الشاعر احمد سيد محمد سعد هاشم ودوره فى تطوير الأدب العربى فى ارتريا

المصدر مدونة الشاعر الارتري: أحمد علي دحنة

أحمد سعد الميلاد والنشأة: أحمد محمد سعد اسم بقامة وطن وعلم يحكى تاريخ شعب ومأساة أمة

شاعر ومسرحى تتضاءل امامه كل القامات الادبية وتنحنى له كل المقامات الابداعية لأنه انسان اختصر فى سيرته الذاتية ملامح أمة بكامل تفاصيل حياتها ميلاد فى رحاب الوطن، هجرة عن حضن الوطن معاناة.. مأساة.. قلق.. اشتياق.. خوف ورجاء فى هجير بلاد المهجر ومن على البعد يراقب ملامح الحياة فى الوطن قتل... تشريد... مجازر... مذابح... قمع وارهاب وفى فجر سماوات الوطن تمخضت الاقدار عن كائن اسمه الثورة بكل حضوره واهداف مجيئه السامية لاعادة البسمة الى شفاه اطفال ارتريا الحالمين بغد افضل يحلمون بالدروس و الفصول دون هدير الطائرات وازيز المدافع وانفجارات القنابل:

صغارنا الذين فى العراء

يحلمون بالحقول والدروس والفصول

يدندنون بالنشيد

غدا نعود للديار

نملأ الطريق بالورود

بهذه العوطف الجياشة لون الشاعر الفقيد أحمد محمد سعد لوحة الوطن الشعرية.

مولده ونشأته:

ولد الشاعر الشهيد أحمد محمد سيد سعد عام 1945م بقرية حرقيقو النائمة على ترانيم امواج البحر الاحمر إذ تستشف اشراف الصباح المتكسر فى اللجة فيغدو رفرافا كما لاعنيات وتداعب المغيب على اوتار الصيادين والمراكب ومنها تشكلت طفولته الاولية على شاطئ يمتد فى القلب والذاكرة.

والده من علماء القرية الأفاضل ووالدته من بيت شيخ محمود الذين عرف عنهم التدين والتقوى والصلاح فكانت نشأة الفتى احمد فى بيت علم ودين ومعرفة واطلاع مما اكسبه ثقافة لغوية ثرة تفتحت بها مداركه منذ فترة الطفولة المبكرة فكان لها دور عظيم فى تنشئته هذا الشاعر الحنذيذ.

المراحل الدراسية:

انهى الشاعر الشهيد أحمد محمد سعد دراسته الابتدائية بمسقط رأسه قرية حرقيقو والتى كانت ابرز منارة للعلم فى ذلك الوقت ولا تزال حتى الآن وانتقل من بعدها الى العاصمة اسمرا ليواصل تعليمه المتوسط والثانوى بمدرسة الجالية العربية.

هاجر شاعرنا الى مصر ليواصل رحلة الدراسة الجامعية هناك والتحق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة وتخرج منها فى العام 1976م.

بعد ان حاز شاعرنا على البكلاريوس قرر الهجرة للعمل فى ليبيا فازدادت آلامه وجراحه التى لم تندمل ابدا بسبب هجره لموطنه الذى طالما تغنى له وصاغ من اجله الدرر والروائع.

هاجر احمد سعد الى ليبيا وهناك كان القدر مترصدا به حيث توفى فى حادث سير اليم فى عام 1978.

البدايات الأدبية لأحمد سعد:

كانت القاهرة المحطة الابرز فى حياة الشاعر الفقيد أحمد محمد سعد حيث شهدت معظم الانتاج الادبى لهذا الشاعر اضافة الى انتاجه المسرحى ومن القاهرة قام احمد سعد بمراسلةالعديد من الصحف والمجلات العربية مثل مجلة الحوادث اللبنانية ومجلة الأمة القطرية اضافة الى المجلات والاصدارات الارترية والتى كانت ابرزها مجلة الثورة والتى نشرت عددا كبيرا من قصائده والتى جمعت بعد اضافة لانتاجه المسرحى فى ديوانه الوحيد عاشق ارتريا والذى حوى معظم انتاجه الشعرى وكل انتاجه المسرحى.

الإنتاج المسرحى لأحمد سعد:

يعتبر الشاعر الفقيد من القلائل الذين جربوا فن المسرح من ادباء وشعراء ارتريا وقد خاض احمد سعد هذه التجربة فى عام 1970 حيث قدم مسرحية من أجل ارتريا ثم اتبعها بمسرحية رياح الفجر وكانت اكثر مسرحياته حماسا وغنائية هى مسرحية طريق البطل والتى مثلها الطلاب فى اتحاد طلبة ارتريا فى القاهرة فى عام 1975 وعرضت لمدة شهر كامل وكان لها دوركبير فى التعريف بالقضية الإرترية حينها فى الأوساط العربية اذ كانت القاهرة آنذاك هى محور هجرة الانتاج الفنى العربى.

