المناضل/ محمد نور إدريس في حوار مع الإعلامي الأستاذ أبوبكر عبدالله صائغ - الجزء الاول

حاوره الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبد الله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي

المناضل/ محمد نور إدريس محمود من مواليد ضاحية لابا بمديرية نقفة، وبعد مرور أربعة أشهرعاد الى المدينة التى كانت تعيش فيها

أسرته وهي مدينة طوكر لأن والده كان يعمل كمزارع بها عاش مع أسرته وتربى وترعرع بها وحين بلغ سن الدراسة إلتحق بالمدرسة الداخلية بمدينة قرورا وواصل دراسته بمدينة بورتسودان بالمدراس الليلية، تربي بين بورتسودان وطوكر وقرورا مع الأسرة.

ويقول: عرفت بأنني إرتري بحكم الإحتاك بالوسط الإرتري والاجتماعات وأحاديث عامة الناس التى كانت تتناول في تلك الفترة الخلافات التى كانت تعج بها الثورة الإرترية، وبما إننى كنت أسكن مع الاسرة في حي ديم كوريا ببورتسودان وكان ذلك في بداية السبعينيات من القرن الماضى بدأت أتساءل عندما وجدت كتاب عن الشهيد/ محمد سعيد شمسي تحت وسادة مسؤول الفرع السيد/ على سليمان عن أصول أجدادى بالرغم من إننى حتى تلك اللحظات كنت إعتقد بأننى سودانى وأغنى نشيد:

سوداننا سوداننا أرض الجدود... الأب فيه والجد وجدت فيه منزلى
وجدت فيه مأكلى ومشربي... سماءه من فضة وأرضه من ذهب

وحين علمت بأننى إرتري ضاقت بي الارض بما رحبت وقررت الإلتزام بالثورة، وفي تلك الفترة كانت تشهد الساحة الارترية ميلاد قوات التحرير الشعبية، إنتظمت في صفوف الخلايا التابعة لقوات التحرير الشعبية وأذكر من الذين كانوا يشرفون على تنظيم الخلايا كل من المناضلين/ محمد على حراميتاي وعلى سليمان وود طوراي ومحمد على إدريس وأخرون كثر كانوا ينشطون في صفوف قوات التحرير الشعبية، وبدأنا حلقات للتثقيف السياسي ثم بعدها قررنا الإلتحاق بالثورة، حينها إتخذت القرار لوحدى وقررت الإلتحاق بالثورة دون أن يعلم بي أحد من أسرتى وخاصة أخي الأصغر الذى كان يسكن معى في بوتسودان والأسرة كانت تسكن في طوكر، وأذكر إننى كنت هاوى مشاهدة الافلام السينمائية وكنت أدخل لمشاهدة فلمين في اليوم حتى لايشعر أحد بأننى تركت العمل، وأخيراً رحّلتُ أخى الأصغر ليسكن في منزل محمد على إدريس، أخى الأصغر شعر بي عندما كنت أشترى الملابس العسكرية والتجهيزات الأخرى وبدأ يتساءل وقال لي هل ستلتحق بالثورة.

