من أجلك يا إرتريا

بقلم الأستاذ: متكل أبيت نالاي

كتبت مجلة الحوادث في صفحتها الثقافية في العدد رقم 1381 الصادر بتاريخ 22 أيار

عن الأديب الإرتري الشهيد أحمد محمد سعد وعن كتابه ”عاشق إرتريا“ وهذا نص المقال:

حتى عام 1970 كان الشباب الذين هاجروا إرتريا لدراسة في غير بلد عربي، تشغلهم السياسة، يكتبون فيها، وينظرون من خلالها لقضيتهم التي انفجرت ثورة بدءا من عام 1961. لذلك... بقيت المكتبات العربية لا تعرف من نتاج الشباب الإرتري سوى ما كان في مجال السياسة والإعلام الثوري. وفي السبعينات، ظهرت تجارب شعرية وقصصية بسيطة بقيت دون الإبداع الفني، تغرق في المغالاة.

وتختفي أغلب الأسماء التي خاضت غمار هذه التجربة عدا شاعر ومسرحي شاب هو أحمد محمد سعد، الذي تابع تجربته في كتابة الشعر والنصوص المسرحية. وواظب على نشر نتاجه في مجلة الثورة الإرترية.

وأحمد محمد سعد ولد في حرقيقو عام 1945، أنهى دراسته الثانوية في مدرسة الجالية العربية في أسمرا وهاجر إلى مصر حيث تخرج من كلية الزراعة عام 1976. وبدأ في ليبيا يزاول مهنته كمهندس زراعي حتى توفي بحادث سيارة عام 1978. وخلال هذه المدة لم ينقطع أحمد سعد عن الكتابة، شعراً ومسرحاً.

و”عاشق إرتريا، (دار الكنوز الأدبية)، الذي بين أيدينا هو بعض ما وجد في أوراق الشاعر الإرتري من شعر غير منشور ومسرحية ”من أجل إرتريا كتبها عام 1970 ومثلت في القاهرة عام 1975. ما يميز شعر أحمد سعد هو الجديد الذي أضافه على القصيدة الوطنية الإرترية، وهو على ذلك تأثر حد بعيد بشعر محمود درويش فمع النبرة الثائرة وفي السبك المتوتر للقصيدة. هناك شفافية واضحة تعكس ما يختلج في نفس الشاعر من تحرق ووجع على الأرض والوطن.

وفي الوقت الذي يبحث فيه أحمد سعد عن تفاصيل تراه ينشد العموميات وتلك، من بقايا تأثر بالقصيدة الوطنية التي غزلها عمر أبو ريشة ولكنها مع أحمد سعد، تأخذ ملامح الوجه الإرتري المناضل. وفي خضم التدفق الثوري الذي يضج في أفئدة الشاعر، لفتة إلى حبيبته التي يحرضها على الثورة معه:-

ما عدت أعبث بالهوى

وكفى العبادة للمفاتن والعيون

فلتحرقي أن شئت كل رسائلي

ولتكسري صنم الصبابة والجفون

إني هنا اروي الملاحم من دمي

أفضل من أحمد سعد المسرحي وبعد تجاربه مع الخشبة طرية العود. ولم تنضج إلى حد يمكن الحكم عليها أو لها. ويبقى هذا الشاب الإرتري فوق كل ا إشارات النقد. علامة فارقة عند شعب يثور لأنه يعشق الأرض. ”عندما يبدأ الوجع اليومي يوغل في صدر الفنان يبدأ معه الإبداع والخلق الفني هذا الكلام الذي كتبه المفكر الفرنسي الراحل موريس ميرلو - بونتي في مجلة صديقه جان - بول سارتر الأزمنة الحديثة. يجد بعده السوسيولوجي والفكري في نتاج من اعتصرهم الم على وطن وأرض. وحسبنا أن أحمد سعد واحد من هؤلاء.

توضيح:

كما هو واضح إعلاء، خصت مجلة الحوادث تلك المقال لشاعر الإرتري أحمد محمد سعد حللت فيه، إبداعه الشعري، والمسرحي، وأبرزت إعجابها بدوره المميز في الشعر الحديث، جاء ذلك في مجلة الثورة في عددها 167 السنة - 19 أيار/مايو 1981 والتي كانت تصدرها جبهة التحرير الإرترية ـ قوات التحرير الشعبية من بيروت ص. ب. 5404/14 ونظراً لأهميته التاريخية، رأيت من جانبي أن أساهم بنشره كما ورد في المجلة.

والشاعر يعتبر كسبا كبيراً لثورة الإرترية، كان إيمانه قاطع بالثورة وانتصارها كان عنده محقق، فوظف بطولاتها، ومجد صمودها في شعره، بل كان يغوص حتى الأعماق في معانات الشعب الإرتري، و شاعرنا أحمد كان نهجه فريداً في الشعر متمكن في رؤيته متوازن في سرده، ليس له شبيه في تاريخنا الحديث، بل كان يرمز إلى ما وصل إليه الشعر في بلادنا.

شردته ظروف الحرب مثل كل الإرتريين بين جدة، والقاهرة، وليبيا. فالرواية التي تحدث عنها محمود أحمد لوبينت، أحزنتني لأن الذي ضاع من أشعاره هو تراثنا الإرتري، له قيمته التاريخية، كان يجب أن يكون خالداً على مر الزمن كملك للإرتريين جميعاً. وللأسف الرقابة الإعلامية في جدة أوحيلت كل أعماله إلى ركام ربما وضعتها في احدي رفوفها المظلمة التي تعرف بزوايا المحفوظات تنتظر من يراجعها.

نعم نحن أمام سيرة لمجزرة الشعر لنرى كيف دفع تراثنا خطوة إلى وراء لا حد يملك جواباً حتى الآن لماذا حصل ذلك ؟

نسى الناس أحمد محمد سعد ونسوا شعره، ولا نجد من يثير حوله ضجة، استضعف شعره الذي طبع فيه زمنه كاملاً، هكذا يضيعون رجالنا في كل منعطف، فنسي أن نرمي لهم التحية. بقى لنا بصيص من الأمل سنظل ننتظره من دار الكنوز الأدبية بأن تمكنا في الحصول على كتابه الوحيد (عاشق إرتريا) لعلنا نعثر عليه قريباً.

Top
X

Right Click

No Right Click