قوام ثقافة أحمد سعد:

تتمثل قوام ثقافة الراحل الشهيد فى عدد من المحطات ولعل اولها هى الخلوة او الكتاب حيث نال فيهما قسطا كبيرا من الثقافة الاسلامية التى كان لها الأثر الكبير فى تكوين شخصية احمد سعد الشاعر من حيث الالمام باللغة العربية منذ فترة مبكرة ومما ساعد على ذلك نشأته فى اسرة دينية عريقة ما ذكرنا.

ويأتى دور التنشئة الاسرية والاجتماعية التى ترعرع فيها الشاعر لتبرز بين ثنايا النص واحيانا نجده ينجرف من سياق اللغة الى ابجديات طفولته من اهازيج واغانى صدح - مرقدى - سعسعيت ومدائح عمر سراج بادورى، جباجب وصوت الآذان عندما يأتى
متناغما من عدة مساجد سيد الحسن / ابوشمبة / ابن على.

إن احمد سعد يستعير احيانا اصوات شعراء سبقوه فى الاغنية السياسية والقصيدة الوطنية العربية كسعدى يوسف ومحمود درويش وعمر ابو ريشة وأمل دنقل وقدوى طوقان لكنه سرعان ما يمتلك صوتا خاصا يصب فى نهر الاغنية السياسية والتعبوية.

يقول عن ذلك الدكتور احمد حسن دحلى: (لقد التهم الشاعر الإرترى احمد سعد انتاج معظم اقطاب الشعر العربى واذكر على سبيل المثال لالحصر بدر شاكر السباب - امل دنقل - عبدالوهاب البياتى - صلاح عبد الصبور - احمد عبد المعطى حجازى - محمود درويش - سميح القاسم، وان هذه القراءات ساهمت بدون شك فى اثراء تجربته الشعرية ولم تكن حائلا فى صوته الفريد لأنه كان ينهل ايضا وبلا حدود من ينبوع ثورته الإرترية.

المدرسة الشعرية:

كما ذكرنا سابقا ان الادب العربى الإرترى قد حاز على جزء كبير من الذاكرة الابداعية لخارطة الادب الإرترى وبلغ مستوى كبير من الرقى والتقدم والتطور واسهم هذا التطور فى ظهور عدد من التيارات الشعرية فى ارتريا والتى تم حصرها فى ثلاثة تيارات.

كان التيار الاول تيار الحرية وفى مقدمة شعرائه محمد عثمان كجراى ومحمد محمود الشيخ وكان التيار الثانى التيار الاجتماعى ورائده الشاعر الراحل عبدالرحمن سكاب اما التيار الثالث فهو تيار الهوية فهو التيار الذى كان رائده شاعرنا احمد محمد سعد حيث صب معظم منتوجه الادبى فى وعاء هذا التيار هذا من ناحية المضمون اما من ناحية المفردات والاسلوب والتركيب فقد زاوج الفقيد الراحل بين المدرسة التقليدية بلزماتها العروضية ومابين شعر التفعيلة والذى برع فيه وكتب عليه اكثر من كتابته على البحور الشعرية التقليدية.

وفاته:

بعد تخرجه من كلية الزراعة بجامعة القاهرة قرر أحمد سعد الهجرة الى ليبيا ومكث بها عامين فقط حيث كان على موعد مع القدر حيث استشهد فى صبيحة احد الايام عام 1978م اثر حادث سير اليم فقدت على اثره الساحة الارترية احد فرسان الرهان ومبدع قلما يجود الزمان بمثله ليتوقفقطارابداعات الفقيد احمد سعد وهو فى ريعان شبابه حيث كان عمره آنذاك 33 عاما ولكنه تركلنا ارثا جميلا تمثل فى ديوانه عاشق ارتريا والذى طبع بعد وفاته وضم معظم الانتاج الشعرى والمسرحى لهذا المبدع الفقيد.

أبرز ملامج أدب أحمد سعد ودوره فى تطور الأدب العربى فى ارتريا:

فى المشهد العربى الشعرى الحديث هناك شاعرين اثارا جدلا بعد رحيلهما وهما التونسى ابوالقاسم الشابى (١) والسودانى التجانى (٢) يوسف بشير ولعل الجدل يكمن فى رحيلهما وهما فى مقتبل العمر إذ لم تتجاوز مسيرتهما فى الحياة اكثر من خمسة وعشرين عاما تاركين انتاجا شعريا يعد من اروع النتاج لشابين حصدهما الموت فى وقت مبكر ولو امد الله فى عمريهما لأثريا الساحة الشعرية بالوطن العربى ولكن هى ارادة الله. لكن ستظل ”اشرافة“ التجانى و ”اغانى الحياة“ للشابى امتدادا لحياتهما وتخليدا لهما فى ذاكرة
الشعر العربى.

