسرت له الظروف المساعدة من قانون حام وأنظمة سياسية حامية.

الشعب الأرتري محتاج لمبادرات من قيادات رائدة يقتدي بها وكما قيل في المثل إذا كان الجنود أسودا والقائد خروفا أصبحوا خرفانا والقائد الأسد يجعل من الجنود الخرفان أسوداً فعدم وجود قيادات محنكة مؤهلة شجاعة أضعف الشعب الأرتري المهاجر.

آخر كلمة تودع بها وكالة زاجل الارترية للأنباء ”زينا“ وتختم بها هذه المقابلة:

اخيراً أقدم جزيل الشكر والتقدير لوكالة زاجل“ و القائمين عليها على هذا اللقاء التاريخي ذي التعرجات الطويلة الممتدة لنصف قرن، وأقول للقاريء الكريم: ما شهدتُ إلا بما علمتُ و أن الأحداث كتاب مفتوح ناطق عشته فنقلته كما شاهدته وأنا كنت ضمن فاعلي الأحداث فيما رويت ولم أكن عاطلاً غائباً عن المسرح فمن حق الجيل اللاحق أن يتلقى شهادات وتجارب الجيل السابق وفي التاريخ دروس وعبر، وأتمنى أن يطلع الجميع على حيثيات هذا الحوار الذي تأسس على وثائق محفوظة غير منشورة من محاضر موقعة، وبيانات وتقارير وشهادات، وتحليل وعلى معايشة لصيقة لفترة ممتدة، ورواتي لها لا تزعم أنها الوحيدة لكنها جزء من قراءات وشهادات من حقه أن يرى النور ولو تباين مع آراء مخاصمة؛ تريد أن تظلمه تاريخاً كما كانت تحاول إعاقة مجهوداته المخلصة في استقامة المسيرة.

هذا وإنه مهما خلصت نية صاحب هذه التجربة وهذا الحوار فإنه عمل بشر واجتهاد يروي تجربته فمن رغب من القراء أن يقدم ما يراه تصحيحا أو نصحا أو إضافة فنحن نستقبل ذلك بسرور شاكرين مقدرين فرأيي يكتمل برأيك، وما رويت إلا ما شاهدت من حياة وحركة وأحداث وأشخاص ما زال كثير منهم على قيد الحياة فبإمكانهم تعزيز روايتي أو تصويبها وشكرا لزاجل التي أتاحت لي الفرصة.. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

كل المقابلة مضت على أنك تتهم الآخرين بالاعتداء أوالفشل من حزب العمل والسلفيين والسودانيين دون أن تذكر سلبيات الحزب الذي تنتمي إليه هل انتم ملائكة؟

لسنا ملائكة لكننا نعالج أخطاءنا أو نطور أدوات عملنا عبر الآليات الإدارية والتنظيمية ولم نتضايق من الآراء والأفكار المتباينة في صفنا الموحد ولهذا يشهد الناس جميعا أن اسمنا تغير مرات من الحركة الإسلامية إلى حركة الرواد المسلمين إلى حركة الجهاد إلى حركة الخلاص الإسلامي إلى الحزب الإسلامي ولا أستبعد أن يكون لنا اسم آخر جديد إذا اقتضت الظروف الموضوعية ذلك وانتهت إليه آراء الغالبية من عضوية الحزب الإسلامي فما من تغيير في الاسم إلا ويتبعه تغييرات في المواثيق والأهداف والوسائل وهي مبنية على مبررات واقعية تتخلى عن نمط في الأداء وتتجه إلى نمط آخر وكل ذلك يتم عبر ميلاد عسير تتساعد وقد تتصارع الآراء والأفكار فيه في كل مستويات التنظيم يصبح بعد ذلك رأيا للحزب ولا يلاحق مخالفوه، والنتيجة ظهور تنظيم معافى والمراد بالعافية ههنا هي القدرة على علاج الذات والقدرة على عدم إيذاء الآخرين والقدرة على استيعاب الخلافات الفكرية والسلوكية داخل الصف الواحد الذي يحسم خلافاته بالأطر الإدارية والتنظيمية واللائحية والأخلاق السامية التي تدار بها العلاقات بين القيادة والقاعدة وبين الحزب وبين الأطراف الأخرى العاملة في الساحة الأرترية.

هذا بما يتعلق بالشأن الداخلي للحزب أما ما ذكرناه من سيرة حزب العمل وسيرة السلفيين فليس في الحزب الإسلامي من سيرة تشابهه تستحق الذكر وليس لدى الآخرين ما يثبتونه من اعتداءات ضدهم فالإسلاميون والوطنيون في جبهة التحرير لم يكونوا معتدين ليستحقوا ذلك العذاب الأليم وإنما تضايق من فكرهم خصومهم الجائرون، وحركة الإخوان في حركة الجهاد لم تنشق، ولم تغدر، ولم تعتد على المال والأرواح حتى تتم إدانتها تاريخياً ولا حاضرًا وإنما كفت يدها ولسانها - على الرغم من ضخامة غدر المنشقين - ولا تزال تخفي الوثائق الخاصة بالانشقاق المشؤم وسلوك شق الصف ونكث البيعات وعدم احترام القيادة والمجاهرة بعصيانها والاستدلالات والاستنباطات الخاطئة لنصوص الشرع نصرة للرأي والمذهب الخاطئ ليس من طبعهم ولا تربيتهم ولا يؤثر عنهم في سيرتهم، وهب أن لهم تصرفات غير سوية من أفراد - وهذا محتمل في القادة والرعية - فليس بصحيح أن يتخذ منها مبرراً للانشقاق الآثم لأن نصوص الشرع الحنيف تأمر بالصبر الجميل والسمع والطاعة ومعالجة الأمور ضمن اللوائح والأطر التنظيمية.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

باسم القروي: كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم.

Top
X

Right Click

No Right Click