قلت له لا لا فقط عليك إلاهتمام بدراستك، وكان لي صديق عزيز إسمه/ محمد خضر سمع بالخبر وقال لي سوف ألتحق معك بالثورة ولكن بعد آخر الشهر وتسليم العمل بعد الإنتهاء من تصفية كل الحسابات الخاصة بالمخبز الذي كان يعمل فيه حتى لا تُسأل أسرته من بعده، إنتظرته حتى حلول موعد أخر الشهر، وحين تمكن من تصفية حسابات المخبز حددنا يوم 5/12 من عام 1974م وتحركنا من بورتسودان، لم نبلغ أحد سوى محمد علي إدريس الذى كان المسؤول عن إخراج الشباب للثورة، محمد على حراميتاى هو الذى كتب لنا رسالة لمكتب قوات التحرير الشعبية بطوكر لإستقبالنا وتوجيهنا، قضينا فترة زمنية بطوكر تقدر بحوالى 15 يوم بعدها تحركنا الى قرورة ووصلنا بالتحديد لمكتب قوات التحرير الشعبية الكائن بحي بحلفا، كل المؤن كانت تتحرك من المكتب بالجمال لتصل الى الميدان، القافلة تحركت بحراسة عدد من المقاتلين وكنا ثلاثة أشخاص مستجدين أنا وصديقي محمد خضر وشاب أخر إسمه أنقسوم، واصلنا سيرنا ليلاً بمحاذاة شاطئ البحر الاحمر بعد أن تجاوزنا مدينة قرورة التى كانت تحت نير الاحتلال الاثيوبي وعند طلوع الشمس وصلنا منطقة "مبأ" ووجدنا هناك عدد من المقاتلين وقضينا فترة النهار معهم، عدد الجمال التى كانت معنا في القافلة تبلغ حوالى ستين جمل، ثم تحركنا في فترة ما بعد الظهيرة ووصلنا الى منطقة "مداقح" ومنها الى منطقة "ودقان" التى قضينا بها الليل، وأتذكر أثناء وجودنا في منطقة "ودقان" هطلت أمطار غزيرة لم ننم الليل بسببها لأن المياه غمرت الارض التى كنا ننام عليها، كما أن مياه الشرب التى وجدناها في تلك المنطقة مياه مرة ومالحة، ومعظم الذين كانوا معنا ظهرت عليهم علامات المرض وواجهتهم صعوبة في التبول لتلوث المياه التى كنا نشربها، وفي اليوم الثالث وصلنا الى منطقة "بليغات" وبها إنتظرنا لمدة شهرين لقدوم مستجدين جدد لبدء التدريب العسكرى، وأذكر جاء أحد المقاتلين وجلس بجوارنا لإعداد الطعام ومعه العجين ثم وضع حجر كبير مسطح على ثلاثة قطعة حجرية أخرى وأشعل النار وبدء في إعداد القراصة، قال أحد المستجدين ربما يعد هذه الوجبة للحمير التى كانت في المعسكر، وقال مستجد ثانى كان معنا لا لا هذا الأكل يتم إعداده لنأكله نحن، طبعاً نحن لأول مرة نشاهد قراصة يتم إعدادها على حجر ومن عجين الحبوب التى يطلق عليها "ود عكر"، بعد الإنتهاء من إعدادها سكب عليها شوربة العدس وقدمها لنا لنأكلها، كل المستجدين الذين كانوا في المعسكر عانوا من الأكل وإستمر الحال هكذا لمدة شهرين وبعدها دخلنا في مرحلة التدريب العسكرى، والتدريب العسكرى كان في معسكر بليغات ومنطقة أخرى يطلق عليه ا "زيروا"، حين بدأنا التدريب كان عددنا حوالى 400 مستجد من مختلف القوميات الإرترية، التدريب كان شاق وقاسي جداً إستمر لمدة ستة أشهر متتالية ليلاً ونهاراً، بدأنا نتعرف على بعضنا البعض وكان بالنسبة لي نقلة نوعية جعلتنى أتعرف على أبناء وطنى من القوميات الأخرى، بالتزامن مع التدريب العسكرى كنا ندرس التثقيف السياسى وأذكر من الذين كانوا يدرسوننا المناضل عثمان بلح ومن المدربين أذكر كل من المناضلين رمضان أولياي وساردار وتمسقن ودى برهي وولدى إزقى وأخرون، خلال فترة التدريب عقد لنا إجتماع مع المسؤولين وبدأ المستجدين