ما جعلنى استهل موضوعى بالشابى والتجانى هو ربما التشابه بينهما وبين شاعرنا الشهيد احمد محمد سعد فو شاب رائع لم يعش طويلا فقد مات فى مقتبل عمره مخلفا وراءه مثلهم ديوان واحد هو ”عاشق ارتريا“ واحسب ان احمد سعد هو الضلع المنسى او المفقود للمثلث الابداعى الرهيب على المشهد الشعرى العربى الحديث والمكون من التجانى والشابى وأحمد سعد وان لم يرق احمد سعد مرقى نظيريه لعدم وجود المساحة الاعلامية الكافية والتى لولاها لكان احمد سعد يتربع على عرش هذ المثلث.

الصور الشعرية فى أدب أحمد سعد:

يمتاز المنتوج الشعرى لدى الشاعر الفقيد احمد محمد سعد بغزارة المناظر الشعرية التى يمكن للفنان التشكيلى ان يصوغ منها لوحات رائعة جدا متى مااستمع اليها فقد ابرز احمد سعد الجماد فى صورة المحسوس والمحسوس فى صورة الملموس فارتريا عنده ليست الا نبوءة تستطيع ان تلد الرجال وان تملك سطوة الأبطال الاسطوريين فى نضالهم فهى لدى أحمد سعد آلهة الحب وملكة البطولات.

* تقع قصائد أحمد سعد فى خانات الأغنية السياسية والنشيد الوطنى وقد تهرب بعض القصائد من هذا التحديد لتمتلك صوتها الحر ونجد فى بعض القصائد نبضا للاغنية السياسية التى تحدد اتجاهها وموقفها بما فيها من صور شعرية جميلة مثل قصيدة ”رسالة من الوطن“ و ”اغنية الزميل الجريح“ والتى يقول فيها:

حكى الزميل قصته

تشرد الأقارب

ابواى لاجئات فى السودان

اعيش حائرا بلا امل

قال صاحبى

متى نعود للميدان

مللت جلسة المقاهى

كرهت غربتى

واخشى رحلة النسيان

وفى قصيدة ”رسالة من الوطن“ يقول:

قرأت فى رسالة قصيرة

اخبارا عن الوطن

ادريس قد قتل

واخرون قد مضوا يستبسلون فى المعارك الكثيرة

وجارنا الذى رحل

يقال مات فى المذابح الأخيرة.

• ان ارتريا حاضرة غائبة.. انها ظل القضية وشعائها وهى ان يهمل الشاعر ذكرها مباشرة فانما تظهر وتقدم نفسها عبر القضارف
و”هيلى“ و”الدرق“ ومخيمات الاطفال الجياع والعراة والذين لم تستوعبهم مناطق اللجوء السودانية على الحدود.

فى هذا الدفق الابداعى تتراءى لنا صورة رائعة احبها الشاعر ولاذ بحبها فيهطل حبه من خلال المعانى بحثا عن امل فى ذلك الحب الاكبر لأن الحب عند أحمد سعد ليس امرأة فلم يحلم بفتاة تشاركه احزانه بل انه يرى فهذا النوع من الحب بذخ وهراء لأن حبه الاول والأخير وهو الوطن ارتريا:

ماعدت اعبث بالهوى

وكفى العبادة للمفاتن والعيون

فلتحرقى ان شئت كل رسائلى

ولتكسرى صنم الصبابة والجنون

انى هنا اروى الملاحم من دمى

 وتبرز الصورة المثلى للمرأة عند أحمد سعد مناضلة صديقة تشارك فى وهج القتال كما فى خندق النضال واحمد سعد لا يذكر حوار ارتريا إلا كتوأم للمقاتلين ويحملها نصف ثقل المعركة:

وتحضر المجاهدات من مدارس الكوادر

يعشن فى معامع القتال

هناك فى المعابر العتيقة

يمر ثائر وثائرة

يقاومان فى شجاعة

ويزحفان يضربان

*** *** *** ***

بصوت شاعر وكاتب وكاتبة

نزيل جرحنا

ونطرد الضباب

إن أحمد سعد بالرغم من انه كان بعيدا جدا عن وطنه بسبب دراسته فى مصر او عمله فى ليبيا إلا أنه رغم ذلك ظل حاضرا بعاطفته الجياشة وحنينه الدافق الى الوطن فهو يغنى بقضايا الوطن الذى تغرب عنه غربة ابدان:

ربما دكو الروابى

ربما صبو لهيبا

فوق زرع وبيوت وحمام

بيد انا لا نبالى بالمآسى

فقضايا الثائرين

صوت رشاش يغنى للسلام

وتظل صور المعاناة فى ظل حكم الاستعمار حاضرة فى ذهن الشاعر والمتمثلة فى صور الاطفال فى العراء وصور الشهداء وهم يتحينون الموت فى سبيل الوطن:

من اجل من ذاق الضنى

من اجل من عشق السنا

من اجل اطفال لنا

قد شردوا خلف العراء

من اجل من شقوا الطريق

وشيدوا فجر البطولة والفداء

من اجلكم يا اخوتى

سأظل ارفع رايتى

انى اريد هويتى.. حريتى.. جنسيتى.

الخطابية فى أدب أحمد سعد:

يحفل ادب احمد سعد بسمة الخطابية فتارة يخاطب امته وتارة اخرى يخاطب الوطن ويوجه خطابه احيانا الى العدو والى الضمير
الإنسانى فنجد فى قصيدة ”يا فلسطين الكفاح“ يخاطب امة العرب فهو ليس بمعزل عنها بمشاعرها وآلامها فنراه يرف بجناحيه فوق ربوعها يتفاعل معها ويتجاوب مع عذاب الشعب الفلسطينى ويصبغ احساسه فى قصيدة تجسد التلاحم بين الثورتين الإرترية والفلسطينية فها هو يوجه خطابه الى امته العربية قائلا:

أمة العرب افيقى

استعيدى ذلك المجد العريق

اسرجى الخيل وهبى

فدروب الجيل عطشى

للقاء النصر والفجر الجديد

استردى القدس... مسرى الأنبياء

استردى كل شبر دنسوه

طلقة الرشاش امضى من ملايين الحروف

لم يمت نبض العطاء

طالما الدرب يغنى للفداء

خطابه الموجه الى وطنه

يا بلادى

يامنار الثائرين

قد شربنا فى هواك

خمرة المجد التليد

دونك العيش ثقيل لايطاق

انت نبض فى ضميرى

رافض كل القيود

ليس لى غير المنافى

غير ذكرى تؤنس القلب الوحيد

ويتحول الخطاب الى استعطاف رقيق ورائع:

يا بلادى اذكرينى

كلما عاد المساء

فلعل الطيف يدنو

ويرش الليل حولى بارقات من ضياء

ويواصل أحمد سعد فى هذا النهج الخطابى محدثا وطنه فيقول فى قصيدة علمينا:

علمينا يا بلاد الصائمين

علمينا كيف نحيا فى هواك

ونغنى للحزانى البائسين

علمينا كيف نجتاز الصعاب

ونداوى كل جرح فى نفوس اللاجئين

ويختتم خطابه الندائى الى الوطن بنهجه التقليدى:

بابلادى

هاهو الفجر الحبيب

قد دنا رغم الأعادى

صدح الافق نشيدا

فوق هاتيك الروابى

وغدا حتما نعود

لديار هى نور فى القلوب

يا بلادى

ان هذا الاسلوب التقليدى فى مناجاة الوطن يدل على غنائية يكتظ بها الشعر العربى فى ارتريا ونجد ذلك ايضا فى اساليب شعراء آخرين مثل الفقيد الراحل محمد عثمان كجراى:

يا بلادى انت يا ام الضحايا

يابلادى بيد الفرحة مدى

لى ذراعيك فقد جئت نهارا

أما الاسلوب الندائى العام فلا يخلو منه ادب كجراى:

يا فتاة... يا احبائى... جبهة التحرير يا مولد امجاد الجراح...
يارفاق الامنيات الخالدة... يا رفاقى ها انا فى ليلى الصامدين
ودعت اغترابى... يا سهول النور انى سرت فى درب الفخار...
يا شعبا ينزف فى وطنى عن مجدك عندى تذكار...
يا ميلشيا الشعب سيرى

ويعود سبب هذه الحالة الندائية فى النهج الابداعى للشعر العربى الإرترى لما اقتضته ضرورة تلك المرحلة اذ كان الشعر حينها تعبويا تحريضيا يحث على النضال والكفاح ضد الاستعمار مما يتطلب هذه الصيغة الندائية اكثر من الصيغ الشعرية الأخرى.

له كتاب بعنوان: «عاشق الحرية» جمع بعد وفاته، يتضمن أعماله الشعرية والمسرحية، بالإضافة إلى قصائد مخطوطة متفرقة.

Top
X

Right Click

No Right Click