يتساءلون عن جدوى وجودهم هنا لأن فترة التدريب كانت طويلة وكنا نقول لهم لماذا تتركونا نشارك في المعارك التى كانت تدور في الجبهات الأمامية، وقيل لنا يوجد بينكم جواسيس وإستخبارات تابعين لإثيويا ولابد من التمحيص جيداً قبل التوجه الى الجبهات الأمامية، وقال أحد المستجدين وهو رجل كبير في السن مقارنة مع البقية: بالتأكيد أن إثنين أو ثلاثة ممن إلتحقوا بالثورة من داخل إثيوبيا هم السبب فيما نحن عليه الأن، إنتهينا من فترة التدريب العسكرى وبدأ مرحلة إعادة التنظيم التى كانت تعرف بالتخليط، تم توزيعي في الكتيبة 607 وكان قائدها الشهيد/ على أبرهيم وكان المشرف السياسي المناضل برهانى قرزقهير ونائبه كان الشهيد/ حسن حمد أمير وقائد القطاع هو المناضل دانئيل/ الشهير "بظعاي" وقائد الفصيلة هو المناضل/ عبدالله الذى إستشهد في هجوم تحرير مدينة نقفة لاحقاً و قائد المجموعة هو المناضل/ ألم، كما أذكر من الذين كانوا معي في مجموعة البرين كل من تخلوم وودى منقس وود تافلا، وأسلحة البرين التى كانت معنا هي روسية الصنع وكان يطلق عليها المقاتلون برين "قظة" وكنت المدفعجي الثالث للبرين ثم أصبحت الثانى، ثم ذهبنا الى منطقة "قطان" على شاطئ البحر وقضينا بها مدة شهرين، وأثناء وجودنا هناك بدأت المعارك الاولى لتحرير نقفة بعد أن خرجت قوات التحرير الشعبية من معارك الحروب الاهلية، وإثيوبيا تمكنت من تقييم الأوضاع وتيقنت بأن التنظيم الجديد في الساحة الارترية سوف يشكل لها خطورة في المستقبل خاصة بعد تثبيت تنظيم قوات التحرير الشعبية أقدامه في الساحة الإرترية وأصبح وجوده واقع ملموس في مناطق "قلع - قرقر - علاكيب" وغيرها، ولذلك قررت إثيوبيا حسم التنظيم والقضاء عليه عسكرياً بعد إنتهاء معارك الحرب الأهلية بجلب أعداد كبيرة من القوات للقضاء على قوات التحرير الشعبية التى خاضت معارك ضارية مع قوات العدو إستمرت لأكثر من خمس عشرة يوماً إنتهت بهزيمة العدو، ويذكر أن قوات التحرير الشعبية تكونت من ثلاثة تنظيمات وهم قوات التحرير الشعبية الجناح الاول والثانى والثالث الذى تمثل في العوبلين، بعد إنتهاء تلك المعارك وجد التنظيم القبول من الجماهير الارترية وتدافع الشباب للإلتحاق بالتنظيم من الداخل والخارج، وتحولت القوة العسكرية للتنظيم من القطاعات الى الكتائب لزيادة أعداد المقاتلين الملتحقين بالثورة، وتقرر خوض معارك تحرير مدينة قرورة ثم معركة تحرير نقفة لأهمية المدينتين وخاصة إن تحرير مدينة نقفة الإستراتيجية سوف يساعد على تمترس الثورة في دفعات حصينة من جهة وتزيد القبول لدى الجماهير من جهة أخرى، وبدأت الكتائب تزحف نحو نقفة مثل كتيبة 607 و 301، وكتيبة تسفاى تبارخ لتنفيذ الهجوم على نقفة.

نفذنا الهجوم الاول على مدينة نقفة في شهر سبتمبر من عام 1975م وكان الهجوم عبارة عن قذف مدفعى وتبادل لإطلاق النار، الثورة حينها لم تتمكن من حسم معركة نقفة لوجود أعداد كبيرة من قوات العدو المتسلحة بعتاد عسكرى وأليات وتدريب حديث، والاسلحة التى كانت بحوزة الثورة كانت بدائية مقارنة بأسلحة العدو المتطورة، الثورة تمكنت من إحكام الحصار حول مدينة نقفة لمدة عام وكنت ضمن تلك القوات.

يتبع... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click